كنتُ أفضل تأجيل الكتابة حول سقوط طائرة شركة الخطوط الجوية (اليمنية) في جزر القُمر, حتى تتضح الأمور أكثر ونتعرف إلى الأسباب الحقيقية للكارثة التي أودت بأكثر من 150 إنساناً وستترتب عليها خسائر فادحة لشركتنا الوطنية. لكن تهديد وزير النقل للإعلاميين بالملاحقة القانونية في حال تناولوا الحادثة و(أساءوا لسمعة اليمن) من خلالها, حفزني لتخصيص مقالي هذا لليمنية ك(شركة) آيلة للإنهيار إنطلاقاً من حادثة سقوط طائرتها (إيرباص310), التي أعتبرها رصاصة رحمة لإعلان وفاتها أو لتصحيح وضعها المتدهور. فشركة الخطوط الجوية (اليمنية) تأسست قبل 4 عقود برأسمال يمني سعودي مشترك في الجزء الشمالي من الوطن قبل إعلان وحدة 22 مايو 1990م, وعقب حرب 1994م أبتلعت اليمنية شركة الطيران الأخرى الخاصة بالجزء الجنوبي كما كان مصير الكثير من الأشياء التي (أُبتلعت) أو صودرت أو نهبت أو خضعت ل(خدعة الخصخصة). مُذ ذاك الوقت أخذ مسار اليمنية يتجه نحو الإنحراف عن المسار الطبيعي لها كشركة وطنية نتفاخر بها ونعتبرها رمزاً لليمن, وكم كانت سعادتي في كل مرة أتنقل عليها محلياً أو خارجياً وألاحظ الكم الكبير من الركاب غير اليمنيين وخاصة الأفارقة والأسيويين الذين يفضلونها على كثير من الشركات ليس فقط للتوجه إلى اليمن, بل بين دولهم ودول أخرى. وبمجرد أن سمعتُ عن الكارثة الأخيرة أثناء تواجدي خارج الوطن تبادر إلى ذهني المبرر, جنباً إلى جنب مع القضاء والقدر وسوء الأحوال الجوية, أن خللاً ما في المواصفات له علاقة بالعمولات أو تقصير في الصيانة وإهمال, وأيضاً الوضع المالي والاداري السيء لطاقم الشركة, وهم كادر وطني كفؤ ومتميز سحقته إدارة سيئة تتعامل مع الشركة كملك خاص دون وجه حق. المعلومات تتسرب عن كثير من الأمور حول ملكية الطائرة المنكوبة وتأجيرها لليمنية, ورفض الإدارة للنصائح بشأن جاهزيتها للعمل في أكثر من جانب, وسبب تبديل الركاب من الطائرة الأخرى القادمة من باريس (إيرباص 330), لهذه الطائرة وتعرض طيارين ومهندسين للعقاب والمحاسبة لإعتراضهم على وضعها. اليمنية, لم يقف سوء حالها عند ماتعانيه كل المؤسسات اليمنية من خلل وتخلف إداري وفساد مالي, ولا تكمن مشكلتها فقط في وضعها تحت تصرف وإدارة أحد المقربين من صانع القرار ليديرها بعقلية المالك غير الرشيد دون حسيب أو رقيب. بل هناك أمور كثيرة تكاد تودي بها للإنهيار, ليس أولها إدارتها بعقلية شمولية متخلفة, ومايحدث لكوادرها بإستمرار كأفراد أو كتشكيلات مدنية (نقابة المهندسين الجويين مثلاً) دليل واضح على ذلك. طبعاً الكارثة الأخيرة المتمثلة بسقوط إحدى طائرات شركتنا الوطنية (اليمنية), ليست سوى رصاصة الرحمة, فقد سبقها إنشاء طيران السعيدة بطريقة تحيط بها الكثير من الأسئلة والألغاز والشكوك, قد تكشف في النهاية مؤامرة كبيرة ضد الشركة الوطنية وبالتأكيد ليس بعيد عنها الفساد المالي والعمولات ودخول مسئولين وتجار يمنيين كشركاء في السعيدة بأسماء سعودية. فالملاحظ أن السعيدة لم تعد شركة طيران محلية كما خُطط لها منذ الإعلان عنها كمشروع, لكنها تجاوزت ذلك لتحل بدلاً عن اليمنية في الكثير من المطارات الإقليمية التي كانت واحدة من أهم نقاط عمل (المغضوب عليها). وعلى مدى عقود ظل الجميع يتفاخر بما لليمنية وأختها المُبتلعة (اليمدا) من كوادر وكفاءات متميزة في كل المجالات, كان يفترض الحفاظ عليهم وتحسين أوضاعهم ومنحهم مساحة من الحرية والحركة, لكن بسبب عقلية ادارتها التي لا تختلف عن العقلية الحاكمة للوطن عموماً, تسربت الكثير من تلك الكفاءات والكوادر إلى شركات طيران أخرى عربية وُسحق من بقي, ومنهم من قضى نحبه مظلوماً ومنهم من ينتظر. ولعقود ظلت اليمنية شركة وطنية وعنواناً لليمن, وأحتلت مرتبة متقدمة وحصدت سمعة طيبة مقارنة ببعض شركات الطيران العربية, لكنها بسبب سوء الإدارة وسياسة (التملك) الحاكمة, والموازنات السنوية المتخمة بالخسائر, وعبث بأموالها وإمكانياتها لمصالح شخصية, وحرمان كوادرها من حقوقهم, حتى حقهم في تشكيل نقابات وإنتخاب ممثليهم في قيادتها. صار واجباً أن يتخلى مسئولينا عن حالة المكابرة والعناد ويقرروا الكف ولو قليلاً عن العبث ويؤجلوا مشاريع التملك, وينخرطوا في عملية تقييم أداءها وتصحيح أوضاعها وتحسين ظروف كوادرها لتظل شركتنا الأولى ورمزاً لليمن وسفيرها في مطارات العالم. بالتأكيد يعد هذا ضرورة وطنية وإجراء ملح سواءاً ثبت أن سبب سقوط طائرتها - كحادثة أولى- سوء الأحوال الجوية أو خلل في الضمائر. شكر الأربعاء الماضي وجدت نفسي في مأزق صعب لم أشهد مثله من قبل, بسبب (عصيد) التعاون بين طيران اليمنية والملكية الأردنية. لكن وجود الأخ أمين العنسي (مكتب اليمنية – الأردن) كان بمثابة الفرج لي, فبعلاقاته المتميزة مع العاملين في المطار تمكن خلال دقائق من تحويل تذكرة سفري من الأردنية إلى اليمنية, ولذلك فهو يستحق شكري.