3كل قضية مهما صغرت أو كبرت يصبح تعداد وتعدد أسئلتها وتحليلاتها قضايا متعددة شائكة ومتشابكة. فأرحم الراحمين خالق الخلق ترك حسم كامل الحق وكامل الحقائق فيما تختلف فيه الأمم والبشر إلى يوم القيامة: "الله يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون"، فيما في الحياة الدنيا يكتفي بما يكشفه أو يثبته مرور الزمن، أي حين تحيد آنية وآلية أي صراعات وتصبح الحقائق تاريخاً فحسب.4 ولهذا فإننا قد نتساءل عما لم يتحقق مثل: هل كان بمقدور الزعيم جمال عبدالناصر التفاهم مع السعودية لتوفير الاستقرار لنظام ثورة سبتمبر بعد قيامها مع الالتزام بمنع أي عمل استفزازي أو استهدافي كما مارس التمرد الحوثي مؤخراً؟!. لو تم مثل هذا فهل كانت الصراعات الأكبر ستمارس تأثير فرض الصراع كما صار أم ستقبل بهذا السقف التوافقي كسقف صراع أو سقف احتواء أو صراع؟!. قد نتساءل فيما تحقق على طريقة لماذا أميركا تدخلت مباشرة في مواجهة الشيوعية في فيتنام حتى الهزيمة وضحت بخمسين ألف من أبنائها؟!.. ولماذا لاحقا كان ذلك الدعم اللا محدود ضد الشيوعية في أفغانستان فيما وضع ومواجهة الشيوعية في اليمن كأنها قضية لا تعنيها؟!!. أميركا تواجه الشيوعية أو النظام العراقي أو الإرهاب بمعايير صراعاتها واستراتيجيتها وبمعايير مصالحها، فيما ربما نحن نبحث أو نريد إجابة بمعايير صراعاتنا أو مصالحنا. كل القضايا والمصالح فيها تقاطعات وتنافرات وفيها تشابكات تشكل تلاقيات وتشاركات، والخيارات تخضع لواقع ووعي كل طرف. الأطراف الأكبر كما حالة السوفيت وأميركا تصبح لها استراتيجية صراع مقرة بما فيها من مرونات أو تشددات، فيما الأطراف الأضعف حتى الأكثر ضعفاً تختار أو يختار لها أسس شراكة واعية وواقعية أو صراعية، فيكون اشتباكها إما بمرونات الصراع الأكبر أو بتشدده، وبالتالي فإذا الثقل القومي مارس تطرفاً أو تشدد التحرر من الرجعية قبل تحرير فلسطين، فالطرف الآخر سار لاحقاً في أولوية التحرر من الإلحاد وتحرير أفغانستان. وإذا فلا يحق لنا رمي مسؤولية هزيمة 1967م على السوفيت ولا رمي مسؤولية الإرهاب على الولاياتالمتحدة بقدر ما يتحمل المسؤولية وعي اشتراكنا في صراعات إقليمية أو اشتباكنا بصراعات عالمية. أميركا تشابكت أو تشاركت مع السوفيت كطرف واحد في الحرب العالمية الثانية وبعد انتصارهما كطرف واحد في تلك المحطة تحولا طرفي صراع عالمي قرابة قرن، وأميركا أو الغرب إذا كان لم يأبه بالشيوعية ولا مواجهتها في اليمن فهو لم يأبه أكثر بأسوأ سقوط لأهم حليف كان وهم نظام الشاه في إيران، بل إن الثورة ضد هذا الحليف أطلقها الخميني من الغرب، فالذي يمارس في الصراع العالمي هو استراتيجية لكلا الطرفين وللأطراف الأخرى استحقاق اختيارها في واقعيته ووعيه وليس رجم مسؤولية تبعات خيارها على غيرها. فالسوفيت أرادوا توحيد أرضية الصراع كصراع طبقي بخيار أممي شيوعي، فيما أميركا والغرب مارست توحيد أو توافق للصراعات الأخرى معها ضد الشيوعية. أميركا التي تابعت حروب ثماني سنوات بين الملكيين والجمهوريين في اليمن، لم تكن قلقة لا من الشيوعية في اليمن ولا من اكتساحها المزعوم للجزيرة والخليج، أو فرض الوحدة بالقوة وهي في فترة انحسار السوفيت للضعف من نشوء صراع مضاد لها بأيديولوجيا مضادة للشيوعية "الثورة الإسلامية في إيران" بل بالعكس فهذا الحدث أو الإحداثية كان لصالح تطوير أرضيتها التكتيكية كربط أو استمرار تلقائي لوضع الصراع مع السوفيت ووضع صراعات ما بعد ذلك. نحن اعتدنا أن يكون وعينا الهالك الحالك لاحقا وعيا لاحقا وحين ذاك نلجأ للتفكيك أو التبرير بوجهي الفكر التآمري أو الخيانة، فتكون الرجعية أو السوفيت هم سبب الهزيمة القومية 1967م، وفكر تخوين الرجعية يمتد إلى الخميني وصدام حسين. إذا فأميركا لم تشتبك مع النظام في اليمن لمواجهة زحف التوحيد شيوعياً بالقوة، والنظام في اليمن "صنعاء" رفض الاشتراك أو الاشتباك المباشر مع أميركا في حرب الجهاد ضد الإلحاد الشيوعي بأفغانستان. الاتجاهات السياسية التي هيجت وفوجت لم تكن مع رؤى أو رؤية النظام، وبالتالي جرى اشتباك واشتراك خارج النظام وإرادته وفي واقع استثنائي لليمن والمنطقة. إذاً فالنظام استعان بالإسلاميين لمواجهة الشيوعية في حرب المناطق، وأميركا استعانت بالإسلاميين لمواجهة الشيوعية في أفغانستان، والنظام كذلك لم يكن ليغلق المعاهد العلمية أو يصعد الحرب إلى مواجهة واسعة مفتوحة مع الإرهاب في ظل تهديد داخلي وأقليمي خطير لاستهداف وإجهاض الوحدة. أميركا كطرف خارجي أو نظام في الخارج لا تستطيع صنع إرهاب في بلدان أخرى إلا بقدر وجود استجابات وتطرق في واقع أو بيئة واقع، والنظام في اليمن لم يرتكز في مشروعيته على أساس أيديولوجي أو عقيدي كما إيران وبلدان أخرى، وبالتالي فعلاقته بأي إرهاب في واقعه هي في إطار علاقته بالواقع، تجسده حالة المشاركة في حرب أفغانستان كأمر واقع على النظام. فأميركا في محطة الحرب الأفغانية تعاملت مع واقع اليمن وماهو أمر واقع للنظام وليس مع النظام ليجند أو يفوج جهاديين، وبالتالي فأميركا عليها لاحقاً مراعاة هذا الواقع والأمر الواقع للنظام، فلا تلقي بالمسؤولية عليه ولا هي من يحكم مسؤولياته. التطورات أفضت إلى توافق أكيد باشتراك أو اشتباك في الحرب ضد الإرهاب لليمن مع الأثقال الدولية، ولكن إذا ظلت مواجهة الشيوعية أولوية أميركا حتى تهاوي السوفيت فالأولى أن تظل الوحدة أولوية اليمن حتى الحسم مع استهدافها في حرب 1994م. ولهذا فلا زوبعة التبعية للنظام العراقي وصدام حسين ولا "هلوسات" إيواء ودعم الإرهاب وحتى مستوى من عزل وحصار اليمن وفرض حظر تصدير السلاح إليها يثني عن التمسك بالأولوية اليمنية "تأمين الوحدة"، فالغرب الذي استضاف ودعم الزعيم "الخميني" لإنجاح ثورته ضد الشاة في إيران كان فيما بعد 1990م يستضيف زعماء الإرهاب في كل عواصمه وأبو حمزة المصري وجيش عدن – أبين الإسلامي بين ما ظهر وما يخفى أعظم. إذا أميركا تستخدم الإرهاب ذريعة فالنظام في اليمن صنف الحوثية تمرداً وإرهاباً، وأميركا هي التي رفضت الإقرار بالإرهاب الحوثي. وإذا أميركا تبحث عن ذريعة فالنظام وجه الاتهام لإيران بالتدخل في شؤون اليمن ودعم التمرد والإرهاب الحوثي، فيما أميركا ناورت بين البين وكأنما مالت لتبرئة النظام الإيراني من هذه التهمة، مع أن الموقف السياسي الإيراني والوقوف الإعلامي المساند للحوثي يمثل تدخلاً واضحاً فاضحاً. بغض النظر عن الاتفاق الأخير وقبول الحوثي بكل شروط النظام لإيقاف الحرب، ففي تصرفات لأتباع الحوثي أو من مجاميعه تجاه العامة في الطرق أو تجاه مواطنين في صعدة ما يمثل أفضع إرهاب وليس فقط أوضح أفعال إرهابية. فمثل هذه ملامح لما هو متقاطع في منظور الإرهاب من بلد ونظام يواجه الإرهاب بمبدئية وكمبدأ وبين دولة هي الأعظم وتحالف دولي واستراتيجية تواجه الإرهاب ربطاً بحسابات أخرى وقضايا أخرى، فزعيم أكراد تركيا تقبض عليه المخابرات الأميركية وتسلمه لتركيا كإرهابي، فيما زعماء الأكراد وأكراد العراق يرفعون إلى أقوى طرف في معادلة الواقع العراقي في عمل بدأ قبل القضاء على النظام العراقي السابق أو إقصائه. إذاً فاستمرارنا في تخريجات التبرير للإرهاب بأفعال أميركا أو تحميلها كامل المسؤولية هو تخلف في الوعي تجاوزه الزمن وواقع العالم. فالبعض يقول إن أميركا هي التي صنعت الإرهاب الإسلامي، والبعض الآخر يرى أن سياسات أو أخطاء أميركا تستحق المواجهة بهذا الإرهاب، وبعض ثالث ينكر وجود الإرهاب وهو فقط ما تذيعه وتشيعه أميركا. لا يمكن تسمية مواجهة إسلاميين لزحف توحيد اليمن شيوعيا بالقوة بأنه إرهاب، ولا يمكن تسمية اشتراك إسلاميين في الدفاع عن وحدة تحققت سلميا بكامل المشروعية بالإرهاب، فيما قطع مسافات طويلة وتجاوز حدود وقارات للحرب مع طرف ضد آخر في أفغانستان يقبل تسميته بمسمى اشتهر في الحرب الباردة "مرتزقة" أو بمسمى ما بعدها "إرهاب". المهم بدلا من هذا الوعي المتخلف أو خزعبلات تخلف محاولة فهم استراتيجية أميركا لمحاربة الإرهاب وفيما يعني اليمن تحديداً. فإذا خيار الاستراتيجية الأميركية لليمن هو خيار تكتيكي في مواجهة الإرهاب مشابه لما اختير لها في الصراع مع الشيوعية، فاليمن انتقلت فقط من كارثة الاستراتيجية الأميركية القديمة إلى مكارثية الاستراتيجية الجديدة، أما إذا خيار الاستراتيجية الجديدة لليمن لتقديم أنموذج نجاح للحرب ضد الإرهاب وفي واقع ومنطقة شديد التأثر أو التأثير كحسم لصالح أو ضد الإرهاب. الضغوط الداخلية والخارجية على النظام منذ تحقق الوحدة 1990م حتى زيارة الرئيس صالح لأميركا 2003م كانت تتهمه أو تدينه بالتواطؤ مع الإرهاب، وبعد ذلك باتت تدينه بالتواطؤ مع أميركا أو الرضوخ أو التفريط والانصياع ونحو ذلك، أو أنه يستخدم الإرهاب للقمع الداخلي واستهداف خصوم سياسيين ومفردات الصوملة والأفغنة جاءت بين هذه الإرهاصات والتأويلات والتهديدات. إن كل هذا هو من أفعال صراعات داخلية وخارجية أو محصلة لتفعيل الصراعات، فالنظام ظل يتعامل مع واقع وأمر واقع في جوانب كثيرة وليس فقط الإرهاب، وهو كذلك ظل يواجه الإرهاب ويصعد المواجهة حسب قدراته وقراءاته وتقديراته، فإذا هو صعد المواجهة فوق قدراته من ثقة بالتحالف الدولي فهو يكون أخطأ أو أصاب بحقيقة خيار الاستراتيجية الأميركية تجاه اليمن في مسألة الحرب على الإرهاب. الطبيعي أن كل الصراعات لها أسئلة وقراءات وتحليلات صراعية لأي قضايا أو أحداث أو تطورات بما يتفق مع صراعاتها أو يخدمها، والنظام في اليمن عكس ما أثارته الصراعات ضده من تهم التبعية للنظام العراقي أو التواطؤ مع الإرهاب ظل يمارس أعلى مقدرة، وحتى يضحي بمصالح غالية أو عالية ليتجنب الرهان على طرف داخلي أو خارجي أو الارتهان لطرف، لأن ذلك أهم ما استخلصه من صراع ووضع لقرابة عقدين بأي مد أو امتداد. النظام في قضية الإرهاب لم يرتهن لأميركا كما بدأت تطرح صراعات وأطراف مناوئة له داخلياً، ولكنه يسلم ولا اعتقد إنكاره ولا يستطيع الإنكار بأنه وسع وصعد الحرب ضد الإرهاب فوق قدرته رهاناً على خيار الاستراتيجية الأميركية تجاه اليمن، ولا نستطيع الجزم بما إذا كان خيار الاستراتيجية لصالح هذا الرهان، ولكنه إذا كان خيارها غير ذلك فما سيؤول إليه النظام والبلد هو أبعد من أسوأ أية قراءات وتقديرات أو ترشيحات واحتمالات. اليمن تحملت خيار أن تكون أكبر ضحايا استراتيجية أميركا في الحرب الباردة والصراع مع الشيوعية، ولا تستطيع تحمل دور الضحية لاستراتيجية أميركا في الحرب ضد الإرهاب إلا أن تذبح برحمة الذبح الإسلامي في حدة سكاكين الذبح أو برقة ونعومة الذبح الغربي، لتكون وجبة شعارها "مذبوح على الطريقة الإسلامية" أو بنكهة مطاعم "البارجر" و "الكنتاكي" غربية النشر وأميركية المنشأ. هل الاستراتيجية الأميركية تريد نصراً في اليمن ضد الإرهاب كما الانتصار على الإلحاد في أفغانستان، أم أنها تحتاج أولا إلى ذبح اليمن للتحضير والتحفيز لانتصار أوسع ضد الإرهاب؟!!. النظام قد يجيب من خيار الرهان الذي سار فيه ولكن الزمن هو الذي سيثبت وليس إجابة نظام في ظل تعدد لا سقف له ولا نهاية لأسئلة وأجوبة أطراف وأطياف وتطرفات لا تخلو من لطف وتلطيف وحتى من ظرافة أو طرائف!!