الأجزاء السابقة بنت على نصائح عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي د. يحيى الشعيبي لحزبه، مناقشة تحدثت عن انعكاسات أحداث 2011 وتداعياتها سلباً وإيجاباً على الظروف الذاتية والموضوعية للحزب، وانتهينا في الجزء المنشور العدد الماضي إلى ضرورة إقدام المؤتمر على إصلاحات فكرية وسياسية وتنظيمية منها ما هو عاجل ومنها المطلوب على المديين المتوسط والبعيد. وبالتركيز على الشأن التنظيمي -النقص الحقيقي لدى الحزب- تم التطرق إلى ضرورة التخلص من مشكلة القيادة برأسين - علي عبدالله صالح وعبدربه منصور هادي. وهنا سنبدأ بالانطلاق من أن الحزب، أي حزب، هو في محصلته النهائية ماكنة انتخابية، خصوصا في عالم ما بعد انهيار الشيوعية. وبالنظر إلى الواقع السياسي على مستوى العمليات الانتخابية القادمة، يستطيع المرء التأكيد على أن مخرجات الحوار الوطني أكدت معطيات ستحدث ما يمكن وصفه بالانقلاب في مكونات المشهد الانتخابي ما يستدعي من المؤتمر ومختلف الأحزاب تغيير استراتيجياتها الانتخابية القديمة والبدء بترتيبات تنظيمية داخلية تستوعب متغيرات رئيسية يمكن إجازها في الانتقال إلى الفدرالية كشكل جديد للدولة، ما يضع المؤسسات الحزبية أمام أسئلة متصلة بكيفية خلق توازن دقيق وعادل بين المركزية واللامركزية التنظيمية. أضف لذلك إلزام الأحزاب –المقرر- بمنح المرأة 30% من القوائم الانتخابية في الانتخابات العامة على مستوى الدولة الاتحادية والأقاليم على حد سواء، إلى جانب تغيير النظام الانتخابي من نظام الفائز الأول والدائرة الفردية، إلى نظام القائمة النسبية المغلقة. والعاملان الأخيران تحديدا يعنيان إضعاف القوى التقليدية والثقل الفردي للواجهات الاجتماعية لصالح قوى غير تقليدية -المرأة ومكونات حزبية حداثية- داخل الأحزاب. على سبيل التوضيح نظام القائمة المغلقة سيحدث تزاحماً بين الكوادر الحزبية_ ربما فيها الكوادر المصنفة على القوى التقليدية_ على بدايات القائمة الحزبية ما قد يتسبب في نزوح -إن لم نقل انشقاقات- من الأحزاب الكبيرة ومنها المؤتمر إلى الأحزاب الصغيرة، ما لم يتم من الآن ترتيب الأوضاع الداخلية للحزب بما يشمل تحديد معايير واضحة وعادلة لاختيار المرشحين. كما أن الإستراتيجية الانتخابية السابقة للمؤتمر القائمة على واجهات النفوذ المحلية -أو المناطقية- والوعود التنموية الخدمية ستتضاءل قدرتها في حشد أصوات الناخبين وسيحل محلها –افتراضا- إستراتيجية تقوم على أداء جهاز حزبي منظم وقوي خصوصا وأن نظام القائمة يقلل بطبيعته من ارتباط المرشح بالناخبين وبالتالي احتمالية نقص حماس المرشحين التقليديين في استغلال ثقلهم المناطقي في حصد الأصوات الانتخابية بعد أن كان نظام الفائز الأول يعطيهم نزعة قتالية لاقتناص الدائرة -أو الدوائر- إثباتا للذات وحصولا على مزيد من الحظوة لدى السلطة/ المؤتمر. لعل الحاجة لإيجاد صيغة تفصل تحالفات المؤتمر مع القوى التقليدية عن صلب العملية التنظيمية باتت ملحة، بحيث يسير النشاط الحزبي بأوجهه المختلفة وفقا للأساليب والوسائل الحديثة وبذات الحين الحفاظ على تحالفات لن تعدم الحاجة إليها، وارتباطا بذلك سيكون المزيد من تمكين فئتي الشباب والمرأة في مؤسسات الحزب بصلاحيات حقيقية مناسبا للمرحلة المقبلة وبهم ومن خلالهم سيتمكن من إعطاء العمل الواجهي عبر المنظمات والنقابات وغيرها جدية وفعالية، غير قابلية الفئتين لعمليات التأهيل واستيعاب أهمية التحول من أساليب العمل التقليدية إلى الأساليب الإلكترونية خاصة في التعاطي مع البيانات وطرق التواصل (التحول لمنظمة الكترونية إن جاز التعبير). وختاما ربما يحتاج المؤتمر بغرض إيجاد غراء للتماسك الداخلي ومساندة جهود الاستقطابات الجماهيرية إلى مسحة إيديولوجية في توجهاته، يمكن العثور على بذورها في الميثاق الوطني -مرجعيته الفكرية- خاصة تلك التي تقدم المؤتمر على أنه حزب وسطي ويمثل الروح والشخصية اليمنية، سوى كونه بوتقة نجحت في إيجاد خلطة يمنية للمقولات الإيديولوجية الأساسية للفكرين القومي والإسلامي وحتى اليساري بالإضافة لذلك سيحتاج المؤتمر إلى خصوم حقيقيين أو حتى مختلقين، وصناعة رموز سياسية، من شعارات وشخصيات وغيرها.