يشعل رجال الدين حربا مذهبية غير مسبوقة في المنطقة العربية، بعد أن بعثوا المذهبية من قبورها، وأعادوا هيكلة المسلمين من جديد في فسطاطين: فسطاط أهل السنة والجماعة، وفسطاط الشيعة الأكفر من الكفر، حسب فتاواهم. والحرب الدينية دائرة اليوم في أكثر من جبهة، بعد أن أوقدها رجال الدين في سوريا أولا.. ولا نقول كل رجال الدين، بل هذه الفئة التي وصفها الإمام الحسن بأنها شر الناس. هذه الحروب والفتن ثمرة فتاوى وبيانات ومؤتمرات وخطب رجال الدين المتعصبين أمثال القرضاوي، والعريفي، وعبد المجيد، وعبد الماجد، وعبد المقصود، وأضرابهم من الأشرار، موقدي الفتن.. نقول ذلك بلا رهبة لأنهم، وهذه صناعتهم، أحط من كل ذم. الشيخ السلفي اللبناني أحمد الأسير يقود كتائبه في حرب على الشيعة والجيش داخل لبنان بدعوى أن لحزب الله مقالتين في سوريا، وفي مصر يقتل الإخوان والسلفيون مواطنين مصريين شيعة مسالمين بدعوى أنهم وقعوا على حملة تمرد لإسقاط الرئيس المؤمن مرسي، وفي ليبيا يقتلون مواطنين بجريرة أنهم صوفية قريبين من الشيعة.. حروب دينية في كل مكان، افتحوا عيونكم على الفضاء العربي- بله الإسلامي- لتروها. إن الذين أشعلوا نارها رجال دين طويلي اللحى، حملة عمائم، وسكنة أثواب عباعب.. لم يشعلها رسامون، ولا كتاب وصحفيون علمانيون، ولا مغنون، بل رجال دين، ولو كان أحمد الأسير امتهن مهنة أبيه المغني في كباريهات لبنان، لسلم اللبنانيون من هذه الفتنة، ولما استحر القتل.. لكن ذلك يحدث الآن لأن أحمد الأسير صار رجل دين، وليس مغنيا. يؤثر عن الإمام عبد الرحمن الأوزاعي، أنه قال إن النواويس (قبور محفورة في الصخور) شكت إلى الله مما تجد من نتن الكفار، فأوحى الله إلى هذه النواويس بأن بطون علماء السوء أنتن مما أنتم فيه!.. وما هذه الحروب الدينية اليوم، والقتل بمعايير السلفية والسنية والشيعية والصوفية، إلا تجلٍ لنتن بطون وألسن ورؤوس رجال الدين أو علماء السوء. بكثرتهم، وبأصواتهم العالية، وبالمال الكثير الذي يحصلون عليه بالباطل، وبفتاواهم وخطبهم، وبمؤتمراتهم وتحركاتهم، صار رجال الدين آلهة حروب، وأربابا للإرهابيين، وقد رأينا ما أنتجته هذه الربوبية.. رأينا الحرب تدور بين مسلم ومسلم لمجرد الاختلاف المذهبي، وشاهدنا حفلات الإعدام خارج القانون، وخارج الشريعة، وعشنا الفتن الدينية، وسمعنا فتاوى تبيح قتل المسلم في معركة الجرح السوري الطري، لأن الجرح الفلسطيني- الإسرائيلي قد اندمل، وصار من الماضي.