الطبيعي ان الغزو الشيوعي يثير رد فعل متطرف داخل افغانستان إلى حد الإرهاب، ولكنه لم يكن يكفي لمواجهة السوفيت، وبالتالي فكأنما كان في واقع الكثير من البلدان ارهاب كامن لعوامل وأسباب داخلية أو خارجية أو كلاهما. في اليمن اطلق على الحروب التي كانت تجرى بين النظامين حروباً شطرية والحروب غير المباشرة المرتبطة بها بشكل مباشر عبر الجبهة الوطنية "حروب التوحيد شيوعياً بالقوة"، ولكن إيقاف حروب التوحيد شيوعياً بالقوة لم ينجح إلا حين الاستعانة بالاسلاميين، ولكن دون ان تسمى ب "الجهاد" أو "مواجهة الالحاد"، فهل سبب الإرهاب مجيء الشيوعية لليمن وحروب التوحيد شيوعياً بالقوة، أم رد الفعل اسلامياً والاستعانة بالاسلاميين؟!!. النظام لم يستعن بالاسلاميين لطرد الشيوعية من اليمن كما "أميركا" ولفرض الوحدة بالقوة، كما لم يستعن باسلاميين من خارج اليمن، وبالتالي هو استعان بقوة كامنة في الواقع للدفاع عن واقعة وليس لاستهداف آخرين أو واقع آخرين هجومياً!!. تأصيل الإرهاب في شخص زعيم القاعدة أسامة بن لادن كسعودي الجنسية يمني الأصل، أو الشهير "الحارثي"، إذا له من علاقة أقوى في السببية والتسبيب، فهي بالنظام الشيوعي في عدن، ولكننا يفترض ألا نركز على ربط الإرهاب بصراعات ماضٍ ولا نرتكز على ربطها بصراعات حاضر، وبالتالي علينا جميعاً تجاوز صراعاتنا القائمة أو المعتملة لنواجه الإرهاب، لا ان نستخدم المواجهة معه توظيفاً انتهازياً لأهداف سياسية أو لصراعات سياسية. ما هو إرهاب في واقع اليمن هو مسؤولية يمنية بغض النظر عن أسبابه، ولكن مسؤولية أميركا وأثقال الغرب ليست فقط في مصداقية الحرب على الإرهاب بما توجبه وتستوجبه، بل ان هذه المسؤولية تنبع أصلا من طبيعة الدور الذي فرض على اليمن كأمر واقع في اطار صراعها العالمي واستراتيجيتها للصراع، وهو دور أثقل على اليمن في واقع التخلف ومنه واقع الإرهاب. بعد انسحاب السوفيت من افغانستان تابعنا كيف تصارعت الأطراف الإسلامية في افغانستان، وذلك ما اضعف الحكم وسهل اكتساحه والسيطرة عليه من "طالبان"، بما جعل تنصيص الإرهاب على "طالبان"، أو دعم القاعدة كارهاب مسألة حقيقية أو لا يتجاوز الحقيقة. الاسلاميون في اليمن لو مارسوا حروب التوحيد وفرضوا الوحدة بالقوة بقيادتهم كنظام، ربما كان ذلك تموضعاً ل "الإرهاب"، ولو انهم اكتسحوا النظام في صنعاء واستولوا عليه كما "طالبان" بعد إيقاف المد الشيوعي يمكن ان يكون شيئاً من ذلك. فعدم استيلاء الاسلاميين على النظام في صنعاء، وعدم القدرة على فرض حزب سياسي يحكم بتطرف الأسلمة كما "الانقاذ" في السودان، يعني ان الحكم هو ضد الإرهاب، ويحارب الإرهاب بواقعية وواقع كل فترة ومرحلة. عندما يصبح المد الأممي هو البديل للمد القوة والصحوة الاسلامية هي البديل للصحوة القومية، فذلك يكشف تطرفنا في الصراع البيني أو الداخلي على مستوى منطقة أو بلد غير التطرف الظاهر في مواجهة الرجعية والامبريالية وغيرها، وهذه التطرفات لم تعقلنها قسرا وليس اقتناعاً غير الانكسارات والمتغيرات كما الهزيمة القومية أو اندثار ثقل الشيوعية أو احداث سبتمبر 2001م، فإذا الذات لم تتصالح مع واقعية انتماء لوطن وقومية وعقيدة فهي فاقدة التوازن، وما لم تمارس تطرف ارهاب - وهو العنوان الأهم للمرحلة - فإنها ستمارس تطرفاً صراعياً وسياسياً ونحوه، فهذا المسلك والسلوك المتطرف صراعياً وسياسياً بقدر ثقل وتأثير اطرافه المتطرفة هو من بيئات الإرهاب إن لم يكن بشكل مباشر فبأشكال غير مباشرة. لقد ظلينا اطرافا متطرفة خلال الحرب الباردة لا نعي أبعاد ما يحدث، ولا نستشرف الاحداث لنمارس الوعي حتى جرفتنا المتغيرات في مجاريها، فيما كل طرف من "المجاري" يبرز بصلف للادعاء والزعم بأنه للمتغيرات يواكب و"يجاري". اليمن كانت ساحة الصراع المباشر "القومي الرجعي" ورأس حربة الشيوعية ضد الرجعية والامبريالية، وبالتالي أول ساحة لمواجهة مباشرة بين الاسلاميين والشيوعيين، وذلك ما أهلها لأن تكون أرضية تكتيك وتجريب في الاستراتيجية الأميركية للصراع. ها هي اليمن تقفز للواجهة من حيث الخيار الديمقراطي والانتخابات المباشرة من ناحية، ثم في مواجهة الإرهاب من ناحية أخرى، والخوف ان تكون تلقائية تفعيل الديمقراطية لصراعاتنا بأطراف وتطرفات صراعية وسياسية، هي تأهيل من حيث لا نعي لتظل اليمن في التطورات أرضية تجريب أو تكتيك. فالطرف الأكثر أو الأبعد تأثيراً في اليمن هو الطرف الذي لم يكن لا في الواجهة ولا في المباشرة في صراعات اليمن والمنطقة المتصلة بها خلال الحرب الباردة، وهي أميركا والغرب. وأميركا والغرب والميدان لها ألهبت العالم بعد ان أرهبته بالإرهاب والحرب ضد الإرهاب ولم يعد احد يشك أو يشكك في مصداقية هذه المحورية بأي تجزيء، أو حتى في جزئية خاصة، وانها ظلت تتهم أنظمة المنطقة بعدم الكفاية أو الكفاءة في حربها ضد الإرهاب. تبرئة النظام في اليمن من أية علاقة تعاون أو دعم أو وقوف ومواقف مع الإرهاب هو أسهل من تبرئة أميركا النظام، وذلك ما تعيه وتتبعه أميركا بدقة منذ حروب المناطق الوسطى لمواجهة زحف التوحيد شيوعياً بالقوة. ولذلك فمواقف أميركا من صراعات وقضايا اليمن بعد الوحدة، هي مواقف حسابات مريبة أو خافية غير ما برر أو طرح من أميركا أو في الداخل. ما جرى ويجري منذ مؤتمر لندن للداعمين حتى الآن لا يطمئن كثيرا بما يحدث في الواقع الداخلي وبمعطى التفاعل الخارجي، الذي لا زال تبشيرا كما التبشير بنعيم الأممية القادم، وهكذا يبدو انه حتى الرأسمالية ان وصلت ارض التجريب والتكتيك اليمن تكتفي بوعود وتباشير "الشعارات" كما الأممية. فأي ارض هي للتكتيك والتجريب لا تغذى إلا بالصراعات ولا تمد إلا بثقافة الصراعات، واذا استوجب غير ذلك فوعود وشعارات لا تفرق فيها «الرأسمالية» عن "الأممية". إذا تحقق سلام مؤتمر "مدريد" ربما بعد سيثمر مؤتمر لندن لدعم اليمن في دعم متحقق!!.