الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أوجه رسالتي إليك. وأبث لوعتي بفراقك. إني أعلم انك لم تعد بدنيانا لتقراها. لكن حسبي ان أحيط قارئها علماً بجوانب يسيره عن شخصكم الكريم, فأعذرني لذلك. أخي أبو محمد أيها العزيز أخي عدنان بن محمد بن أحمد عكيش . أسأل الله لك الفردوس الأعلى. فقد اصطفاك الله علينا واتخذك شهيداً ليس تألياً على الله أو رجماً بالغيب ولكنها الثقة في الله عز وجل والإيمان أن ما وعد ربُنا في كتابه العزيز وفي سنة نبيه حقاً لا ريب فيه. وكذلك معرفتنا الوثيقة بك أيها الأخ المبارك وبأعمالك العظيمة التي أختتمتها بتقديم نفسك لله والكلمات التي كانت آخر ما نطق به لسانك بقولك لمن حولك " يا أخوة إنها الشهادة في سبيل الله الحمد لله الذي جعلني شهيد مكافحة المخدرات . أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله." ثم تكرارك للشهادتين حتى فاضت روحك إلى بارئها. فهنيئاً لك أخي الحبيب. عرفتك دائماً مبتسماً . في أحلك الظروف مبتسماً . في مواجهة الأخطار مبتسماً. بعد كل ظفر ونجاح مبتسماً. بعد كل أخفاق وفشل مبتسماً. لعلها ابتسامة رضى بقضاء الله وقدره. عرفتك صادحاً بالحق لا تخشى في قوله لومة لائم. عرفتك بكثرة صيام النوافل في أيام الإثنين والخميس والأيام البيض. عرفتك بالحرص على الصلاة في جماعة . عرفتك بالصدق والأمانة وعفة اليد واللسان مواقفك عظيمة وتأريخك في مكافحة المخدرات مشرف وشجاعتك باهرة . فماذا أقول ومن أي زاوية أبدأ ؟. هل أبدأ من ذلك المساء ؟عندما كنت وإياك مع بعض الأفراد في شرق ساحل حضرموت قبل خمس سنوات حين أوقفنا أحد المشتبهين بتهريب المخدرات ومرافقيه وكنت أنا المتحدث معه وأنت بجانبي وهو واقف بجانب سيارته الشاص ففتح باب سيارته موهماً أنه سيسمح لنا بتفتيشها ففاجأنا بأن أخرج بندقية بسرعة فائقة ووجهها نحوي فما كان منك إلا أن قفزت بيني وبين ذلك الشخص في فدائية فائقة ؟. هل أحكي عن ذلك اليوم من شهر يونيو؟ قبل سنتين عندما دعت الحاجة إلى ان نستعين بصيادين للانتقال بقاربهم الصغير إلى عرض البحر إلى مسافة تتجاوز العشرة ميل بحري لمطاردة عبري محمل بثلاثة طن من الحشيش وسط بحر هائج يزبد ويرغي فانطلقت بالقارب ومعك خمسة من الأفراد الساعة الخامسة والنصف بعد العصر مسلحين بالإيمان وخمسة بنادق آلية لتغيب مع مرافقيك عن أنظارنا وسط الأمواج الهائلة ونحن في حالة من الترقب والقلق .لتتصل بعد ساعتين أن الأمور على مايرام وأنه تم ضبط العبري وسبعة من المجرمين وكمية المخدرات . فيا لها من مهمة . والأغرب أنك أقدمت على هذه المهمة هذا الإقدام المنقطع النظير ثم نعلم بعد ذلك أنك لا تجيد السباحة ؟. أم هل أحكي ما حدث ذلك المساء ؟ عندما خرجت مع قليل من الأفراد لضبط أحد المروجين المشهورين وهو يبيع كيلو من الحشيش فجاء على متن سيارة مع إثنين من المرافقين لغرض تسليم الكيلو للمشتري فلما أحس بكمينكم حاول الهرب ونزع أحد مرافقيه مسدسه "الكلك " وأطلق الرصاص عليكم بينما انطلقت سيارتهم هاربة فما شعر أولئك الثلاثة إلا بالأسد عدنان يقفز داخل السيارة الكرولا من خلال النافذة ويتعارك مع مطلق الرصاص بينما النصف السفلي من جسمه خارج السيارة المنطلقة فيصاب سائق السيارة بالفزع فيفقد السيطرة عليها ويقفز بها على رصيف المشاة في شارع الستين بفوة.؟ إن القصص في هذا الباب كثيرة وبطولاتك ليست نادرة بل متكاثرة . أما في باب وقوفكم مع المظلوم فحدث ولا حرج فيشهد بذلك الكثير من أبناء المحافظة فمبجرد أن تعلم أن ظلماً قد يقع على هذا أو ذاك فنجدك مشمراً ومبادراً في نصرة المظلوم متحملا عناء ذلك ولو اقتضى ذلك السفر هنا أو هناك وليس لك قصد إلا رضى الله . فأسأل الله أن تكون في موازين حسناتك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وعزاءنا في فقدك أنك نلت الشهادة وهي حلم كل موحد . ومن ما أثار غبطتنا الحضور الكبير في الصلاة على جنازتك وحضور دفنها فأنا أعيش في المكلا منذ أربعين سنة لم تشاهد عيناي جمع في جنازة مثل ما رأيت في جنازتك يا أخانا وهذه من علامات القبول ورضى الرحمن. حدثني أحد الأخوة عقب الجنازة قائلاً " رأيت في هذا الجنازة ما لم أره في غيرها فالمألوف في كل الجنائز أن يتلقى أقارب الميت العزاء حيث يتراص الأقارب في طابور ويتلقون مصافحات المعزين, لكن في جنازة الأخ عدنان رأيت الجميع يعزون بعضهم البعض في مشهد لم أرى له مثيل" وأختتم كلماتي إليك بقوله تعالى { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون }. {تتنزل عليهم الملائكة } قال المفسرون : يعني عند الموت. {ألا تخافوا} يعني من ما هو آت فإنها جنة عرضها السماوات والأرض. {ولا تحزنوا} يعني على ما تركتم خلفكم من زوجة وولد فإن الله حافظهم وكافلهم. ولعل هذا هو سر الابتسامة التي فارقتنا بها ودفناها معك. فاسأل الله بمنه وكرمه أن تكون كما وعد الله تعالى في قوله {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}. أما أنتم يا من تورطتم في تهريب المخدرات وترويجها وغششتم أبناءنا في طول الوطن وعرضه وأفسدتموهم واوردتموهم المهالك . والله إن توبتكم وأوبتكم أحب إلينا من النيل منكم . لكن إن اصررتم على غيكم وتماديتم في جرائمكم فليس أمامنا خيار إلا السعي وراءكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم وهو خير الحاكمين. ولمن تورط في سفك دماء أخينا رحمه الله أقول لا تفرحوا بفراركم فالدماء الزكية ليست رخيصة ولا يضيع حق وراءه مطالب. ولا تغتروا بضعف الضعفاء وخور الجبناء الذين أتاحوا لكم فرصة الفرار فإن هذا الوضع لن يستمر وسيحاسب كل مشارك او متواطئ في جريمة تهريب المجرمين والايام بيننا . لكنني أعود وأهمس "لا زال باب التوبة مفتوح فاغتنموا ذلك قبل فوات الأوان وأذعنوا للحق ولا تكابروا " أسأل الله العظيم أن يرد أبناء المسلمين إليه رداً جميلا وأن يجنبهم الزيغ والضلال وسوء الأحوال وأن يكفيهم بحلاله عن حرامه ويغنيهم بفضله عن ما سواه .