"بقلم : الشيخ أبو إبراهيم محمد بن صالح بابحر- خطيب جامع سميح بحي السّحيل - سيئون" في المقال السابق تكلمنا عن أحد الأسباب الرئيسة لهذا الزلزال المدمر , والبركان المنفجر حمماً وناراً , يصطلي بها كل خارج عن سنن الله , معاند لشرعة , وفي هذا المقال الثاني سأتابع الحديث عن أسباب هلاك الدول والملوك ودمار الشعوب والأمم , من الناحيتين : الشرعية , والسنن الإلهية . فمن أسباب ذلك , وأسباب نهاية كل طاغية جبار عنيد : 2- تغيير شرع الله : عن ابن عمر رضي الله عنه قال :" كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :( كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس – وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهن – : ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم , وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا , وما بخس قوم المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان , ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سُلّط عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم , وما عطّلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم ). [ قال الألباني: "صحيح الترغيب والترهيب" (2 / 256) 2187( صحيح لغيره )] وقد حكى الله عن اليهود والنصارى أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، لما أطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال، قال الله تعالى: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ومن المؤسف أن يقتدي بهم الكثير من بني جلدتنا , وممن يتكلمون بألسنتنا , بل ويحكمون دولنا , في تنحية شرع الله وتبديله , واستيراد القوانين والدساتير البشرية الظالمة . وأضرب مثالاً بتونس الأمس , التي عانت من حكم زنادقة العلمانية ودهاقنة العرب , الرئيس الهالك : الحبيب بو رقيبة , والرئيس المخلوع : ابن علي . فمما فعله الأول : نادى " بورقيبة " بتخليص المرأة من قيود الدين و جعلها رسولاً لمبادئه العلمانية . وفي حديث " للحبيب بو رقيبة " بأهرام 20 / 12 / 1975م صرح الرئيس التونسي بأنه أصدر في سنة 1956 م قانوناً بمنع تعدد الزوجات يعتبر التعدد جنحة يعاقب مرتكبها بالسجن لمدة سنة و غرامة مالية " 240 " ديناراً . وأما الثاني : ففي عهدِه البائد الذي أمضى في الحكم أكثرَ من عشرين سنةً فعل فيه الأفاعيل , و قد أراح الله المسلمين من شره . ويصعبُ تتبعُ سوءاتِ النظامِ التونسي , غير أنَّي أشيرُ إلى معالمِ من جريمةِ " تجفيف المنابع وطمس الهوية " في تونس المسلمة على النحو التالي: 1. الاستهزاء الصريح بدين الله وأحكام الإسلام وشرائعه وأركانه. 2. التحاكم إلى قانون كفري باطل حتى في الأحوال الشخصية التي لم تتجرأ على مساسها كثير من الأنظمة . [انظر : عودة الحجاب – د/ محمد المقدم (1 / 199)]. 3- محاربة دين الإسلام والتدين به : واتهامه بالباطل , ونبزه بالإرهاب والعنف والوحشية وغير ذلك , وهذه أول بدايات الغرقى والهالكين . وقد أخذت هذه الحرب أشكالاً مختلفة وأساليب متنوعة . فتارة تكون بمحاربة شعائره .. وتارة بتجفيف منابعه .. وتارة بالتنفير عنه والصد عن سبيله ففي تونس : قامت الحكومة السابقة بالإجراءت التالية . - محاربة الحشمة والعفاف والحجاب والتضييق على النساء المحجبات. - اعتبار الصلاة في المسجد جريمة يعاقب عليها القانون خاصة مع الشبان. وعدم السماح بها في غير المسجد المعتاد إلا عبر التصاريح الرسمية . - منح التصاريح للسحرة والكهان والمشعوذين . - سن قانون " تنظيم مهنة الدعارة "؛ وافتتاح بيت دعارة وخنا بجانب دار الإفتاء وجامع الزيتونة! - الدعاية للسياحة بتونس على أنها بلد الجنس والدعارة والخمور وتوزيع أدلَّة إرشادية جنسية للسياح. - الاعتداء الآثم على الدعاة ونسائهم وأموالهم بما تشيب له النواصي. - رعاية الفجور والزندقة رسمياً مثل تمكين الملاحدة من المناصب العليا ومنح الرئيس – المخلوع – جائزة الدولة ووسام الثقافة لفيلم تونسي يعرض نساءً عاريات تماماً !. و في مقال شيخ الأزهر ذكر : أن أحد التونسيين ضُبط متلبساً بجريمة الزواج الثاني و لم يخل سبيله إلا بعد أن قرر أن هذه الثانية خليلة و ليست زوجة. وفي سوريا : طرح " حافظ الأسد الهالك " فكرة تعديل قانون الأحوال الشخصية وفكرة التجنيد الإجباري للمرأة كما مزّق الحجاب في شوارع دمشق ومنع المحجبات من دخول المدارس بحجابهن . وفي الجزائر : سرق " أحمد بن بيلا " الثورة الإسلامية وحولها إلى ثورة اشتراكية بعيدة عن الإسلام مناوئة له و دعا المرأة الجزائرية إلى خلع الحجاب بحجة عجيبة حين قال : إن المرأة الجزائرية قد امتنعت عن خلع الحجاب في الماضي لأن فرنسا هي التي كانت تدعوها إلى ذلك ! أما اليوم فإني أطالب المرأة الجزائرية بخلع الحجاب من أجل الجزائر . وفي الصومال : في عهد الرئيس – المخلوع المطاح به – " محمد سياد بري ": شددت الحكومة حملتها ضد الإسلام في الصومال وقد طردت كل طالبة ترتدي الزي الإسلامي من المدارس كما ألغت تفسير القرآن الكريم من المناهج و تقوم بطرد الطلاب الذين يقبض عليهم وهم يؤدون الصلاة أو يقرؤون القرآن الكريم من المدارس . [انظر:" المسلم بين الهوية الإسلامية والهوية الجاهلية "(110) علي الشحود , و"عودة الحجاب" (1 / 200)]. والأمثلة في ذلك تطول , ولكل نظام في ذلك أسلوبه الخاص وطريقته المنقولة أو المبتكرة . فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام في دياره !! وعقوق الكثير من أبناءه . 4- محاربة الصالحين و المصلحين في الأمة : عَنْ أَبِي هُريرة – رضي الله عنه – قالَ : قَالَ رَسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – :( إنَّ الله تَعالَى قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً ، فَقَدْ آذنتُهُ بالحربِ ..) .[رواهُ البخاريُّ ]. قال الحسن البصري : ابنَ آدم هل لك بمحاربة الله من طاقةٍ ؟. وكانت بنو إسرائيل من أشد الناس على صالحيهم وأنبيائهم . قال الله تعالى فيهم:{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}. عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: كانت بنو إسرائيل تقتل في اليوم ثلاثمائة نبيّ، ثم يقوم سُوق بَقْلهم في آخر النهار. ولن ينس الزمان , ولن يغفل التاريخ , حقبة الحرب السافرة على الصالحين والمصلحين في سجون مصر , في " الحربي " و " أبو زعبل " وليمان طره " وغيرها , [ انظر : " أيام من حياتي " لزينب الغزالي , و" قال الناس ولم أقل في حكم عبد النصر " عمر التلمساني , وغيرها] . ويقف هنا سجن " أبو سليم " شاهد حي عما أقترفه نظام العقيد البائد , ومعتقلات الأنظمة الإشتراكية الحمراء منها والصفراء السابقة . وهكذا حرق العلماء وإبادتهم في الصومال والحبشة , ومطاردة المصلحين في أكثر الدول الإسلامية – إلا ما حفظ ربك – . [ انظر: "مجلة البيان"(59 / 60)]. وهكذا الأنظمة إذا أوشكت على الموت قاومته بالإرهاب والتعذيب والتظاهر بالحياة والقوة ، كما هو الحال اليوم في النظام البعثي السوري . وهكذا يقاوم الحكم المشرف على الموت بالإرهاب خارجياً إذا عدم المخالف في الداخل وسكت الجميع توقّياً لغضب شيخوخته ورعونة قراراته التي تميته أخيراً . يتبع في الحلقة الثالثة – إن شاء الله -.