ما أعجب هذا الكائن وأبلغه في الفرادة د.عمر عبد العزيز والمغايرة لنواميس الوجود النوعي لكائنات الأرض الزاحفة، فالضب من فصيلة الزواحف الأرضية التي تعيش في الصحراء،وبالذات في أكثر البيئات قسوة وتطرفاً في تعارضات المناخ، من الحرارة الشديدة في النهار إلى البرودة القارسة في الليل، فيكون الضب الحيوان الأوحد الذي يستمتع بهذه البيئة القاسية ويستولي على متاهاتها بالترافق مع بعض الأعشاب البرية القاسية والثعابين الصحراوية والعقارب الشرسة . يتمتع الضب بشكل ينسجم مع بيئته، وبتماسك بدني يجعله من أقوى الحيوانات جسداً بالرغم من حجمه الصغير ، فهو بهذا المعنى أشبه ما يكون بلاعب الجمباز البشري الذي يتمحور في معادلة القوة الفيزيائية الشاملة ، غير أن الضب يتجاوز لاعب الجمباز في كونه يتمتع بقوة داخلية لا نظير لها ، فهو حيوان لا يقترب من الماء ويعافه ، ويكتفي بتلك الدقائق المائية الصغيرة التي تترافق مع الأعشاب الصحراوية الجافة، وإذا ما أرغم على الماء فإنه يكف عن الوجود، تعبيراً عن زهده في أطيب نعمة وهبها الله للكائنات ، والذين رافقوا الضب في خلواته،وتعاملوا معه كفريسة يعرفون حقاً أنه عصي على الموت السريع ، مقاوم للنار، قوي الشكيمة ، قادر على الترميم السريع لأي جزء يفقده من جسده ، متأمل لا يجيد سوى النظر للملكوت، كأنه يتعبّد،أو كأنه يرى ما لا نراه، ولهذا السبب يرى الصحراويون الأكثر قوة ومنعة من باقي البشر أن الضب هو المثال لحياتهم وصبرهم على قساوة الطبيعة ، وعشقهم الأزلي للترحّل في الدروب التائهة للصحراء الواسعة . نعتقد جميعاً أن هذا الكائن قبيح النظر، مزري الشكل ، دوني الحياة، لكن الحقيقة تفارق ذلك تماماً ، ولهذا السبب فإن عالم البشر يعتمر بكائنات بشرية «ضبيّة» تُحتقر من قبل الكائنات البشرية النسرية«نسبة للنسور»، لكن الأيام تثبت قوة الكائنات الضبيّة وضعف النسريّة ، ذلك أن النسر يموت عطشاً، ولكن الضب لا يعيش إلا بدون ماء!، والنسر «الرشيق الجميل» يلتهم اللحوم والجيف، فيما الضب «القمئ الحقير» لا يقبل إلا بأعشاب الطبيعة الجافة ، فيترك الأعشاب الحية ويأكل الميتة احتراماً للحياة واعتباراً بأن الموت ينتقل إلى حيواته هو بالذات فتمسي حياة جديدة ، والنسر يمرض بسهولة ويسقط من عل، فيما الضب يستعصم بالكمون والصبر والتأمل فيكون موته البعيد مساراً بعيداً بعيداً لحياة متجددة، فمن الأفضل إذنْ ، الضب أم النسر ؟!.