بالتأكيد فالاتحاد السوفيتي وهو القوة الكبرى وأحد القطبين العالميين لم يكن يعي أو يتوقع الاحتمال الأسوأ لغزوه أفغانستان، وبالتأكيد فالولاياتالمتحدة لم تتدخل في لبنان أو الصومال لتنسحب، وبالتالي فهي لم تكن تعي أو تتوقع ما حدث لها في لبنان أو الصومال. في ألعاب صراع مركبة في ارتباط وترابط بصراعات أكبر، فإن كل طرف في الصراع ويدخله أو يتدخل فيه، فإن ذلك لا يأتي إلا من ثقته ببلوغ أهدافه أو إفشال استهدافه. بافتراض أن إصرار "الحوثي" وتشدده على رفض الإذعان لسلطة الدولة لا يأتي إلا من ثقته بداعم خارجي قوي، فهذا الوجه لا يستخدم فقط لتأكيد ارتباط الحوثي بطرف خارجي أو تأكيد تدخل خارجي أكانت إيران أو غيرها. فأول من يعنيه الوصول إلى هذه النتيجة أو الاستنتاج هو النظام في اليمن، فإذا هو صار في قرار مواجهة التمرد "الحوثي"، وهو لا يعي ارتباطه بطرف خارجي داعم أو متحالف فقراره بأي قدر غير واع أو قاصر الوعي. إذا اعتكاف المرحوم الشيخ عبدالله الأحمر في عهد الرئيس الحمدي هو تمرد، فالطبيعي أو المفترض أن تمارس مواجهته لإنهاء التمرد، ولكنه إذا قدر الرئيس الحمدي ونظامه أن المواجهة ستقابل بتدخل سعودي لا تجعل نتيجتها أو نتائجها المتوقعة لصالح النظام، فإنه لا يسير في قرار المواجهة ولا يتراجع في خطه أو قراراته السياسية، وحيث تعليق مشكلة لا يؤثر داخلياً ولا خارجياً على وعي ومعطى المشروعية وان انتقص منها أو اقتطع في مساحة من الواقع. في إطار المشروعية فأي نظام وفي أي زمن أو مكان له الحق لمواجهة وإنهاء أي تمرد، وذلك ينشئ أو يؤسس المعيارية بالهدف "إنهاء التمرد". بمعيار خصوصيات واقع كل بلد فالأنظمة الشيوعية في العالم مارستها إرادتها في إحداث ما تريد وتغيير ما تريد، والنظام الشيوعي في عدن مارس فرض الشيوعية والتأميم ونحوه كما يريد، ولكنه في محورية معينة حيوية لم يستطع فرض إرادته بل أوقفها في استمرار وضع معين ضد قناعاته. عندما تظل ثلاثة أرباع مساحة الدولة هي محافظة واحدة فذلك خلل كبير في التقسيم الإداري كما حضرموت، ولكن هذا واقع فرض نفسه فوق إرادة وقناعات النظام، ولذلك لجأ إلى تسمية المحافظات بمسميات الأولى والثانية والثالثة والرابعة.. الخ. وإذاً فاليمن في واقعها اضطرت لإبقاء مشاكل الوحدة وصراعات ما بعد تحقق الوحدة، ربما زادت حزمة مشاكل معلقة بعضها بمستوى تمردات. لنا التأمل في مسافة المناورات والمفاوضات منذ قرار دمج التعليم حتى التنفيذ لمعرفة مدى الصعوبات في القوة أو قدرات وقوة الممانعة لتنفيذ قرار أو إرادة. في ظل هذا الوضع فالاستمرار في مواجهة تمرد هو تأكيد لقرار وإرادة تجاوز كل التمردات والاستعصاءات، وهذا في حد ذاته هدف ومعيارية بقدر ما كان النظام يعيه كاستمرارية في المواجهة مع تمرد، مهما طال الزمن ومهما كان الداعم الخارجي. الشرعية الدولية هي في ثقل التأثير أو المرجعية شرعية الأقوياء ولأن ألعاب الصراعات الدولية يظل التأثير الأقوى للأقوياء، فإن ما طرح وكرس خلال الحرب الباردة مثل "عدم التدخل في الشؤون الداخلية" هو بين استخدامات معادلة طرفي القوة "الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي"، والصراع بين القوتين الأعظم وليس الشرعية الدولية هي التي تحمي هذا المفهوم. وضع إيران يجعلها في الصراعات الدولية وبالذات في المنطقة أقوى بكثير من وضعها أو تأثيرها في الشرعية الدولية، ولذلك فهي لا تستطيع منع إدراج حزب الله اللبناني في قائمة الإرهاب، لكنها تستطيع فرضه في واقع لبنان والحياة السياسية وكشريك في الحكومة والحكم. عندما تتحدث إيران عن تدخل السعودية وتحذرها أو عن ربط بأميركا، فذلك هو تكتيلها السياسي للصراع، وهو نمط تكتيكي متعارف عليه ومتوقع ويتكرر استعماله إيرانياً في كل القضايا والمواقف والمحطات الخلافية، وقد استبقها الحوثي في تعاطي هذا التكتيك في شعاراته التي رفعها. السؤال الذي يعني إيران هو: كيف يمكن استهدافها من صعدة سواء من قبل النظام في اليمن أو طرف خارجي؟! إذا لا إجابة لديها غير أن المستهدفين هم الشيعة في اليمن وهي المعني الوحيد بحمايتهم أو مناصرتهم، فالشيعة تصبح غطاء دخول أو تدخل إيراني حتى في ظل عدم وجود شيعة بالنسخة الإيرانية، والدليل على ذلك ان الحوثي زعم أنه يدافع عن "المذهب الزيدي" وليس عن شيعة جعفرية أو اثنى عشرية. وهكذا من تتبع السياق السياسي لتسويق الصراع يصبح تدخل إيران بأي مدى واقعي أو سياسي، هو بمثابة أمر واقع للصراعات الدولية سواء وجد غطاءً يقنع أو يغطى بما لا يقنع. إذا التدخل هو بمستوى هذا الوضوح في الممارس سياسيا وإعلان وطهران النظام تؤكد الاستكبار في إنكاره لتأكيده، فهل نطلب من السعودية ألا تتدخل في أراضٍ سعودية اخترقها الحويثة وفتحوا النار على دوريات أو موقع عسكري؟! وهل يمكن أن يطلب من أميركا عدم التدخل وهي طرف يتداخل من بعيد من وضع صراعات دولية؟! إذاً- وبعيداً عن تكتيك الصراع الإيراني سياسيا كنمط استهلكه كثر وتكرار الاستعمار- فإن تمرد وأحداث صعدة ربط بلعبة للصراعات الدولية يمثل "الحوثي" رأس حربتها الداخلية والنظام الإيراني رأس حربتها الخارجية. النظام في اليمن لم يمارس غزواً ولا اعتداءً على أراضي الآخرين وإنما قرر مواجهة تمرد داخلي كإرادة يمنية بوعي النظام ممثل هذه الإرادة ومن يمارس تنفيذها وتطبيقها. اقتحام الحويثة للحدود السعودية والاشتباك مع قوات سعودية يبرر للنظام السعودي مواجهته، مثلما تبرر طهران "الحرس الثوري" الرد في باكستان على تفجيرات داخل إيران بشبهة ضلوع استخباراتي باكستاني فيها، والنظام السعودي معني بالوعي بأبعاد وألعاب الصراعات الأكبر المتداخلة. إذا السعودية أسرت في المواجهات سبعين صومالياً وأثيوبياً فإننا لا نستطيع القول بأن تلك لعبة فصيل صومالي أو أسمرة النظام، فالمتوقع في أية لعبة حضور حسابات إيرانية مجرد حديثها عن الشيعة، يعني حاجية صراع من العيارات الساخنة في واقع فيما حسابات أمريكا هي أبعد وأعلى من الغائية والتسبيب إيرانيا وقد تستفيد من حاصل صراعات تفرضها طهران في اليمن أو السعودية أكثر مما تكترث بمساحات صراع في بلد أو اثنين.. المذهب الزيدي يختلف جوهرياً وإجمالاً عن الجعفرية أو الاثنى عشرية "كتطرف شيعي" وإذا النظام في طهران يمارس الإملاء والفرض على الواقع بان المذهب الزيدي هو ذاته التطرف الشيعي، أو نفرض على الواقع ماليس فيه "تطرف شيعي" أو يسعى لفرض وضع كحالة حزب الله في اليمن، فهو يمارس التدخل والإملاء على اليمن ما لم تستطعه أميركا في مسألة القواعد العسكرية. خطاب الملالي والاستكبار المتعالي هكذا ليست قوته في قوة إيران ولكن في وثوقية بلعبة الصراعات الدولية، وإيران تتعامل مع التدخل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بمستوى ما كان السوفيت يمارسون ويعملون كقوة كبرى. اليمن حين قررت مواجهة تمرد والدفاع عن الوحدة لم تربط هذا الموقف كإرادة وطنية ومشروعية وطن ونظام في إطار الشرعية الدولية لا بموقف أطراف إقليمية مناوئة ولا بضمانات موقف أميركي، وكل ما بذلته من جهد كان لتحييد أو حيادية الموقف الأميركي كأعلى سقف ممكنات وأفضلية.. وهي بالتالي طرف يمارس موقف استحقاق وطن ويمثل الإرادة الوطنية ليواجه تمردا في الواقع، وهي مواجهة لمن يدعمه من خلال الواقع، وهو ليس طرفا ولا مع طرف في صراعات أخرى كما "أميركا- إيران".. اليمن لا يقبل إملاء وفرض تبعية مذهبية، ولا يقبل إملاء وفرض وضع كما حزب الله وإذا نجح هذا فهو نجاح في المواجهة مهما استمرت. لنسلم بأن إطالة مواجهة التمرد الحوثية أو قدرة الحويثة على اختراق الحدود السعودية هو نجاح لإيران بمفهومها للعبة الصراع الدولية أو المدولة، ولكن النظام في اليمن مازال الأنجح في رفض واقع تطرف شيعي أو فرض حالة حزب الله. وبالتالي لا يعني اليمن إن كانت طهران وصلت إلى ما تعتبره نجاحاً أو إنجازاً بمفهومها ومعاييرها لصراعات وألعاب صراعات، والذي يعنيها هو أن تنجح كإرادة سياسية وطنية في إفشال ومنع بدائل تطرفيه تفرض في وعلى واقع اليمن. فأميركا التي لم تدعم مواجهة الزحف الشيوعي في اليمن ولا جهود الانتصار للوحدة اليمنية، ليس النظام في اليمن في وضع مواجهة أو صراع معها، وقد رسخ خطاً واقعياً وواعياً مستقلاً عن أي تكتيكات أو صراعات لأميركا، بل يمارس اليقظة تجاه لعبة أميركية محتملة تستهدفه بين الضحايا أو أضحية في إطار تكتيكات التعامل مع التطرف الإيراني. اليمن واقعية في التعامل والوعي بالأقوى وهي تعي ضعفها ولا تتطاول إلى مناطحة، وهي بالمقابل تجاوزت السير في خط الأقوى أو مسايرته، بل أكثر من يؤمن أن الأقوى يتعرض في جولات لنكسات وانكسارات، وقد يضطر أو يمارس تكتيك التضحية بحلفاء أو ضعفاء، وهي من هذا الوعي لا تفترض حسم صراع أو محطة صراع للقوة أو الأقوى لتؤسس موقفاً بل تمارس استقلالية واعية وواقعية لخياراتها ومواقفها عن صراعات آخرين ومهما تدخلت أو تداخلت أو اختلطت. لا أحد كان يتوقع استمرار المواجهة والحروب مع الحوثي كل هذا الزمن، والأكثر استبعادا إقدام الحويثة على اختراق الحدود السعودية حتى مع الوعي بفرضية الدعم الإيراني، وهذا لا يفسره أو يستوعبه ما هو ظاهر وظواهر ولكن ما هو خافٍ وخفي. طهران هي أوضح لاعب في قرائن وقياسات الظاهر وفي معطى وحاصل الخفي. القتال في الواقع ليس "مع وضد" المذهب الزيدي بل إن أكثر من يواجه الحويثة من الجيش أو المتطوعين شعبياً هم من أتباع المذهب الزيدي. في حين أن المذهب الزيدي يدين التمرد الحوثي وهو ثقل مواجهته واقعيا، فالنظام في إيران يصدر قراراً من "قم" بوصاية الحوثي على المذهب الزيدي، وضم هذا المذهب قسرا للتطرف الشيعي بالنسخة الإيرانية، وهكذا فالصراع وألعابه لا تجعل ملالي قم يستحون من الكذب على كل واقع اليمن وكل من فيه، فهكذا تريد اللعبة أو إرادة لاعب.