في الوقت الذي كان فيه بعض العرب يصفون الصهاينة بشرذمة من الجبناء الضعاف شُذّاذ الآفاق.. كان هؤلاء يعملون ليل نهار لتجذير وجودهم ومضاعفة قوتهم وسيطرتهم على الأرض، ودراسة الآخر العربي بمنهجية وواقعية وعمق، وتمكنوا في أول مواجهة من إنزال أفدح هزيمة تاريخية بالعرب في نكسة(48م)، واحتلال الأرض العربية، وإعلان قيام دولة إسرائيل عليها، الدولة التي قرر العرب إغراقها في البحر فأغرقتهم في نكبة(67م) ..!! في الداخل كان البعض يصف الحركات الإسلامية بالدراويش والبسطاء السذج، ويوجه اندفاعهم البريء لقمع التيارات اليسارية، فيما كان الإسلاميون ينتشرون انتشار النار في الهشيم، ويقتربون من واقع وحياة الناس، وتتضاعف أعدادهم وإمكانياتهم وخبراتهم باطراد..!!، وقد تمكن هؤلاء من تشكيل قوى شعبية ومادية هي الكبرى في معظم الدول الأخرى.. كما تسلموا بطرق عملية مختلفة مقاليد السلطة في بعض هذه الدول.. فيما بعد، أصبحت إسرائيل في نظر كثير من العرب أسطورة القوة والدهاء، وحاكمة العالم، كما أصبح الإسلاميون أخطر جماعات المافيا، وأمكر لوبي سياسي، وأدهى وأخبث.. ..!! لا شيء تغير، التطرف في وصف الآخر، والاعتماد على الانطباعات والأحكام الجاهزة ظل ثابتا، ولم تتغير سوى نوعية الانطباعات والأحكام من تطرف إلى تطرف مقابل، واستبدال الوهم بوهم آخر، وفي كل حال لم يكن اليهود يوما ما شرذمة من البلداء الضعاف، ولن يصبحوا أبدا أدهى البشر وأخطرهم، كما أن الإسلاميين لم يكونوا بتلك الدرجة من السذاجة، ولم يصبحوا بهذه الدرجة من القوة والخبث والمكر..! إن هذه الإخفاقات والمفاجآت التي منينا بها في تاريخنا السياسي القريب على الأقل، مكمنها النظر إلى الذات والآخر إما بمرايا محدبة أو مقعرة، وبالتالي تكوين صور مزيفة وبدرجة عالية من المبالغة السلبية والإيجابية عن الذات والآخر، ما يجعل الحاجة ماسة لإعادة تقييم الآخر، الآخر العدو، أو المنافس، أو الشريك.. بواقعية وموضوعية، بعيدا عن التهوين أو التهويل، ومن شأن ذلك إعادة تقييم الذات، والعمل وفق حسابات دقيقة وبرامج واستراتيجيات حقيقية، وصولا إلى مواجهة أو مشاركة الآخر بطريقة إيجابية وفاعلة وخالية من المفاجآت والندم..