الرئيس علي عبدالله صالح وقع تحت تلقائية الضغوط للشارع المتابع لأحداث وحروب صعدة، خاصة في ظل تمدد الحوثي وطول أو إطالة مدة وزمن الحرب كما يرى كثيرون في الشارع. الناس عادة ما يلجأون للمقارنة التلقائية كالمقارنة بأوضاع القوة والفترة والزمن مع حرب 1994م، وفي تطوير هذه المقارنة يقولون: إذا الحوثي في صعدة صمد كل هذا الزمن وحقق هذا القدر من النجاح، فماذا سيكون الحال إزاء تمردات أخرى محتملة؟!!. ليس من الطبيعي استسلام لواء أو تسليم أسلحته الثقيلة، وهي قوى أقوى من الحوثي وما لديه، ولهذا فالاجتهادات تتحدث عن خيانات وعن صراعات داخل الجيش وبين قياداته، وذلك ما صعد إلى تسريبات وإلى طرح في فضائيات. في كل الأحوال فإنه حتى حين اهتم الرئيس بالحديث عن الحسم عسكرياً وتأكيده، وعن انتصارات تعلن معممة وتفاصيلها لا تعلن، فتأكيد الحسم واستئصال السرطان و"الفئة الضالة" كان يقترن بتأكيد أنه حتى لو استمرت الحرب لسنوات. المسألة تفرق بمعيار وعي النظام حين قرار مواجهة التمرد الحوثي، فإذا كان الاستمرار لسنوات بين احتمالات متوقعة للنظام فالاستمرار المتوقع محتوى في الوعي، أما إذا لم يكن يتوقع الاستمرار كما سارت الأمور فيه وإليه فالاستمرار هو اضطرار للنظام فوق وعيه وما يعيه، وذلك قد يعني التخبط أو مستوى منه. بالتأكيد فالنظام أقوى بكثير مما تعطيه نتائج ومؤشرات تمرد في صعدة ولكنه انكسر أكثر مما انتصر.. وبالتأكيد فالحد الأدنى من أحلام الحوثي هي أبعد من الشمس عنه في احتمالية تحققها، ولكن ذلك لا يعني إنكار نجاحات في مد أو تمدد أكبر من أي توقعات. لو أننا كنا في وضع حسم في الأراضي اليمنية كما تحدث الرئيس فإن "الحويثة" قد يخترقون الحدود السعودية فارين ينشدون الأمان وليس غازين ويستهدفون الأمن في السعودية. ربما المسافة بين حقائق ما يعتمل في الواقع أو حقائق واقع التمرد ومواجهته وبين ما نريده سياسياً وفي مشمول الخطاب الإعلامي السياسي بات مشكلة لذاته وفي حد ذاته. فاستخدام تعبير "فئة ضالة" يفهم في جانب منه القلة والضعف مع أن تظل فئة ضالة مهما زادت أعدادها، أما استعمال مفردة "شرذمة" فهي تعني بالمباشرة القلة أو الضعف أو كلاهما. هاهي السعودية تعلن أسر 70 صومالياً وأثيوبياً ولا اعتقد ان الحوثي أو طهران أو أي آخر له رأي جدلي أو مجدلي تجاه أسر سبعين صوماليا وأثيوبيا، فما هي دوافع هؤلاء للمشاركة في هذه الحرب؟! فهم إما أن يكونوا من أي طرف متطرف إسلامياً كالمحاكم الإسلامية أو غيرها، أو يكونوا انضموا في التطرف الشيعي أو مرتزقة وباحثين عن رزق من خلال الحرب، فالحوثية هي العنوان السياسي فيما المقاتلون مع الحوثي في الواقع ربما يمثلون شراذم أو يعبرون عن شراذم، فيما استخدام مفردة "شراذم" أكثر من أهمية نصها وتنصيصها كحقيقة في الواقع. من أهم أخطاء العرب كأنظمة وتنظيمات منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية أنهم ظلوا بعيدين ومتخلفين عن وعي الصراعات العالمية، فظلوا ملحقين بالصراعات أو لحقة للصراعات، فمؤتمر ولاءات الخرطوم جاء متأخرا كما قمة بيروت العربية جاءت متأخرة، وكان سبق السيف العذل في قرار غزو العراق. العرب "الأنظمة والتنظيمات" حتى الآن لا تعي صراعات ما بعد سبتمبر 2001م، فالنظام الإيراني له في لعبة الصراعات العالمية أهمية ومكانة وأدوار واستحقاقات، وبالتالي فإنه ل"طالبان" أهمية وأدوار أكثر من حكومة أفغانستان، و"حزب الله" في لبنان يقفز في صفقات ومناورات إلى فوقية على الأنظمة العربية وليس فقط النظام والحكومة بلبنان. في إطار تعريف "الإرهاب" ربطا بالإسلام أو كتطرف يعلل بالإسلام أو يلبس ثوبه، فهل أميركا التي تقود الحرب الدولية ضده تمارسها على أساس هذا المفهوم وعموميته، أم تستهدف كمرحلة أولى الجزء منه الذي وصل نيروبي ومنهاتن؟. بعد أحداث سبتمبر 2001م تبرأت الأنظمة من الإرهاب باستثناء "طالبان"، ولكن أميركا تدرج حزب الله في قائمة الإرهاب، ولكنها لم تواجه النظام في إيران تجاه مسألة الإرهاب كما واجهت طالبان أو حتى بمستوى ما تعاملت به مع أنظمة المنطقة، بل صارت أولويتها إلصاق ضعيف لا يلتصق ولا يصدق ل"القاعدة" بالنظام العراقي، كون المقر في الأجندة غزو العراق، فيما التعامل مع طهران سيطول لأسبابه الواقعية ويستخدم التطويل كحاجيات سياسية للصراع العالمي الجديد في بلوراته وبلورته. دول في المنطقة ضاقت ذرعاً ووضعت في محطات ومواقف ومؤتمرات في إحراج شديد، لأنها تعاملت منذ تحرير الكويت على أساس حتمية إقصاء النظام العراقي، واستمراره قرابة 13 عاما بعد ذلك وضعها تحت إحراج في صياغة مواقف منطق وإقناع سياسي، ولنا استرجاع حملات كسر الحصار ومؤتمرات وعبارات من عيار "نحن معنيون بأن يطبق العراق كامل قرارات الشرعية الدولية". علينا الوعي بأن النظام في إيران بات طرفاً في صراع دولي ويرتبط بحاجيات واستحقاقات صراعات ومشاريع دولية أكثر مما سقفه حقائق صراعات طرفين في المعلن، أكان الملف النووي أو ملف الملالي أو الملف الجني. وعلينا الوعي بأن أي طرف يمارس علنية الصراع مع أميركا، هو الأقدر وصاحب الامتياز للعب مع أميركا بمتراكم التوفيق والتوافقات والخطوط الحمراء والمرونات في مثل هذه الصراعات. ولهذا فإن علينا ألاَّ نستهدف النظام في إيران إلا بقدر ماهو دفاع مشروع عن أوطاننا أمام أهدافه واستهدافاته، كما علينا ألاَّ نربط واقع أو قضايا أوطاننا بتوقعات أو تقديرات لنتائج صراع عالمي، كما التوقع بانتهاء النظام في العراق. يفترض أنها بداهة احتمال تدخل النظام الإيراني في أحداث وتمرد صعدة حتى لو لم يعترف، وإذا أنكر فلا نحتاج بالضرورة لإقرار أو اعتراف منه ومن أساسيات هذا الوعي. ببساطة فبقدر ما يطول الصراع الذي طرفه النظام في إيران، علينا توقع ألعاب إيران في مناطق مرونات بعد إعادة فرز وبلورة الخطوط الحمراء الأميركية، وليس أمامنا عن إفشال الألعاب الإيرانية بواقع أوطاننا وبواقعية لا يخترقها التطرف الفكري الإيراني، وإن اخترقها بدعم أو إثارة تمرد فذلك سيساعد في التحصين ضد اختراق الفكر وهو الأخطر. النظام في اليمن أو السعودية يستطيع امتصاص قوة تمردات أو استقوائها حتى لو انتصر التمرد في جولات وسيطر على مساحات، ولكن بقدر النجاح من خلال الواقع- وليس بالقمع- في التحصين من الاختراق والتغلغل والتوغل الفكري. إيران بداهة ومن بداهة الشعارات الخمينية التي رفعها "الحوثي" عادة ما تربط كل ألعابها بأنها تواجه أميركا وإسرائيل أو أن الآخرين هم مع أميركا وإسرائيل. مثل هذا الاستخدام فاقد الجدوى في حالة اليمن وأحداث، صعدة ولكن النظام في إيران يتمادى في هذه المحورية مما إلى ما يعيه، فكثرة الاستخدام في ألعابها لأميركا وإسرائيل بالرجم المعمم للغيب تجاه كل من تريد، ومن يختلف معها مضطرا للدفاع عن وطنه، يفقد مصداقية شعارات ترتبط بالقضايا، وبالتالي ينعكس على تصديق ومصداقية القضايا كما مثل هذا يمثل أفضل دور ناجح لمعالجة ما تشكو منه أميركا "ثقافة الكراهية في المنطقة". إذاً فاختراق "الحويثة" للسعودية وأسر سبعين أثيوبياً وصومالياً، أكد وضع قوة للحوثي في وقت سبقه الرئيس صالح تحت ضغوط الشارع ووعيه لوعود بالحسم. إيران كطرف في الصراع العالمي لا تستطيع فرض خطوط حمراء إلا في المعادلة السياسية بالعراق وفي واقع جنوبه، وهي في المعادلة السياسية للبنان من يحاول من خلال حزب الله اختراق خطوط حمراء وليس من يفرضها، فيما أميركا هي من يفرض خطوطاً حمراء في المناطق الأخرى ولكنها لا تستطيع وليس لصالحها في إطار لعبة الصراع ومعطاها للوعي في العالم وفي منطقة ان تجعل كل المساحات ممنوعات وخطوطاً حمراء. إذاً فتمرد الحوثي ورفعه السلاح – مجرد ذلك- يؤكد أن صعدة واليمن ليست من الخطوط الحمراء، ومجرد اختراق الحدود السعودية والاشتباك مع دوريات أو قوات في مواقع، يؤكد على الأقل أنه لم تعد كل السعودية كمساحة خطاً أحمر. أي طرفين كبيرين يخوضان صراعاً مع بعضهما وفي ظل أي ظروف أو حسابات، تجعل الطرفين يحجمان عن المباشرة في ممارسته مع بعضهما "توازن رعب" "اللا سلم واللا حرب" "صعوبات وحسابات"، فإنهما يلجآن لكل أشكال الصراعات غير المباشرة وكل طرف يحس بحاجته لذلك أكثر من الآخر. فطرف يسعى إلى تحسين وضع وتقوية أوراق، وطرف يسعى إلى استكشاف نقاط قوة وضعف الآخر، وهكذا. إذا صعدة واليمن منطقة مرونات أو مساحات في السعودية فإيران قادرة على اللعب حتى لو صفي واستؤصل تمرد "الحوثي" في صعدة، والصوماليون والأثيوبيون سيصلون من خلال أي تمرد في اليمن محادد أو قريب من حدود السعودية. لا يعني هذا أفضلية ألاَّ نقضي على تمرد ما استطعنا، ولكن الأهم هو مدى الوعي به والوصول إلى قدرات مواجهته برؤية زمنية مفتوحة، هي الأهم من تقدم وتراجع أو انتصار أو انكسار مكاني. ولهذا أوضحت بأنه بقدر ما كان النظام يعي احتمالية طول الحرب مع الحوثي لا تكون خطرا، وبقدر ما كان لا يعي تكمن الأخطار في التعامل مع المرحلة وصراعاتها وليس فقط مع "الحوثي". ربما الأفضل في تقديري للنظامين في اليمن والسعودية أن يمارسا مواجهة الشعبين ويلتزما من خلال سقف الوعي بسقف استقرار ويعلنا بأي صيغ وأساليب بأن البلدين في حالة من الحرب المفتوحة مع الحويثة من اليمن أو من القرن الأفريقي أو من السعودية أو بلدان أخرى، وهما يلتزمان بالحسم بسقف مفتوح مع الحفاظ على سقف الاستقرار، كون لعبة الصراع العالمي تفرض السقف المفتوح كانفتاح ولكنها لا تستطيع مس سقف الاستقرار كأوطان أو كمنطقة احتاجت زمنا طويلا لمعالجة وإغلاق بؤر التوترات والقلاقل. هل كانت أميركا الغائب أم الحاضر في حروب المد القومي والمد الشيوعي باليمن؟!! وهل هي كذلك الغائب أم الحاضر في حروب مد التطرف الشيعي؟!. إذا قضاء وقدر الخالق يربطه بالتسبيب والمسببات في حياة البشر على الأرض، فصراعات القوى الأكبر أو ما تسمى عالمية، هي للأضعف بمستوى القضاء والقدر التي تستطيع التعامل مع الحيثيات وعيا والتسبيب واقعاً، ولكنها لا تستطيع منعها ولا قمعها.