أفرجت السلطات اليمنية أمس الخميس عن الصحفي محمد المقالح، رئيس تحرير الموقع الالكتروني لصحيفة الحزب الاشتراكي، المعتقل منذ أربعة أشهر، وكانت قد أفرجت يوم الأربعاء على رئيس تحرير صحيفة الأيام المحظورة، هشام باشراحيل، وذلك تفاقم حالته الصحية، بسبب ظروف السجن، وأيضا يسبب إضرابه عن الطعام منذ الأسبوع الماضي، ويعاني باشراحيل من عدة أمراض بسبب إصابته بالسكري، وحتى اليوم لم يتم الإفراج عن نجليه هاني ومحمد، اللذين اعتقلا معه في يناير الماضي، بعد أن اقتحمت قوات الأمن مقر الصحيفة وبيت العائلة في عدن، حيث قتل في الاقتحام حارس يعمل في الصحيفة، بينما جرح حارس آخر، وشوهد باشراحيل بعد الإفراج عنه وهو يتوكأ على عكازين، وتبدو قدماه متورمتين. محاولة اغتيال وكانت قوات الأمن قد حاصرت في شهر يناير الماضي مقر صحيفة الأيام، لتفريق اعتصام نفذه عشرات الناشطين، للمطالبة بإعادة صدور الصحيفة التي قررت السلطات إغلاقها منذ مايو 2009، بتهمة تأجيج النزعة لانفصال جنوب اليمن. لكن السلطات بررت اعتقالها لباشراحيل ومحاكمته مع نجليه بتهمة أخرى، إذ تعرض ناشر أقدم صحيفة في اليمن إلى محاولة اغتيال يوم 12 فبراير عام 2008، عندما حاول 12 شخصا مسلحا يستقلون سيارتين في منتصف النهار مهاجمة مقر الصحيفة في عدن، ورد حراس الصحيفة بإطلاق النار على المهاجمين، فأردوا واحدا منهم وجرحوا الثاني، ويقول العاملون في صحيفة الأيام أن الشرطة لم تتدخل بالرغم من إبلاغهم بنوايا عائلة الشامي، التي تدعي أن الأرض المقامة عليها الصحيفة ملكهم.
ديمقراطية المساعدات وفي اتصال هاتفي مع إذاعتنا قال أستاذ القانون الدولي، الدكتور محمد علي السقاف، صديق باشراحيل أنه جاء من صنعاء لزيارته وكان قد قابله يوم أمس الخميس، ووصف حالته الصحية بالصعبة بسبب ظروف سجنه، لكنه أكد أن معنوياته عالية، وأنه لا يزال متمسكا بالمبادئ التي سجن من أجلها، وينفي السقاف أن يكون إطلاق سراح باشراحيل والمقالح علامة على تغيير السلطات اليمنية لسياساتها ضد صحافيي الجنوب، وأضاف السقاف قائلا: "أعتقد أنه سيكون خطأ كبيرا لو اعتقد الإنسان أن هذا مؤشر على هذا المعنى، لا بالعكس هم طالما أدوا غرضهم بإهانة وإذلال هؤلاء الإعلاميين، بعد ذلك يتخلصوا منهم ويتركوهم لشأنهم حتى يعودوا من جديد بعد ذلك للقبض عليهم، فالمسألة مسألة عقلية والعقلية لا يمكن أن تتغير، فعقلية السلطة هي هي، وجدت نفسها بعد حرب الخليج الثانية أن عليها أن تتبنى الديمقراطية، فتبنت الديمقراطية من غير قناعة، فطالما أن التلويح بوجود الديمقراطية يسهل لها الحصول على مساعدات من المؤسسات الدولية، تظهر وجهها الديمقراطي، ولكن بعد ذلك يسقط القناع، ويظهر وجهها الحقيقي وهو ضد الديمقراطية، وضد التعددية السياسية". كما أكد السقاف أن نجلي باشراحيل محمد وهاني لا يزالان في السجن مضيقا:
العودة إلى عصر الرهائن "هما أخذا تقريبا كرهائن مثلما كان عليه الأمر في عهد الإمامة، الإمام كان يأخذ أبناء القبائل من أجل ضمان ولاءهم، والآن أخذوا ولديه حتى يضمنوا أن يستمر بالحالة التي يريدونها عليه". ويؤكد السقاف أن كل التهم الموجهة إلى باشراحيل ملفقة، وأن تهمة حمل السلاح ومقاومة رجال الأمن لا تنطبق على باشراحيل مضيفا "لأنه في الجنوب ليسوا متعودين على حمل السلاح، ولا متعودين على عمليات القتل، ولكن بعض الأطراف الأخرى مهنتها القتل". أما قضية العقار المتنازع عليه بين عائلة باشراحيل وعائلة الشامي، فيؤكد السقاف أنها انتهت، وأن باشراحيل باع أملاكه في صنعاء وعاد إلى عدن.
الحنين إلى عصر الاستعمار وتكاد تلخص صحيفة الأيام اليمنية التي تأسست في أربعينات القرن الماضي، التاريخ المعاصر لليمن بشقيه وأيضا بعد الوحدة، ومن المفارقات أن الصحيفة التي تأسست في عدن في ظل الاستعمار البريطاني، لم تتعرض لأي مضايقات، ولكن الخناق اشتد حولها بعد استقلال جنوب اليمن عام 1967، عندما خضع جنوب اليمن لسيطرة النظام الماركسي الشمولي، وعندها اضطر باشراحيل الذي ورث الصحيفة عن والده إلى قفل الصحيفة، التي عادت للصدور بعد الوحدة اليمنية، وهاهي تغلق ولكن هذه المرة بقرار من حكومة الوحدة، التي يصر باشراحيل وقوى الحراك الجنوبي على استقلال الجنوب ولكن هذه المرة من تعسف الشقيق الشمالي، وعن هذه المفارقة يقول الدكتور السقاف: "هنا تكمن المفارقة، حيث بعض الأطراف التي ناضلت ضد الاستعمار تتأسف الآن على مرحلة الاستعمار، وهذا بسبب مساوئ الأنظمة السياسية، لكن أيضا الاستعمار يتحمل المسئولية، فهو من سلم السلطة لأطراف يعرف أنها ليست بالشكل المطلوب، وذلك ليظهر مزايا مرحلة الحكم الاستعماري، لأنه لو سلمها لسلطات وطنية ذات مؤهلات عالية، تستطيع إدارة الدولة بشكل عقلاني، لما مدح أحد الاستعمار، ولكن السلطة سلمت لبعض الأطراف فكل من حمل السلاح أو كل من رمى قنبلة يعتقد أنه مؤهل لإدارة الدولة، وهو ما حدث أيضا في عدة دول عربية، والعالم الثالث.