بغضِّ النظر عن قبحها وحسنها، وفائدتها وضررها، وسواء أعدَّها المهدي المنتظر أو نزل بها جبريل الأمين على قلب الرجل المغربي، تبقى تسمية ورقة بنعمر حلاً للقضية الجنوبية مرهونةً بمدى قابليتها للتنفيذ.. ولكي تكون كذلك يجب في وثيقة (يجب) أن تكون واضحة حتى لا نحتاج في تنفيذها إلى مؤتمر حوار آخر لفهمها أو نقتتل على مضمونها، ويجب أن يتوافق عليها الغالبية وتتجه إرادتهم لتنفيذها أو يكرهون بالقوة على تنفيذها، وفي هذه الحالة تصبح وثيقة حرب لا وثيقة حلِّ تداعيات أزمة لا مخرجات حوار. ولو بنينا الاختلاف فيها على حسن الظن بمن وقَّع ومن لم يوقِّع، وافترضنا أن الجميع يريد حل القضية وإنقاذ البلاد من الدمار فإن اختلافهم دليلٌ كافٍ على غموض الوثيقة وعدم وضوحها، وإلا ما وقَّع البعض ورفض البقية، وهكذا لم يبق إذا ً غير خيار القوة والعمى. هدَّد بنعمر عبر قناة الجزيرة كلَّ الرافضين لوثيقته بعقوبات أممية، وذكرت وكالة الأنباء الرسمية أن قادة المناطق العسكرية ومجموعة ألوية الصواريخ والعمليات الخاصة تؤيد وتبارك توقيع حلول القضية الجنوبية، وانتشرت وحدات عسكرية وأمنية في ميدان السبعين تحسُّباً لأية مظاهرات رافضة للوثيقة، فهل نحن قادمون على حرب لفرض الوثيقة؟ ربما.. ولكن على ماذا؟ وهل ستربح الدولة خيار الحرب؟ إعلانُ أنصارِ الوثيقة الحربَ على الرافضين هو تخلٍّ منهم عن الوثيقة التي تنصُّ على حق الشعب في تقرير مكانته السياسية وجبر الضرر وسيادة الدستور وسياسة الحقوق والحريات، إلى آخر ما نصت عليه الوثيقة، وهو إعلان عن فشل الحوار والمبادرة الخليجية وعودة إلى مربع الحرب الأهلية، ولكن دون مشروعية، وليس على شرعية دستورية وإنما على ورقة رديئة الترجمة جاء بها بنعمر ليقول إنه أنجز شيئاً، ووقَّع عليها مجموعة أشخاص- لا تستطيع الجزم بفوزهم بعضوية دوائرهم المحلية- مجاملة منهم لرئيس الجمهورية الذي يسعى جاهداً ليثبت لنا أن مؤتمر الحوار نجح في شيء واحد على الأقل، ويريدون منه مقابل ذلك تمديد بقائهم في السلطة والاستقواء به في معاركهم التي يشنُّونها على خصومهم السياسيين في شمال اليمن وجنوبه، وقبل ذلك كله هل بإمكان حكومة مفلسة- أعجز من أن تلقي القبض على سائق دراجة- أن تشنَّ حرباً أو تحسم معركة؟ الجواب هو لا.. والرهان على بنعمر والقوى العظمى في هذه الحرب أكثر خسراناً من الرهان عليه في المعونات الاقتصادية، كما أن الصفقات لن تغيِّر شيئاً أو تعدل ميزان الخسارة، لأنهم سيختلفون مجدداً على ماذا ينفذون.. يا رئيس الجمهورية، فشل الحوار ليس نهاية الكون، وإنما هو أمر طبيعي لحوار بُني على الصفقات السياسية وليس على التمثيل الحقيقي لأطراف المشكلات، والاعتراف بفشله خير من التعصُّب لأوهامه. لقد أمَّل الناس في أن كونك جنوبياً سيشكِّل مدخلاً مناسباً لحل القضية الجنوبية، ما رأيك بالرهان عليه، والالتقاء بالقيادات الجماهيرية الحقيقية في الجنوب بدلاً من مسرحية الموفنبيك، واعفِ نفسك من مقايضة التمديد بالوهم، ودَعِ الفتى الأمازيغي لجبهة البليساريو.