قد تقول المعارضة في اليمن إن النظام فقد مشروعيته شعبياً أو انتهت صلاحيته، فيما الفضلي الذي يرى أنه بعث من جديد سلطاناً على أبين قد يقول بأن علي سالم البيض هو الرئيس الشرعي لليمن. فحتى مثل هذا بات معتاداً أن نقرأ منه أو نسمع ونتابع عنه في الداخل اليمني بما لا حدث ولا يحدث مثله في بلد أو إزاء أي بلد آخر في المنطقة، وليس مستغربا بأن يتناقل أناس عن تواطؤ: القائد العسكري والشخصية المعروفة "علي محسن" مع "الحويثة" أو يدعمهم، أو أن يزيد الطين بلة والعجين عجناً معارض من العيار الأثقل كالشيخ حميد الأحمر بتأكيد أن نجل الرئيس أحمد علي عبدالله صالح هو من يدعم "الحويثة".. مثل هذا غير المعتاد في أي بلد بات بين المعتاد أو العادي في اليمن، فمن جانب تصبح القضية قضايا ويصبح الحدث أحداثاً، وبالتالي فالنظام في اليمن يتهم النظام الإيراني بدعم التمرد "الحوثي" وذلك ما ينكره النظام الإيراني والحوثي. إذاً فتوجيه الاتهام بدعم الحويثة لقائد عسكري أو قائد لواء أو حتى لطرف سياسي كما يطرح مثلي عن المشترك، هل يضعف توجيه التهمة للنظام الإيراني أو يصبح اتهاماً ينفى وإعادة استعمال للاتهام وللنفي كما الأخريات. تظل مسائل اختراق خصم للأمن السياسي أو للجيش في اليمن أو غير اليمن، والنظام الإيراني في أكثر من حالة يدين صحفية إيرانية أو شخصية أخرى بالجاسوسية لصالح أميركا. إسرائيل تخترق النظام والجيش العراقي لتصل إلى طيار ليوصل إليها ويهبط بأحدث طائرة في ذلك الوقت "ميج 29" لتفككها وتعرف أسرارها، بل وصل أحد "مخبريها" إلى نائب الرئيس السوري حافظ الأسد، فالمسألة تقاس بالهدف من الخيانة أو الهدف الاستخباراتي أو التدخلي. إذا فما هو من وقائع في الصراع المباشر من وجود أعوان أو متمصلحين من الصراع مسألة واردة، وكون أية دول قريبة أو بعيدة تسعى للتتبع أو الرصد مما يعنيها أيضا مسألة واردة، ودخول الصراعات السياسية مسرح الأحداث في صعدة مسألة واردة، ولو كل محتمل ووارد يطرح كقضايا ربطا بالأحداث لفرغت القضية الأساسية من مضمونها في ظل الانشغال بما ولدته أو ولد لها من قضايا. القضية الأساسية هي تمرد "الحوثي" كرفض لسلطة الدولة والنظام ورفع السلاح ومباشرة القتل وسفك الدماء. الطرف المعني بمواجهة التمرد هو النظام والطرف المعني بتحديد ومواجهة التدخل والدعم للتمرد هو النظام. في ظل صخب وهرجلة سياسية داخلية وخارجية لتوريد وتوليد قضايا حسب صراعية ومصالح أو أهداف وغايات طرف سياسي داخلي أو خارجي، فإنه قد يمارس التتويه إزاء حقائق في الواقع ذات أهمية كبيرة أو فاقدة الأهمية، لكنها لا تلغي أساسيات استحقاق وطن وأساسيات وعي بهذا الاستحقاق. فالنظام الإيراني سبق الحوثي وتمرده كطرف داخلي في توجيه الاتهام للسعودية بالتدخل في شؤون اليمن، وهكذا فالنظام الإيراني حتى حين الدفاع عن تهمة تدخله فهو يمارس توجيه الأحداث في واقع اليمن، ويوجه الحديث عن القضية إلى قضايا وأحاديث في سياق يخدم تكتيكاته ومناوراته. الاتحاد السوفيتي عندما يحذر النظام في صنعاء من التدخل في صراع بين أطراف النظام في عدن، فلأن النظام في عدن يعتنق الشيوعية والنظام في عدن هو دولة لها كامل المشروعية إقليمياً ودولياً، بينما في اليمن لا يوجد حتى الآن تطرف شيعي يتبع المذهب الإيراني، ولا توجد دولة شيعية كما الدولة الشيوعية، ومع ذلك فالنظام الإيراني يحذر السعودية من التدخل ويحذر النظام في اليمن من إساءة المعاملة للشيعة. إننا لم نعد نحتاج لا لتوجيه تهمة ولا للإنكار الإيراني على أساس ما في الواقع من حقائق ووقائع، وإن ظلت قضية للنظام وللوطن ما دمنا قادرين على التعاطي من الحقائق الأكبر، الممارسة سياسياً وإعلامياً من النظام في إيران، والتي هي فوق ما يمارس من مناورات الاستكبار حتى حين الإنكار. العجرفة في منطق التحذير واللغة السياسية إيرانياً فيها استكبار لم تمارس مثله الولاياتالمتحدة ولا السوفيت، وبالتالي ففي ظل هذا المنطق فبافتراض النظام الإيراني اعترف وهذه شروطه لاتفاق أو توافق وعلى رأسها فرض تطرف شيعي وحزب شيعي الهوى والتطرف ولكن عسكرياً ثم سياسياً وليس فقط سياسياً، فمثل هذه الشروط لا ولن تقبل وبالتالي فالإنكار أو الاعتراف ليس قضية ولا يضيف للقضية شيئاً.. بتوقيع اتفاق ترسيم الحدود عام 2000م، فالسعودية لم تعد تريد استزادة من اليمن جغرافيا واليمن قبلت برضى واقتناع، أما بعد سبتمبر 2001م فالسعودية كنظام لم تعد مع التدخل في أي بلد ما أمكن وكأفضلية إلا حين اضطرار للدفاع وليس لأي مطالب أو أطماع. إيران بقدر ما استفادت من غزو العراق لتحاور وتناور من جنوبه الشيعي، فهي في إطار المنطقة والخليج طوقت بمستوى من الاختناق، ولم يخفت نتيجة ذلك الهيجان الشيعي في البحرين فقط بل ضغوط كانت تمارس في واقع دولة كالكويت، أو المكون الثاني للاتحاد الإماراتي "إمارة دبي"، وبالتالي فالنظام في إيران ظل في بحث عن نوافذ أو منافذ ذات مرونات حتى أحداث وحديث صعدة، ولذلك فتحذيره اليمن من الإساءة للشيعة أو السعودية من التدخل هو بمثابة جس نبض لأميركا لرسائل وبدائل مرونات، وعادة ما يكون هكذا الفهم والتفاهمات في الصراعات. السذج تظل قضاياهم إنكار أو اعتراف إيران بالتدخل أو أنها تتدخل أو لا تتدخل، فيما صراع عالمي اختار هذا التدخل عبر إيران، والتدخل هو حقيقة أو معطى صراع عالمي كاستحقاق تتمناه إيران. التمرد الحوثي هو الذي اقتحم واخترق السعودية ودخل أو تدخل، والطبيعي كان أن تحذر السعودية إيران وليس العكس، فالقضية باتت إلى أي مدى وسقف أو غائية وهدف سينجح التدخل الإيراني في تحقيقه في اليمن أو السعودية؟!.. في وضع الصراع العالمي أو المحطات السابقة أو اللاحقة، فالمشكلة ظلت للأضعف والضعفاء مشكلة وعي بدرجة أساسها حين تنقاد لصراعاتها الضيقة أو لأي صراعات أكبر وأي من أطرافها. ليس المهم ما تقوله واشنطن أو طهران عنا، ولكن المهم هو ما نعيه فيما نعمله، وليست طهران على مدى قريب أو بعيد هي من يعيد تشكيل خارطة أو يفرض ترتيبات في منطقة، فوضعها كطرف في صراع عالمي يعطيها وضعاً قوياً في اللعب والألعاب سيمتد حتى حسم صراعها، ولكنه يظل غير سقفه الزمني محكوم بأسقف واقعية للأقوى منها كقوة ولمن هو قوي في واقعه وبواقعه، وله وعي استعمال هذه القوة كوعي صراعات ووعي مواجهتها. كان الخطر ينظر من إيران أو ينظر له وينتظر، هو فيما عرف بتصدير الثورة، فجاءت الحرب مع أو من العراق لمواجهة التصدير، فإذا الخطر ينبثق من رحم الحرب والمواجهة "صدام خطر على المنطقة"، وبعد غزو العراق والقضاء على النظام العراقي لم يعد الخطر الإيراني تصدير الثورة فقط بل خطر تطوير قوتها والاقتراب كما يبدو من إنتاج سلاح نووي أو سعي لذلك. هذا وجه محتمل للخطر، هو المطروح كأساس وسياسي لهذه المرحلة، فإذا اعتبرنا ما يطرح عن إعادة تشكيل خارطة في المنطقة فإنهاء ونهاية النظام الإيراني هو الخطر الذي يعجل التشكيل. علينا ألاَّ نستسلم في وعينا وراء تنابل ممارسة الإيمان الواعي بقدرتنا على التأثير لصالح أوطاننا وقضايانا حين تشكيل خارطة جديدة، وليس فقط عند ممارسة ألعاب جديدة. النظام الإيراني بما يفرضه عليه وضعه في الصراعات وما يشكل عليه من ضغوط، مضطر أكثر منا للسير في خيارات يسلم ويعي أنها غير واعية. حين الطرح باشتباك أو اشتراك أطراف داخلية في أحداث صعدة فبهدف أن تعي هذه الأطراف وترفع سقف وعيها إلى مستوى الاستحقاق الوطني في إطار وضع ومرحلة للصراع العالمي، وبالتالي ليس المقصود هي أن هذه الأطراف هي الحدث أو من يصنعه. صحيح أن اليمن هي أرضية صراعات كمتراكم وواقع مفروض به ومفروض عليه، والحوثي طرف في هذه الأرضية وصراعاتها، ولكن الصحيح ايضا هو أن متغيرات وظروف مواتية في الصراعات العالمية، هي التي تتيح وتسمح بتحقيق الوحدة بعد اندثار الشيوعية. إذا الوحدة هي القضية الأكبر في الواقع وللواقع، فهناك قضايا ظلت تدار أو تدارى بحيث لا يفتح صراع في غير وقته أو واقعه ولا تحسم كقضايا مؤجلة. التطورات العالمية كانت مواتية وفي بعضها ضاغطة لمواجهة وحسم قضايا معلقة أو مؤجلة. النظام الذي أعاد دمج التعليم وتعامل لوضع هيمنة تطرف على عدن بعد حرب 1994م، واستعاد كامل الصلاحية في التعيين والتغيير وفي التعامل مع واقع محافظة بعمران ، كان معنياً بوضع الحوثي في مران ليعالج في هذا السياق. لو أن لعبة الصراع الخارجي أو العالمي من أي طرف، أو ربط وهمزة وصل لم تصل إلى الحوثي وتمرده، أو لم يكن له صلة واتصال وانتزاع عهد أو تحالف دعمه، ما كان ليرفض بذلك الصلف أو يتمادى في ممارسة وتوسيع العنف. نحن نتحدث عن استحقاق وطن لتصويب أخطاء في واقعة كلما نضحت أو واتت ظروف واليمن لا تقبل تآمر مع أحد ولا ضد أحد، والوحدة اليمنية استثمرت طرفاً من متغيرات دولية لتحققها، ولكن الشعب اليمني هو الذي دافع عنها وانتصر لها في وقت تمنع أميركا تزويد النظام حتى بمسامير طائرات فانتوم 4 التي باتت في قدمها كما الأسلحة العثمانية. السعودية لم تتدخل لتنفيذ قرار دمج التعليم أو تمارس تأثيراً على الشيخ المرحوم عبدالله بن حسين الأحمر للامتناع عن إعادة كامل الصلاحيات للدولة في عمران. النظام لم يرسل ألوية عسكرية للقضاء على ما يزعم شيعة في مران أو غيرها لسحقهم، وإنما طلب الامتثال لسلطة الدولة في مران أو غيرها، بل وحرص على توسيط الأحزاب السياسية والشخصيات الاجتماعية والعلماء، ولكن الحوثي كان فضاً ومتشدداً إلى حد العجرفة في رفضه، بما يوحي أنه يستقوي بطرف خارجي. ومع أن رفعه للشعارات الخمينية كانت تكفي لاستدلال إدانة النظام في إيران، إلا أنه غلب افتراض حسن النوايا حتى الوصول إلى وقائع في الواقع، بات يكفي منها ويغني عنها الوقوف المتتبع للخطاب السياسي الإعلامي الإيراني. النظام الشيوعي في عدن وواقعه لم يكن محطة ولا ساحة صراع وإنما بين ألعاب الصراع العالمي، واضطر اختيار صعدة محطة أو ساحة مباشرة للعبة الصراع كمساحة مرونات لتجارب وتجريب أطراف الصراع الأكبر، حيث ذلك يعيد اليمن إلى وضع حساسية عالية ومرتفعة جداً، بما يتطلب حساسية عالية وحسابات دقيقة وأكثر دقة في الوعي وللوعي. كون أرضية التطرف الشيعي يرتكز عليها النظام الإيراني في صراعيته ومشروعيته، فإن إنهاء تطرف هذه الأرضية هو نهاية للنظام حتى وإن بات يمتلك القنبلة النووية. والنظام الإيراني الذي يظل يبحث حتى الإرهاق عن مناطق مرونات أميركية لممارسة صراعاته، فطبيعة صراعاته كأرضية يرتبط بها مصيره تفرض عليها في الممارسة مستوى من تخلف الوعي، يعيه لكنه لا بديل له غيره ربطا بمصيره كنظام. ولهذا ففي الوقت الذي تهتم أهم الأثقال والقنوات والآليات والإرادات الواعية بما يسمى إعادة تشكيل خارطة سياسية للمنطقة وهو موضوع ليس عاماً ولا للإعلام، فالنظام الإيراني يسير في أوهام إعادة تشكيل الخارطة الشيعية بالمفهوم الممارس للتطرف في إيران كاثنى عشرية. اليمن استخدمت حقل تجارب للمد القومي أو الرجعي المعاكس والمد الشيوعي والبعثي والقذافي، ولمن يريد أن يتابع ليستفيد من قراءة اوحاصل التجريب فيما يعنيه، وكون ذلك بات كالقضاء والقدر كان لا بد من تجريب المد الشيعي لأنه من سيقنع أميركا أن المذهب الزيدي لا تطرف فيه، وإن تقارب فيما هو اعتدال للشيعة الاثنى عشرية فذلك ليس واحدية ولا تابعية. هاهو النظام الإيراني تطوع ليفرض تابعيه أو يرفض التابعية والتطرف معاً، ولمن يريد له أن يعي ومن لا يريد عليه تتبع خارطة التطرف الشيعية وخارطة الإرهاب المشاعة، ومن ثم احتمال ما يعرف بإعادة تشكيل الخارطة السياسية!!.