آخر النكات التي أسمعها كل يوم هي تلك التي يختتم بها مذيعو نشرات الأخبار جملة من أخبار الموت والدمار ثم يبتسمون ببلاهة وهم يقولون لنا: ختاما طيب الله أوقاتكم، وتصبحون على خير!؟ بالله عليكم أيش من خير بعد حريق الدم هذا ؟! الحروب لا تعكس دمارها على الاقتصاد والبنية التحتية فحسب، بل تنعكس آثارها المدمرة –أيضا- وبشكل أكبر على نفوس الناس وعلى تفكيرهم وعلى أدائهم وعلى فضائلهم معا. بعد الدمار الذي أحاق بالعالم جراء الحرب العالمية الأولى والثانية، أرخى المقاتلون ظهورهم على الجدران وتساءلوا بأسى مرير: يا إلهي ما الذي جنيناه؟ لقد استفاقت أوروبا -بأكملها- على بقايا إنسان وبقايا دول. معلوم أن الأحداث الدامية التي شهدتها اليمن خلال فترة السنة والنصف الفائتة كانت أحداثاً موجعة وصادمة وشطرت مشاعر الناس قبل أن تشطر رؤوسهم وتشطر قناعاتهم وشوارعم إلى نصفين أيضاً. كانت أوقاتاً صعبة وقاسية ولئيمة ولا يزال اليمن يتجرع مرارتها بصمت أو بموت بطيء. *والسؤال المهم الآن هو: كيف ننسى ذلك ونعاود الحياة بقلب جديد؟ نحتاج أولا وقبل كل شيء إلى أن نحب بعضنا بعضا، ونحتاج إلى صلاة غفران يؤديها الجميع يوم جمعة بدلاً من صلاة الجمعة التي أصبحت لمرات عديدة مشطورة بين جهتي حرب كلاهما استخدم الله لتبرير أفعاله المدمرة والمميتة معاً. * نسيان الحرب يتطلب من الجميع إشاعة فضيلة التسامح والاعتذار ولا تتطلب مزيدا من المكابرة أو مزيدا من الضحك على الذقون. نسيان الحروب لا يتطلب خوض حرب أخرى تساعد الناس على النسيان، بل تحتاج إلى البناء.. إلى حديقة وارفة ومدرسة ومشفى وأغنية للسلام. بالاقتصاد وبالفنون تطهرت أوروبا من خطيئة الحرب، وليس باجترار الماضي أو بإشعال جذوة الخصومات والأحقاد من جديد. وقبل هذا كله، نسيان الحروب يحتاج إلى شخصيات تثير التفاؤل لدى الناس، وليس إلى شخصيات لعبت المشهد الدامي كله وأصبح مجرد النظر إلى وجه أحدهم يجعل المرء يقول في نفسه: "والله إن الحرب أخرج!". بعد كل حرب هناك أجنحة وهناك عكاكيز. واليمن الآن بحاجة إلى أجنحة من ضوء لتطير، على أن البلد أصبحت مليئة بالعكاكيز، ومش محتاجين عكاكيز أكثر.