تبدو المنطقة العربية اليوم ساحةً خصبة للحروب الطائفية المرتدية لباس الدين تارةً ولباس السياسة تارةً أخرى , فالثورة السلمية التي انطلقت في سوريا ضد نظام بشار الأسد قبل عامين أو يزيد بين ليلة وضحاها تحولت إلى حربٍ بين السنة والشيعة , كما تزعم وتروِّج بعض وسائل الإعلام العربية و الخليجية , حيث كانت دول الخليج تقف مواقف مشبوهة مع أو ضد الثورات في كل من مصر وتونس واليمن وليبيا , نراها تقف ضد نظام بشار الأسد الذي تدعمه إيران وحزب الله الشيعيين من ناحية وروسيا من ناحية ثانية , ثم تتورّط في دعم الجماعات الإسلامية هناك بطريقةٍ أو بأخرى.. وعندما امتد أمد الحرب ولم تُحسم لصالح أحد الطرفين , وطال الدمار البنية التحتية وأهلك الحرث والنسل , وعندما أصبح للجماعات الإسلامية مخالب , باتت دول الخليج تخشى امتداد هذا الجماعات إليها , وكيف ستتعامل مع من سيعود من أبنائها ؟ وكيف ستسير الأمور إذا تولّت الجماعات الجهادية الحكم بعد سقوط النظام؟ …وبما أن النظام لم يسقط فهناك احتمال أن يبقى ما سيجعل موقفها محرجاً مع دعمها للجماعات المقاتلة على الساحة , وفي حالة سقوط النظام فلن تسمح للجماعات الإسلامية بأن تمسك زمام الأمور في سوريا , فما هو الحل إذن؟؟!! فجأة وبدون سابق إنذار يظهر أمامنا تنظيم داعش , الذي يدعي بأنه من المقاتلين ضد النظام وأنه تنظيم إسلامي , وفجأةً أيضا يشتبك مع الجماعات الإسلامية…. ما يعني أن داعش هو أفضل حلّ لخروج بعض الدول الخليجية من المأزق الذي وضعت نفسها فيه , ما يجعلنا نعتقد بأن داعش هو تنظيم مخابراتي بصناعة خليجية أو على أقل تقدير مساعدة خليجية , فهو يعمل بذات الطريقة التي تتعامل بها الجماعات الإسلامية , وبذلك سيعرف كيف سيتعامل مع الجماعات الإسلامية المقاتلة على الساحة وسيكتشف خفاياها, وبذلك ستنشغل الجماعات بقتالٍ جانبيّ يُنهك قواها , وربما يفنيها و يبعدها عن الهدف الرئيسي وهو النظام السوري .. وبذلك أيضا إذا بقي النظام ستحفظ دول الخليج ماء وجهها أمام النظام , ستكون الجماعات الإسلامية مُنهكةَ القوى أو أُبيدت , بهذه الطريقة ستتخلّص دول الخليج من مخاوفها , فالسرية التي تكتنف منشأ وأهداف هذا التنظيم تُبعد التهمة عن طرف بعينه , وتجعل الحرب مفتوحةً على أكثر من احتمال.. لم أشأ فتح هذا الملف ولكن ما أراه في اليمن اليوم من توتر في صعدة ودماج والحرب بين السلفيين "سنة" والحوثيين "شيعة" ذهب ضحيتها شباب ورجال من خيرة أهل اليمن , هذا إلى جانب تهجير المئات من مناطقهم , يجعلني أجزم أن التوتر الإقليمي في المنطقة مازال يلقي بظلاله على بلادنا التي تهزّها الأزمات الواحدة تلو الأخرى بأيدٍ داخلية وتخطيطٍ خارجي قبل ومنذ سقوط علي صالح , ما يزيد من حِدّة التوترات الأمنية والسياسية داخل البلاد وتحولها إلى بؤرة توتر , أتمنى أن يتمكّن صناع القرار في اليمن من وضع حدٍّ لجميع الانتهاكات التي يتعرّض لها بلدنا من الداخل ومن الخارج , وأن يتخذوا قراراتٍ حازمة تبسط الأمن والأمان وتدحر الأيدي العابثة التي تعمل لصالح أجنداتٍ خارجية وداخلية مشبوهة… وأتمنى أيضاً أن يكفّ العرب من التترسّ خلف دعاوى دينية للحصول على مكاسب سياسية أو اقتصادية أو جماهيرية , تجرُّ إلى سفك الدماء وبث الحقد والفرقة بين أبناء الوطن الواحد فالدين للجميع والله واحد .