تنشغل الصحف الغربية دائما بالبحث عن وجوه تعلم 'الثورات الجديدة' في ايران والصين، وفي المشاكل التي اندلعت بين اقلية الايغور المسلمة والغالبية الصينية هان بحث الاعلام الغربي عن صورة على غرار صورة ندى اغا سلطان، الشابة الايرانية التي قتلت اثناء الاحتجاجات ضد الانتخابات الايرانية التي رأى فيها التيار الاصلاحي انها مزورة. وفي الاحداث الاخيرة برزت في الصور الخارجة من منطقة الاحداث صورة امرأة شابة وهي تواجه الشرطة الصينية واسمها طورسون غول (30 عاما)، فقد بدت المرأة المحجبة وهي تقف بقبضتها المرفوعة اما فرقة مدججة بالسلاح في مدينة أورومتشي عاصمة إقليم تشينغ يانغ. ومن هنا اتخذت صحيفة 'التايمز' من صورة السيدة رمزا لما أسمتها ثورة الايغور ونقلت عنها ان كل ما تطلبه من الشرطة الصينية هو إطلاق سراح زوجها وأربعة من أشقائها. وقالت السيدة انها لم تشعر بالخوف وهي ترفع قبضتها أمامهم، كما قالت ان رجال الشرطة الذين كانت لديهم على ما يبدو تعليمات بضبط النفس كانوا متعاطفين معها. وفي الوقت الذي حاولت فيه الصحيفة مقارنة المشهد هذا بمشهد احداث ساحة تياننمن الدامية عام 1989 في العاصمة بكين الا ان السيدة في حديثها ابتعدت عن التعليقات السياسية ولم توجه في حديثها رسائل سياسية حول المواجهات التي يشهدها الاقليم بين أبناء القوميتين، بل طالبت بتوحيد الصفوف ورأب الصدع.
لكن التركيز على رمز الثورة بدا بعيدا الاف الاميال عن العاصمة الاقليمية وتركز في واشنطن حيث بدت ربيعة قدير كما وصفتها الصحف الامريكية وجه المقاومة للاضطهاد الصيني. وتمثل قدير مثالا للعناد والتصميم فهي المرأة التي استطاعت الصعود على الرغم من التمييز من امرأة كانت تعمل 'غسالة' الى سيدة اعمال ومليونيرة.
وتمثل قصة قدير تضاربا في المصالح والعلاقات المضطربة بين الحكومة والاقليم، ففي العقد الاخير من القرن الماضي نظر اليها على انها 'نموذج للمواطنة الصالحة' لكن الدولة بعد ذلك سجنتها لاتهامها بسرقة اسرار الدولة ثم نفتها عن البلاد الى الولاياتالمتحدة عام 2005. ونقلت عنها صحيفة 'نيويورك تايمز' قولها ان كل المصاعب التي واجهتها في حياتها حضرتها للايام الصعبة التي 'نواجهها اليوم'، مشيرة الى ان المرأة سعيدة بلقب 'ام الايغوريين' الذي يطلقه عليها البعض.
ولاحظ مراسل الصحيفة الذي زار السيدة قدير (62 عاما) ان جدران مكتبها الصغير في العاصمة الامريكيةواشنطن مغطاة بصور لقاءاتها مع عدد من الرؤساء والمسؤولين الامريكيين مثل جورج بوش، الرئيس السابق وزوجته لورا بوش، سيدة البيت الابيض السابقة، وصور ابنائها الاحد عشر، اثنان منهم في السجن بالصين بعد اتهامهما بنشاطات انفصالية. وتعتبر الصحيفة ان الاحداث الاخيرة ادت الى رفع السيدة قدير الى مرتبة عالمية من الاعتراف تبدو اكبر من غرفتها التي تعمل منها من اجل الدفاع عن حقوق اقليتها، حيث تعمل مع فريق صغير عبر الهاتف والانترنت لتوضيح قضية الايغور بحماسة شديدة.
وتشير الصحيفة الى ان قضية الايغور شبه مجهولة لدى الغربيين مقارنة مع التيبت، فمقارنة مع الحماسة العالمية لدعم قضية اقليم التيبت فان قدير التي قادت مظاهرة احتجاج امام السفارة الصينية في واشنطن لم تجد الا جمعا لا يزيد عن العشرات، لم يتعد المئة، ومعظهم من المنفيين الايغوريين. وتقول الصحيفة انها رغم شعورها بخيبة امل الا انها حاولت عدم اظهار اهتمام.
مقاتلة التنين
وسجلت قدير تجربتها في العمل السياسي في مذكراتها التي صدرت هذا العام تحت عنوان 'مقاتلة التنين' والتي وصفت فيها نجاتها اثناء المجاعات والاضطهاد في اثناء حكم ماوتسي تونغ والثورة الثقافية، وكيف عملت في تجارة الملابس المهربة ومصادرة بضاعتها الدائمة من قبل مسؤولين متحمسين وفاسدين في نفس الوقت.
وتشير الى انها منذ وقت مبكر في حياتها كان لديها شعور قوي بضرورة الدفاع عن حق الايغوريين بتقرير مصيرهم. وتكتب في مذكراتها عن حظ العائلة في مجال التنقيب عن الذهب. وايا كان فقدير اظهرت منذ الصغر نزعة نحو التجارة وطورتها بحيث اصبحت تاجرة حاضرة البديهة، وكان لديها استعداد لبيع بضاعتها من بقجة على قارعة الطريق. اضافة لذكائها فقد كانت تقرأ مزاج السوق حيث اخذت بالاتجار بجلود المواشي عندما فتح الباب.
ففي بداية الثمانينات من القرن الماضي وعندما اخذ الاقتصاد الصيني بالتحرر نوعا من قيود رقابة الحزب وانتهزت قدير الفرصة وبدأت ببناء مملكتها التجارية، فبحلول التسعينات من القرن الماضي كانت قدير قد بنت مملكة تجارية تمتد حتى وسط اسيا وسوقا في العاصمة اورومتشي، ومتجرا مكونا من سبعة طوابق وجمعية خيرية لدعم نساء الايغور. وتشير الى ان انخراطها في التجارة كان له ثمن وكان ضد العادات في مجتمعها لكنها تعاملت مع المال على انه ضرورة لقدر امة الايغور، ولهذا كانت تسافر لشهور بحثا عنه تاركة الاولاد في عهدة زوجها العامل او الاقارب. ويتوزع ابناؤها الان بين الصين واستراليا وامريكا.
وبسبب نجاحها اعتبرتها الحكومة المركزية نموذجا عن نجاح امرأة من الاقليات وعينتها عضوا في المجلس الوطني للاقليم. وتقول انها عملت من اجل التغيير ولم تفقد ابدأ املها في تحقيق حلمها السياسي. وتقول انها كانت صادقة في تعاملها مع الحكومة الصينية من اجل حل مشاكل الايغور وانها لا زالت تؤمن بامكانية حل الامر. لكنها كغيرها من المنفيين السياسيين تحمل الكثير من المظالم معها وتنفي ان تكون وراء الاعمال التي اندلعت في البلاد.
وتدير قدير منظمتين الاولى هي جمعية الايغور في امريكا والمجلس العالمي للايغور حيث تقوم المنظمتان بتحشيد المنفيين حول العالم من اجل الاحتجاج على ما حدث في الاقليم. وتتلقى كل من المنظمتين دعما من مؤسسة الديمقراطية الامريكية وتلقت المنظمة الايغورية في امريكا العام الماضي من مؤسسة الديمقراطية 550 الف دولار العام الماضي. ويدير المجلس العالمي للايغور موظف واحد ويتخذ من ميونيخ مركزا له ولكنه اي المجلس على اتصال ب 51 منظمة للايغور حول العالم. وتقول قدير انها تتحدى السلطات الصينية لنشر ما تقول انها مكالمة قامت للاقليم مع قريب لها ودعت للتظاهر، حسبما نقلت وكالة انباء اسوشيتدبرس عن مسؤول صيني، ولا تنفي قدير المكالمة لكنها تقول انها طلبت من اخيها واقاربها البقاء في بيوتهم. مشيرة الى انه بدلا من لومها على السلطات الصينية البدء بالحوار مع الايغوريين.
لحظة قدير والايغوريين
وتؤكد انها ستظل زعيمة الايغوريين حتى اخر لحظة في حياتها مع اعترافها انها كانت تبحث عمن يأخذ مكانها. لكن مشكلة ام الايغوريين هي كيفية توصيل رسالة الايغوريين للعالم، فالاحداث الاخيرة هي 'لحظة الايغوريين' وتحاول قدير استغلالها لعرض مشكلة مواطنيها على العالم وتقول ان الايغوريين يقتلون كل يوم.
وتقول كما نقلت عنها 'واشنطن بوست'، 'اعتبر نفسي صوت ملايين الايغوريين، اعتبر نفسي دموعهم'. وهي وان تشجب العنف الذي يقوم به ابناء اقليتها الا انها تلوم الصينيين على التحريض على العنف 'الشرطة الصينية هي التي اشعلت العنف' كما تقول. فيما تتهم السلطات الصينية المجلس العالمي للايغور ومؤسسات اخرى بالتحريض على العنف. ويعيش في امريكا الف ايغوري تقريبا وهناك مليونان يعيشون خارج الصين، فيما يعيش ما بين 8 10 ملايين ايغوري داخل الصين.
وكان من سجناء معتقل غوانتانامو 17 قبلت منهم جزيرة برمودا اربعة. وترفض قدير كلمة انفصاليين وتقول ان ما يريده الايغوريون 'هو ما اريده: الحرية'. وتقول 'واشنطن بوست' ان الحكومة الصينية ربما وجدت في القاء اللوم على القوى الخارجية طريقة لحرف الانتباه عن المشاكل الحقيقية الا ان محللين يرون ان الاحداث الاخيرة تعزز من مكانة قدير كصوت جامع ومدافع عن الايغوريين. وبحسب باحثة تقول ان قدير تمثل رمزا قويا لانها امرأة ومسلمة وجريئة وام، فيما تقول اخرى ان الحاجة كانت في الماضي ماسة لصوت لحركة يكون مرجعا لها وقدير تمثل هذا الصوت.