تتوقف سيارة في نقطة عسكرية بمنطقة النشيمة ويهاجم مجموعة من "الانغماسيين" الموجودين داخل السيارة أفراد النقطة بأسلحتهم الرشاشة، بينما تواصل السيارة الأخرى يستقلها "الاستشهادي" طريقها إلى عنابر كتيبة عسكرية ..فجر فيها محدثة كتلة من اللهب يتساقط على إثرها أفراد الكتيبة بين قتيل وجريح. هذا ما جاء في آخر شريط مسجل بثته مواقع القاعدة لعملية النشيمة بمحافظة شبوة والتي وقع ضحيتها العشرات من العسكريين بين قتيل وجريح نهاية سبتمبر الماضي. لكن ما لم نجده في الشريط هو توضيح معنى "الانغماسي" التي وردت على لسان المتحدث في المقطع وما هي خلفية هذا المسمى والعقيدة القتالية له وهذا ما يحاول هذا التقرير توضيحه. فروع القاعدة وتبادل الخبرات قال أبو بصير – ناصر الوحيشي أمير القاعدة في جزيرة العرب في رسالة موجهة إلى (أبو الزبير) أمير الجهاد في شمال أفريقيا "اختطاف الرهائن وسيلة سهلة ويمكن وصف هذا العمل بالتجارة المربحة والكنز الثمين، وبفضل الله معظم تكاليف المعركة إن لم يكن كلها كانت تدفع من خلال الفدية".هذه الرسالة التي تحث "أبو الزبير الأفريقي" للاتجاه نحو الخطف واحتجاز الرهائن في أفريقيا عثرت عليها وكالة أسوشيتد برس حسب الكاتب كين دينلانيان. وهنا الرسالة تشير إلى أن فروع القاعدة في العالم تتبادل الخبرات والاستشارات فيما بينها. ظهر مصطلح "الانغماسيين" مع ظهور تنظيم القاعدة فرع الشام والعراق. حيث استخدم هذا المصطلح لتوصيف بعض مقاتلي القاعدة الذين نفذوا عمليات داخل العراق (تعدد المستهدفون) ثم بعد ذلك ظهر في سورية مع دخول القاعدة في خط المعارك والجماعات الموالية لها مثل جبهة النصرة إلى جانب الجيش الحر في قتال الجيش العربي السوري. حيث نجد هذا المصطلح قد تداولته بعض مواقع القاعدة ضمن مجموعة من أخبارها عن عمليات قامت بها فصائل وجماعات مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة. وهذا يفسر كيف ظهر هذا الطراز من الانتحاريين الجدد "الانغماسيين" في اليمن بعد ظهوره في بلاد الشام والعراق. (انغماسي- اقتحامي-استشهادي) فريق للموت تباينت إجابات بعض المهتمين بشئون القاعدة من حاولنا أن نجد عندهم إجابة عن: من هو الانغماسي؟ فقال أحدهم إنهم بعض من يشاركون في العمليات من "المنتمين الجدد" . ورأى آخر أن الانغماسيين مصطلح يكاد يكون مرادفاً لمصطلح "الانتحاري". وكان رأي الثالث أنهم "من تبايعوا على الموت". أحد المواقع الإلكترونية الموالية للقاعدة قال إن الانغماسيين "هم من يغمسون أنفسهم في صفوف العدو أثناء المعركة ليستشهدوا ويفتحوا أبواب النصر لإخوانهم المجاهدين". من خلال الإجابات التي استطعنا الحصول عليها تكونت لدينا فكرة عن هذا الطراز من المقاتلين الجدد : مقاتلون يرتدون زياً مشابها لزي العسكر النظاميين، ويرتدون تحتها أحزمة ناسفة فيدخلون بينهم ويشتبكون معهم، وإذا نفدت ذخائرهم أو لم يتمكنوا من الإجهاز عليهم يقومون بتفجير الأحزمة ". أما الانتحاريون أو كما يحلو للقاعدة تسميتهم ب"الاستشهاديين" فهم مكلفون بتفجير أنفسهم أو العربات التي يستقلونها في هدف حدد مسبقاً. والانغماسيون يكونون مخيرين في تنفيذ العملية الانتحارية فهذا يعود إلى الانتحاري وإلى تقديره للحالة، يعني بما تقتضيه الحاجة فإذا نفذ مهمته من دون حاجته لتفجير نفسه فلا يقوم بذلك. وهناك فرق أيضاً بين" الانغماسيين " و"الاقتحاميين " فالمنغمس لا يضع في حساباته خط عوده بعكس المقتحم . لذلك لا تستغرب إن قرأت خبراً في أحد مواقع القاعدة عن عملية قامت بها القاعدة "أن أربعةُ مجاهدين، استشهاديٌّ، وثلاثةُ انغماسيِّين قد اقتحموا المبنى المحصّن". طراز جديد من العمليات المسلحة اتجه عدد من العسكريين يرتدون زي الأمن المركزي (أحدهم برتبة عقيد) إلى حراسة السفارة الأمريكية، وما إن اقتربوا حتى شرعوا في قتل الحراس وفجر أحدهم نفسه في مجموعة أخرى من الحراس محاولين اقتحام السفارة. هذه العملية التي تبناها تنظيم القاعدة لاحقاً هي أنموذج تكرر في كثير من العمليات اللاحقة لاسيما في 2011 في أبينوالبيضاء. حتى أصبحت سمة بارزة من سمات عمليات القاعدة وبصمة من بصماتها ويمكن وصفها بالعمليات الكلاسيكية. مؤخراً تغير أسلوب القاعدة في تنفيذ العمليات فقد أصبحت الإغارة هي الخطوة الأولى والغرض منها في المقام الأول بحسب العميد عبدالستار الزخمي القدرة على تحطيم المستهدف نفسياً ومحاولة إذلاله وإرعاب البقية ، يأتي بعدها الخطوة الثانية وهي الوصول إلى الهدف المحدد وتقديم بها فرقة أخرى (الاقتحاميون). كلتا العمليتين تخضعان لعوامل عديدة قبل تنفيذها منها جمع معلومات استخباراتية (من ضمنها معلومات من داخل أروقة العدو) واختيار التوقيت المفاجئ والإسناد والتغطية النارية. ويقول شعيب المساوى أن التنظيم بدأ ينتهج استراتيجية جديدة "ما يسمى ب(الكر والفر) لأنه أدرك أن تواجده في مناطق محددة ومعروفة للحكومتين اليمنية والأمريكية يعرضه لخسائر مادية وبشرية ويعيق شن هجمات في الداخل أو الخارج". و يؤكد العميد الزخمي على أن نجاح عمليات القاعدة مؤخراً يرجع إلى الضعف الاستخباراتي للجيش والأمن اليمن مؤخراً . وعزا الزخمي مصدر قوة الانغماسي إلى عدة محاور منها الزي العسكري وله فائدتان التمويه والوصول إلى أقرب نقطة من الهدف.بحسب وصفه كما أن من محور قوة المقاتلين الجدد أيضاً "أسماهم الانتحاريين الجدد" إلى تقدير الانتحاري الشخصي فهو يستخدم الكلاشينكوف والقنابل وكل وسائل الهجوم على الهدف، فإن وجد أنه يحتاج إلى تنفيذ عملية انتحارية فإنه لا يتردد في فعل ذلك. وأضاف أن المشاركين في العملية من اقتحاميين قد يقومون بتصفية هذا الانغماسي في حال وجدوا أنه جبُن أو أنه قد يقع في الأسر. القاعدة تستقطب العسكريين شدّني تعريف أحد المهتمين بشئون القاعدة حين قال أن الانغماسيين هم المجندون الجدد (لم يوضح هل هم عسكريون أم مجرد مسلحين). وأضيف إلى تعريفه ضرورة ارتداء الزي العسكري "الميري" عند تنفيذ العملية العملية لكي يسمى مقاتل القاعدة انغماسياً. فهل هؤلاء الانغماسيون من العسكريين الذين تم استقطابهم؟ وهو ينتمي إلى جماعة إسلامية غير مسلحة يؤكد على هذه الفكرة أي أن من يسمَّون بالانغماسيين هم من الجنود المستقطبين!! يقول الخبير العسكري العميد عبدالستار الزخمي " إن توغل القاعدة في صفوف الجيش والأجهزة الأمنية أصبح مخيفاً جداً، والقاعدة تغتال كل شخص امتلك معلومة عنها، فكل من قامت باغتيالهم من عسكريين ورجال مخابرات كان لهم نشاط في مكافحة الإرهاب ولديهم معلومات عن تنظيم القاعدة أو عناصره". اللافت للانتباه أنه خلال الشهر الماضي تواترت الأخبار عن قيام الجيش باعتقال عسكريين وأمنيين بتهمة التواطؤ مع القاعدة لعل أبرزهم ضبط سبعة ضباط من منتسبي المنطقة العسكرية الثانية بالمكلا بتاريخ 3 أكتوبر وتم نقلهم إلى صنعاء بمروحية عسكرية. كما قال مصدر استخباراتي بمحافظة البيضاء ل"اليمن اليوم" إنه تم إلقاء القبض على ضابطين متهمين بالتواطؤ مع القاعدة لتنفيذ الهجمات على النقاط العسكرية ومبنى النجدة خلال إجازة عيد الأضحى. أعقب ذلك اعتقال مدير شئون الأفراد بالأمن العام في البيضاء بالتهمة نفسها. إلى ذلك تم اعتقال 4 عسكريين في المنطقة الرابعة بمحافظة عدن بينهم مدير مخابرات محافظة البيضاء بتهمة التواطؤ مع القاعدة. يقول العميد الزخمي إن توغل القاعدة في المؤسسات العسكرية والأمنية يأتي لسببين: 1- أزمة ثقة بين رفاق السلاح كنتيجة لما يجري منذ عام 2011م. 2- ضعف العقيدة القتالية لدى أبناء الجيش والمؤسسات الأمنية، نتيجة لضعف التوجيه المعنوي والانقسام الإعلامي وانتشار الشائعات. ويوضح شعيب المساوى (صحافي مهتم بشئون القاعدة) أن اختراق القاعدة للأجهزة العسكرية والأمنية ليس وليد اللحظة. ويستشهد باستهداف البارجة الأمريكية (كول) في 2000م من قبل جماعات جهادية التي قال إنه "كان لدى تنظيم القاعدة جهات نافذة في بعض المؤسسات العسكرية والأمنية ساعدته على تنفيذ العملية". مضيفاً أن الضغوط الأمريكية حينها على الحكومة اليمنية بضرورة "تضييق الخناق على منابع الإرهاب أتت أكلها لفترة قصيرة، ليعود التنظيم مجدداً إلى المواجهة مدعوماً بما يعرف بالمعسكر القديم".