[email protected] كان مرجواً ومأمولاً من حكومة الوفاق الحزبي أن تحقق التغيير الذي أرادته الجموع الشعبية في نظام الحكم ومؤسسات السلطة، خصوصاً وقد اقتضت التسوية السلمية للأزمة، شراكة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة لإدارة الفترة الانتقالية وتهيئة الأوضاع الملائمة لقيام منظومة الحكم الرشيد . أقول كان ذلك مرجواً ومأمولاً، لكن الرياح جرت بما لا يشتهي الرجاء والأمل، فلم تفلح حكومة الوفاق الحزبي في شيء من طموح التغيير أو جزء من مطالب الإصلاح الممكن في التنمية ونظام الإدارة والمال، إذ لم تحاول هذه الحكومة مجرد محاولة مقاربة الفساد الإداري والإهدار المالي، بأية رؤية من شأنها إصلاح الوضع أو الحد من فساده أو مفاسده، ناهيك عن وقفه وتغييره . ذهبت أحزاب المعارضة إلى حكومة الوفاق من منطلق العمل على إدارة الصراع الجديد بين مراكز قوى النظام القديم، والحرص على وراثة الحزب الحاكم في ما وقع بين يديها من الوزارات والمؤسسات، ولذلك قادها هذا الحرص إلى مقايضة الإصلاح المؤسسي بما هو أدنى من مصالح محدودة، في نطاق تعيين بعض عناصرها في مواقع قيادية بالمؤسسات الحكومية . سنوضح ما كان مرجواً ومأمولاً من حكومة الوفاق الحزبي في عنوان الإصلاح المؤسسي، بالقول: كان على الحكومة التعامل مع بنية الأجهزة الحكومية ومؤسسات الإدارة ومع هيكلها الوظيفي والقوانين والإجراءات التي تحكم عملها، وفق آلية شاملة تقف على مواضع الخلل التي أدت إلى سوء الأداء وفساد الإدارة في هذه المؤسسة أو تلك، ومن ثم تتبنى استراتيجية لتصحيح الخلل وتفعيل الأداء، على أن تتضمن هذه الاستراتيجية خطة لتأهيل الكوادر البشرية للعمل، وفقاً للقوانين الجديدة، وبما يضمن إصلاحاً حقيقياً ومستمراً، يحقق التغيير على مراحل ويضمن عدم العودة إلى الفساد والتجاوزات السابقة، وقيام آلية رقابة ومحاسبة تطبق بفاعلية وكفاءة مبدأ الثواب والعقاب . كان هذا ميسوراً، خصوصاً إذا نظرنا إلى الطبيعة الانتقالية لعمل الحكومة، فهي إذا أنجزته نظرياً ولم تتمكن من تطبيقه عملياً، فإنها تهيئ البنية المؤسسية وهياكلها الوظيفية للإصلاح المتاح بعد الانتقال إلى النظام الجديد، لكن هذه الحكومة فشلت في تشخيص الفساد السائد في بنية ووظائف هياكلها الإدارية والمالية والرقابية، وبالتالي عجزت عن إنجاز مشروع الإصلاح المؤسسي القادر على إيقاف استمرار مسلسل الفساد والإفساد، وفي تهيئة أجهزة السلطة للانتقال إلى العمل في إطار من حقوق الإنسان والقانون والشفافية، والرقابة ثم المحاسبة والكفاءة في المستقبل، الأمر الذي يضعنا اضطراراً في موقع الحاجة إلى ثورة جديدة في سبيل الإصلاح والتغيير.