اقترن انتصار الخميني ومجيء نظام الثورة الاسلامية بما هو ايجابي لا ينكر كاغلاق السفارة الاسرائيلية وفتح سفارة لفلسطين، وبموقف اعلامي سياسي مناصر للقضية العربية وذلك طبيعي ما دام النظام في إيران – ربما لأول مرة- ترتكز مشروعيته أو يستمد من مذهب في إطار الاسلام هو "الشيعة الاثني عشرية". مقابل ما تقدمه هذه المحورية من إيجابية فإن ما عرف بخطر تصدير الثورة مثل سلبية محورية مقابل بأي قدر يصدر ويصدر – ضم الدال- من طهران أو لأي أسباب يضخم في واقع المنطقة. فالرئيس عبدالناصر كان المد القومي والتحرر من الرجعية هو أو أولوية أو حاجية موازية لتحرير فلسطين، ولا يستطيع أحد الجزم بشواهد ما جرى في البحرين أو غيرها بأن إيران النظام لا تمارس تصدير الثورة، فإذا إيران بأي قدر سارت في مثل هذه الأفعال فإنه يصعب خلق واقع توافقات ويصبح خطاب التثوير والحسبة على أميركا أو المزايدة على القضية الفلسطينية هو للمزايدة السياسية. علينا تذكر اقتحام الحرس الثوري السفارة الأميركية واحتجاز بضعة موظفين كرهائن للمساومة من أجل استعادة أرصدة الشاه، وبالتالي لم يمارس ذات العمل مع السفارة الإسرائيلية ليربط ذلك بمسألة فلسطين التي لا تحل كقضية ولا تحرر كوطن من خلال مثل هذه الأفعال والأعمال. ماضي تفاعلات وإيقاع واقع المنطقة مما يحس ويلمس كتصدير للثورة، هو الذي نصص شعار "خطر التصدير" ومن ثم كانت أرضية التبرير لشعار "الدفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي" إذا كان نظام الشاه أقلق وربما أرهق النظام العراقي بدعم حركة الأكراد "طالباني"، فالدول المجاورة كانت تحتاج تطمينات النظام الإيراني الجديد "الثورة الإسلامية"، وإذا هذا النظام مع خط وخيار التهدئة، فهذه الطمأنة تمثل حاجية سياسية له، أما إذا كان خياره مع اعتبار ما حوله هو فضاء ألعابه ومناوراته، فهو ليس مع طمأنة بل مع رسائل أفعال ذات فحوى ومشمول آخر لتحريك أرضية اللعب إن لم يكن بالضرورة للتثوير. نحن في اليمن ربما لطبيعة أوضاعنا وصراعاتنا وأولوياتنا لم نكن لا مع تصدير الثورة ولا إحساس إلى مستوى خطر التصدير، ولم نكن مع حرب بين العراقوإيران ولا إلى إحساس قوي بالقدر الكافي بما يعنيه الدفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي. لعل هذا هو موقف الغالبية العامة وإن كان استخدام العداء لإسرائيل ربطاً بأميركا يؤثر فبقدر محدود وبشكل مؤقت. مواقف العامة في اليمن لم ولن تتشكل من أرضية مذهب أو عصبية لمذهب، وهم تعاطفوا مع صدام حسين في عنصر شجاعته منذ إلقاء القبض عليه كموقف دقيق الفهم وأدق في التحديد مقارنة بالتداخل بين غزو الكويت والتدخل الأجنبي، وغالب الذين تعاطوا الشجاعة أو تعاطفوا معها حتى إعدامه لم يلتفتوا لأرضيه أو معيارية مذهبية على الإطلاق. وهكذا حين مواجهة مع إسرائيل من قبل حزب الله في لبنان أو حماس في فلسطين، فالعامة في اليمن لا يلتفتوا لأرضية ومعايير المذاهب ولا تأثير لها بقدر ماهم مع قضية فلسطين ومع كل نضال ومناضل من أجل فلسطين. في المسألة المذهبية فإنني قد اختلف مع حزب الله أو حماس إن بات أي منهما يحكم اليمن أو يفرض على واقع اليمن مذهباً لا أتفق معه أو لا أقبل به، وخلاف المذاهب كاجتهادات ليس من الإسلام وليسوا مسلمين من يرفعونها إلى درجة العداء، لأن ذلك هو إضعاف للإسلام بإرباك واقعه وتشويه وتشويش وعي المسلمين، حين تساوى العداء بين المذاهب في واقع الإسلام وعداء مع احتلال يغتصب ويصادر الحقوق وينكل بشعب وينتهك مقدسات. إيران لم تتعامل في أوج مد وتصدير الثورة بلغة التدخل السياسي مع أي نظام كما تمارس مع النظام في اليمن إزاء تمرد وأحداث وحروب صعدة وبمقياس وضع علاقات بلدين وقضية أو قضايا خلاف.. فاليمن لم تتهم إيران ب "معممة" تصدير الثورة، ولكن بقرائن أو وقائع في تمرد وأحداث باتت جزءاً من واقع اليمن تؤكد تدخلها ودعمها للتمرد. عندما يأتي في بيانات وخطاب النظام الإيراني جملة مثل "على اليمن الكف عن أذى واستهداف الشيعة"، فهذا اعتراف بالتدخل في إطار الإنكار وهو ليس منطق حجة ومحاججة بحقائق واستحقاقات الواقع "كوجود لتطرف شيعي" أو ممارسة ماهو من "الأذى أو الاستهداف"، كما أن طبيعة ووضع علاقة البلدين تجعل مثل هذه اللغة بمثابة انقلاب لقلب الحقائق، فهو انقلاب على واقع علاقة لا يليق سياسيا وانقلاب لم يتدرج ولا له سلام، كما هو ليس من السلام والإسلام. ففي الوقت الذي بات المرفوع تجاه إيران هو خطر برنامجها النووي تفاجئ طهراناليمن في واقعها بتصدير الثورة، ومفاجأته بمستوى تفجير أول قنبلة نووية في إطار ماهو معروف ويتعارف عليه لعلاقات سياسية وأوضاع سياسية. كأنما الشرعية الدولية والصراعات الدولية فوضت النظام في إيران لعمل ما يشاء وتنفيذ ما يريد، وبالتالي فهو لا يعامل اليمن أو يتعامل معها بلغة عداء عرفت مع النظام في السعودية أو البحرين، وإنما بلغة توجيه وأمر لتابع أو أقل من التابع "عليه أن يعمل كذا أو لا يعمل كذا". بافتراض مواطن مثلي يصير في اجتهاد المذهب الزيدي أو الشافعي أو غيرهما كالإسماعيلي، فهذه المسألة هي التي ليست حقا للنظام في اليمن ولا يستطيع أن يجبرني على الانتقال إلى مذهب آخر أو اجتهاد آخر، فكيف للنظام في السعودية أو إيران أو أميركا أو غيرها فعل ذلك؟!!. هناك جهود واجتهادات جاءت من خط الإقناع أو خيار إجماع كما أسمته لتحديد أربعة مذاهب هي الأساسية أو التي تعترف بها الأثقال، ومع ذلك فالمذاهب الأساسية في اليمن لم تقتنع لا بهذا الخط ولا بطرحه، ومن حق كل الناس ممارسة قناعاتهم بدون صراعات ولا عداء. ربما بعض ملالي قم أو خبراء طهران لا يدققون في قراءة محطة أو حالة وفترة فيخلصون إلى استنتاج هواهم وأهوائهم، وهو غير ذلك بل نقيضه. إذا اعتبرنا تسليم التربية والتعليم لطرف سياسي أو مذهبي ولفترة تتجاوز العقدين فمن نتائجه إيجابياً وضع سقف تلقائي ومحسوب أو محكوم لصراعاته، أما من بين نتائجه الواقعية فهو استمرار ثقل المذهب الزيدي في واقعيته واعتداله. قاصرو النظر والضعاف في الفهم في طهران يرون هذا الرفض للمذهب الزيدي للاحتواء والبقاء كثقل أساسي كمذهب فقط، لأنه شيعي ومن التطرف الشيعي، وليس لأنه مذهب واقعي بمسماه المذهب الزيدي وبواقعية اعتداله بعد عن التطرف في جوهره وابتعادا عن الصراع لأثقاله. وهكذا فالنظام الإيراني يصل إلى استنتاج خاطئ تماماً ويسير من خلاله إلى خطيئة في التدخل واقعياً أو سياسياً. المذهب الزيدي لا هو ملالي ولا رستم أفغانستان، وهو ليس من طرفه في صراع مع أي طرف أو مذهب، ولا يريد ممارسة احتواء ولا يقبل أن يحتوى. إذا ظهور واستكشاف الثروة النفطية غيرت الأوجه السياسية والصراعية للأسلمة والإسلام السياسي، فاليمن مهما ضعفت واقعياً ومهما أثقل ويثقل واقعها من صراعات، ترى نفسها ثقل الإسلام كقوة ناصرت رسول الله وانتصرت للإسلام، ستظل هذا الثقل لجوهر الإسلام واعتداله وسموه. وهي من هذا الاعتزاز الواعي والمختزن في اللاوعي نأت بنفسها من صراع المذاهب إلى حد التجارة والاتجار سياسياً، والمذهب الزيدي الذي يتعايش مع الآخر ويصمد أمام متغيرات وظروف بدون عنف إنما يقدم اعتداله ووعيه الذي كان يفترض أن تدقق فيه طهران وملالي "قم" طهران التي اختارت لثقل الشيعة جنوبالعراق مسايسة الاحتلال الأمريكي والبريطاني في ذروة عمليات المقاومة، ليست من يختار للمذهب الزيدي في اليمن خيار العنف كتابع بليد أو ساذج، فجنوبالعراق يجنب العنف كونه من الضواحي فيما المذهب الزيدي وصعدة من الأضاحي. بدلاً من إنشاء حزب الله في جنوبالعراق وثقله الشيعي تفرض طهران أعلى قدرات المهادنة سياسيا مع أميركا للوصول إلى رأس الحكومة، وهكذا فطهران رفضت تحالفاً واقعياً مع النظام العراقي الذي أرسل طائراته إلى المطارات الإيرانية، وبعد إقصاء النظام رفضت خيار المقاومة وتفعيل عملياتها في جنوبالعراق الشيعي ومن قبل الشيعة ولو في مناطق أخرى من العراق. إذا هذه ممارسات ومواقف النظام في طهران فهو لم يعد في وضع من يصدر ثورة ولا عمامة سوداء ولم يعد في وضع من يملي على آخرين وأوطان أخرى خيار العنف. إذا النظام الإيراني يفرض على أي نظام آخر أحد خيارين إما أن يمارس العنف لصالحه أو مصالحه وضد آخرين، أو أن نظام طهران سيحرك ويشعل العنف ضد هذا النظام، فكل نظام يرجع إلى معايير الأوطان كما صنع النظام الإيراني في العمل والتعامل المشترك مع شيعة العراق وأميركا، لأننا لا نتلهث للاستخدام الصراعي اتهاما لشيعة جنوبالعراق بالتخوين كما مارس البعض أو للنظام الإيراني بالعمالة لأميركا كما يكيل النظام الإيراني هذه التهمة ويوزعها على آخرين. هل ترك "الحوثي" والنظام الإيراني لليمن من خيار يحترم واقعياً ووطنياً ويجسد خيار ومصلحة اليمن غير مواجهة التمرد؟!!. من السياسة التي اتبعها نظام طهران للتعامل مع أميركا من خلال جنوبالعراق وشيعته، فهو لا يكترث ولا يرحم من يزعمهم الشيعة في اليمن كما في جنوبالعراق، وهو يعادي السعودية واقعياً أكثر من أميركا، فهل هذا من الإسلام؟!! وهل هذا هو الإسلام الذي يجزئه نظام طهران حسب أوضاع لصالحه ومصالحه، ويستخدم أوطان المسلمين الأخرى والشعوب الأخرى المسلمة أضاحي وتضحيات؟!!. في أية قضايا قومية أو إسلامية فالاستزادة بها في المزايد عليها، هو كالانتقاص منها والمناقصة عليها كصراع سياسي ومتاجرة سياسية أو لمصالح سياسية، واليمن بمنأى عن مثل هذا بوجهيه المتناقضين مزايدة ومناقصة وبأي أوجه وواجهات لعب. إذا النظام الإيراني يحمل الحد الأدنى من استشعار المسؤولية تجاه الإسلام والمسلمين فعليه إدراك أن كثرة وتكرار استخدام المزايدة تجاه قضايا يضعف القضايا وعياً وواقعاً. اليمن بأوضاعها وبوعي ومبدئية خياراتها ليس لديها ما يخفى أو يخيف حتى بمستوى التعامل الإيراني بشيعة العراق مع أميركا، وله قول ما يريد فكل لا تأثير له بقدر ما إحساسنا بالمسؤولية يوجب التنبيه كإرضاء ضمير وبراءة ذمة. إذا ما يعني ويتصل بجنوبالعراق هو مفاوضات فرضت على النظام الإيراني الهبوط بسقف النضال إلى ما لا يقبل في وضع ما بعد الغزو، فهو يفاوض للوصول إلى طاقة نووية سلمية ولتحسين شروط احتمالية تطوير لغير ذلك، وهي احتمالية ضعيفة. ليس هدفنا إلغاء ماهو إيجابي في مواقف إيران وممارستنا للمسؤولية توجب علينا عدم مس قضايا بأي قدر ومن أي وجه من أجل كشف ماهو مستوى من الخداع وبالتالي مستوى من تعرية نظام. ومع ذلك وبالإجمال فالحاصل الدعائي والادعائي للنظام الإيراني، هو أكبر بكثير من الحاصل الواقعي للنضال، فمع أن كل عنف إرهاب مرفوض، لكن تظل تفجيرات نيروبي أو منهاتن من قبل إرهاب القاعدة و "بن لادن" هو أشرف من الانقضاض على بضع موظفين في سفارة كرهائن واقتيادهم من مكان إلى آخر داخل إيران، ومن قبل الجناح العسكري للنظام "الحرس الثوري" حتى لو امتلكت إيران القنبلة النووية واستعملتها مع استحالة ذلك من قبل إيران، فماذا تكون النتائج؟!!. وبالتالي فالقوة الأكبر إما هي في حاجة إلى خصم ودور خصومه أو في ظل واقع إيران وطبيعة الشعب الإيراني، فهي أرحم وأكثر إنسانية تجاه الشعب وليس النظام. لا يكفي وضع متراكم صراع وواقع ظلم وقضايا في أي واقع من تاريخ وصراعات العالم للتبرير أو التبرئة لما هو ظلم أفدح. إذا كانت القوى الكبرى لا تريد توسيع دائرة العنف إلى إيران لما يعنيه من أضرار وتضحيات كبيرة للشعب الإيراني، فكون الإسلام يجمعنا مع الأشقاء في إيران شعباً ونظاماً بغض النظر عن اختلاف مذاهب واجتهادات، فذلك أدعى وأولى أن يرحم النظام الإيراني الشعوب في إطار مشاريع وأولويات صراعاته. فهل الخطر عليه كنظام أو على إيران كوطن من صعدة هو أكثر منه من جنوبالعراق، فيجنح هناك للسلم بل ويجبر الشيعة على الجنوح، معها إلى حد الخنوع وفي هنا يعلي العنف ويعلن الحرب؟!. كان النظام الإيراني يستطيع الضغط لفرض وضع سياسي للحوثي في إطار الحياة الحزبية والعمل العام، ويأمره بإنهاء التمرد بشيء من التعامل مع شيعة العراق وكان بذلك أصلح ولا يحتاج عرض صلحه لاحقاً.