جماعة الإخوان المسلمين عن قمة السلطة، وعادت إلى العمل السري من جديد، بعدما صارت ملاحقة ومحظورة، فتخفت بالكتمان، حتى في لندن، حيث مقرها الذي يتولى تنسيق العمل بين فروع الجماعة في مصر والولايات المتحدة وأوروبا. عادت جماعة الإخوان المسلمين في مصر إلى العمل السري الذي تجيده، بعدما أثبتت فشلها في الحكم خلال عام فقط من تسلم مقاليد السلطة. وجندت الجماعة عناصر لتنظيم نشاطها تحت الأرض من خارج مصر، وبالتحديد من رقعة في شمال لندن. فمن مقر بلا عنوان في أعماق العاصمة البريطانية، أصبح المكتب الصحافي للإخوان المسلمين من أذرعها القوية، يتولى تنسيق العمل بين فروع الجماعة في مصر والولايات المتحدة وأوروبا، ونشر البيانات الصحافية، وتنظيم الاحتجاجات، وإعداد استراتيجيات جديدة، بما في ذلك توكيل محامين بريطانيين كبار وباهظي الكلفة لتمثيل الجماعة في ملاحقة الحكومة المصرية المؤقتة قضائيًا. لجوء إلى بريطانيا ولاحظ معلقون بتهكم أن لندن مكان طبيعي لنشاط جماعة الإخوان المسلمين، بشبكة أنفاقها الواسعة، لتسيير قطاراتها تحت الأرض. ومن لندن، أُطلق موقع جماعة الإخوان باللغة الانكليزية عام 2005، ليكون واجهتها أمام الغرب. ويعود نشاط الجماعة الدعائي في العاصمة البريطانية إلى عقد التسعينات، حين فتحت مركزًا إعلاميًا عالميًا، هدفه إيصال رسالة التنظيم إلى وسائل الإعلام في أنحاء العالم. وفي لندن، يقيم المتحدث باسم الجماعة لعموم أوروبا إبراهيم منير، وفي بريطانيا طلب الرجل الثاني في جماعة الإخوان جمعة أمين منحه اللجوء بعد زيارة لندن للعلاج. ويمتنع الناشطون في المكتب الصحافي للجماعة عن الخوض في تفاصيل عملهم. وبحسب صحيفة أندبندنت المصرية الصادرة بالانكليزية في القاهرة، فإن مكتب لندن الصحافي أصبح المسؤول عن الإعلام الخارجي لجماعة الإخوان المسلمين بكامله. ونقلت مجلة فورين بوليسي عن المتحدثة باسم المكتب، واكتفت بتسمية نفسها سلمى، أن الجماعة تتعاون مع ائتلاف عدد من منظمات المغتربين المصريين لتنظيم احتجاجات أسبوعية في لندن، تأييدًا للرئيس المعزول محمد مرسي. واشتملت هذه الحملات على تنظيم سلسلة بشرية في شارع أوكسفورد، الذي يعتبر من أكبر مراكز التسوق في لندن وأشدها ازدحامًا. أكثر من تظاهرات لكن فرع جماعة الإخوان المسلمين في لندن ينهض بمهمات أكبر من تنظيم التظاهرات وتوزيع المنشورات. إذ أقدم أخيرًا على توكيل فريق من كبار المحامين البريطانيين المعروفين دوليًا، بينهم مايكل مانسفيلد، الذي استعان بخدماته محمد الفايد في قضية التحقيق في مقتل الأميرة ديانا ونجله دودي، وكان وكيل عائلات الضحايا الذين قُتلوا في "الأحد الدامي" في أيرلندا الشمالية في العام 1972. تتمثل مهمة هذا الفريق باهظ الكلفة من المحامين بملاحقة الحكومة المصرية المؤقتة قضائيًا، والسعي إلى محاسبتها أمام المحكمة الجنائية الدولية. وباسم حزب الحرية والعدالة وأعضاء في مجلس شورى الجماعة المنحل، رفع المحامون دعوى قانونية تتهم الجيش المصري والحكومة المؤقتة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بالارتباط مع أحداث 14 آب (أغسطس) المنصرم، عندما تحركت قوى الأمن المصرية لفضّ اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. وقال طيب علي، المحامي في شركة آي تي أن سوليسترز ITN Soliciters الكبيرة والمتخصصة في قضايا حقوق الإنسان في لندن، لمجلة فورين بوليسي: "إن الأشخاص الذين كلفوني تعرّضوا للاعتداء على يد نظام الحكم، وإن التعليمات الصادرة إليَّ أُعدت بحيث سأُنهي تحقيقاتي حتى إذا فقدتُ الاتصال بكل عضو من أعضاء حزب الحرية والعدالة ومجلس الشورى". هيكلة كاملة ورفضت سلمى، المتحدثة باسم المركز الصحافي للإخوان في لندن، أن تكشف عن عدد العاملين في المكتب، مكتفية بالقول: "هناك تنظيم هرمي، فنحن منظمون، وعلى مستوى عال من الهيكَلة والإطلاع". أضافت: "نحن كنا دائمًا هنا، منذ عقدين، فجماعة الإخوان تنظيم دولي، وليس محصورًا في مصر وحدها". وقال الباحث خليل العناني، من معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن لجماعة الإخوان المسلمين المصريين تاريخًا طويلًا في لندن يمتد لأجيال عدة، وقادتها بدأوا الفرار إلى أوروبا منذ خمسينات القرن العشرين. ومن أبرز كوادر الإخوان في لندن عبد الله حداد، نجل مساعد مرسي للشؤون الخارجية عاصم الحداد. ولكن آل الحداد ليسوا العائلة الوحيدة التي لها علاقات قوية بجناح الإخوان في لندن. فشقيق سلمى كان عضوًا في طاقم مرسي الرئاسي. وحتى في أجواء لندن الآمنة عمومًا، يعمل الإخوان المسلمون بسرية. وقالت سلمى: "لا يمكن النقل عنا بالاسم بعد الآن"، مشيرة إلى اعتبارات أمنية وضغوط عائلية. واعترفت سلمى بانقسام الجالية المصرية في لندن، بل أقرّت بأن الغالبية لم تصوّت لمرسي في الانتخابات الرئاسية.