لكل مكان في العالم خصائصه وأسراره، ولكل طبيعة نواميسها وأبعادها اللصيقة بالفرادة، حتى إن الصحراء الواسعة الشاسعة تتميز بتلاوين وتغايرات لا عدّ لها ولا حصر ، ويعرف رحالة الصحراء طبيعة تلك الدروب الطويلة وخصائصها وأنواع الحيوانات التي تعيش فيها، ومتى تكون أنيسة رفيقة، ومتى تتحوّل إلى تنين شرس يصل في عنفه إلى حد ابتلاع من يمشي على دربه، فالمعروف أن دوامات الرمال الصحراوية تتحول أحياناً إلى حفر عميقة تميد بمن يمشي عليها وتلتفّ حوله وتغرقه في لجة الرمال الساخنة !، والحال بالنسبة للبحار التي تتمايل مداً وجزراً، وتنذر من يركبها بكل الاحتمالات، الأمر الذي حدا بالشاعر الصحراوي الذي يجهل عوالم البحار إلى القول : لا أركب البحر أخشى علي منه المعاطب طين أنا وهو ماء والطين في الماء ذائب ولكل بحر خصائصه أيضاً، فالمعروف أن القاسم المشترك الأعلى لمياه البحار تتمثل في الملوحة، غير أن البحار اليمني العتيد «كشّار» كان يتعرّف على موقعه وسط اليم من خلال تذوقه لماء البحر !! ، وإذا ما تذوّق ماء البحر قرر فوراً أنه على بعد معين من هدف محدد، فماء البحر إذن ليس بذات الملوحة، وأماكنه ليست متشابهة، وفي اليمن العديد من البحارات ذات الطبائع المختلفة من حيث المد والجزر والرائحة والعمق والبرودة والسخونة، وأيضاً من حيث البيئة والمراعي المائية التي تقتات منها الأسماك، ويمكنك أن تشاهد نوعاً واحداً من الأسماك بمذاقات وأحجام مختلفة في بحر بعينه، كما يمكن ملاحظة تنوّع بيئات الجزر البحرية حتى إنه لا جزيرة تشبه الأُخرى بصفة تامة عامة وشاملة، والطريف في أمر الجزر البحرية اليمنية غير المأهولة أنها تنفرد بنوع واحد من الكائنات الحية، فهنالك جزر تسكنها الثعابين، وأُخرى تسكنها النوارس، وثالثة تعيش فيها القوارض البرية كالفئران، غير أن الجزر التي يعيش فيها البشر لا تتميز بمثل تلك الفرادة فالكائنات الحية التي تعيش فيها متنوعة . يعتقد البعض أن انفراد بعض الحيوانات والطيور ببعض الجزر البحرية سببه أن تلك الحيوانات أو الطيور تقضي على الكائنات الأخرى، لكن متوالية الانتخاب الطبيعي والافتراس تستمر حتى وإن انفردت الثعابين أو الفئران بجزيرة واحدة، فالطيور الجارحة قادرة على الوصول إلى فرائسها أينما كانت، والقوارض المنتشرة في بعض الجزر قادرة على تأمين رزقها ولو عبر الاصطياد من البحر كما تفعل بعض فئران الجزر !!. لكل مكان نواميسه وطبيعته الخاصة كما أسلفنا، ولعل عالم الأحياء النباتية خير دليل على ما نذهب إليه، ففي اليمن حيث ينتشر نبات «القات» المزعج والذي تحول لتوه إلى أفيون حقيقي، سنجد أن عدد أنواع هذا النبات الملعون يتناسب مع عدد القرى اليمنية التي تزرع القات !! ، ويسحب الحال نفسه على الكثير من الخضروات والفواكه الموصولة بنوع التربة والمياه في هذا الإقليم أو ذاك. تلك بعض من أسرار المكان وعبقريته، والحديث موصول بوقفة أخرى على أحوال جزيرة «سقطرة» العجيبة الغريبة.