بعيداً عن التصنيفاتِ والتجاذباتِ والتأويلات السياسيّة، وبعيداً عن الرأي ووجهة النظر الخاصّة، فقد سَرَت في نفسي وأنا أنظرُ إلى تأديةِ رئيس الوزراء وأعضاء حكومته اليمين الدستورية اليوم، سرت إشراقةُ أملٍ لم أستطع أن أبقيها حبيسةَ وجداني بل انطلقت لتغمرني كأنما هي قطراتٌ باردات سُكبت على جسدٍ مُتعبٍ أنهكته حرارة الصراعات وألهبت ظهره سياطُ التطاحنِ والتنازعِ والاقتتال، فجعلته كذاك الظمآن العَطِش المتلهّف ولو إلى قطرةٍ من ماء. قد لا يكونُ ذلك الإحساسُ وليدَ الموافقةِ والانبهار بالتشكيلة الحكومية التي بلا شك أنا ممن يحملون عليها عدداً من الانتقادات والملاحظات، وليس نابعاً من قناعةٍ أنّ الأمورَ ستغدو ورديّةً أمامها فلستُ من الحالمين المُترفين المنفصلين عن الواقعِ المُعاش بكّل سوداويته وتعقيداته. ولكن لعلّ مكمن تلك الاشراقةِ وذاك الثُقب الصغير الذي تسرّب منه إلى نفسي شيءٌ من أمل، أنّني سمعتُ أخيراً في غَمرةِ ما نحنُ فيه خطاباً قادماً إلينا من الغدِ والمستقبل، وليس خطاباً متمترساً حول الماضي وتراكمات الماضي وثارات الماضي وأحزانه وآلامه، لقد كان المتحدّث والمتسيّدُ للمشهد اليوم نظراتُ التوثّبِ والأمل وطاقةُ الانطلاقةِ والجديّة وابتسامة الثقةِ والإرادةِ والتصميم وروحُ الشبابِ وعزيمته، كلّ تلك العناوين شكّلت بمجموعها منظومةً أَحْيَت مواتاً في قلوبٍ طحنها اليأسُ وعشعشَ فيها القنوطُ من فرطِ ما عانت وقاست ولا تزال في يوميّات وتفاصيلِ حياتها. ولعله ثقبٌ آخر أسهمَ في تسلّلِ نشوةِ الأمل التي اعترتني برغم تفاؤلي الدائم اصلاً، أنّ هذا الوطن لم يعد فيه متّسعٌ لمزيدٍ من جراحٍ وآلامٍ وآهات، لقد أصبح حال هذا الوطن الممزّق اليوم كجسدِ خالد ابن الوليد رضي الله عنه فما فيه من موضعٍ إلاّ وفيه طعنةُ رمحٍ أو ضربةُ سيفٍ أو رميةُ سهم، أو لعلّه أكثرُ شَبَهاً بحال الغريقِ الهالِك الذي يتعلّقُ ولو بقشّه ويعلّقُ عليها كلَّ آمالِهِ في النجاةِ والخلاص وهو يعلمُ أنّها قشّة، وهي حال الفقير والمسكين والمعدمِ من أبناءِ هذا الشعب، هي حال الأطفال الذين تحوّلت ألعابهم إلى قطعٍ من سلاح وأصبحت لعلعةُ الرصاصِ ولغةُ الدّمِ والدخان والموت مناهجهم اليوميّة التي عليها يكبرون، هي حالِ آلافٍ من الشباب والشابّات الذين اصبح هجرُ هذا الوطن على رأس قائمةِ أحلامهم، هي حال كلّ أبٍ وأمٍّ تغزو عيناه الحِيرةُ والقلقُ كلّ يومٍ بل وكلّ ساعة على مستقبلِ أولادهم بل ولربما على قوتِ يومهم وأمنهم، هي حال هذا الوطن بكلّ ما أوتيَ من خيراتٍ وثرواتٍ تمشي على سطحه ويزخرُ بها باطنُه، فإذا به يغدو شظايا من وطن واشلاءَ من موطنٍ عزيزٍ لم يُكْرم أبناؤه ذِلّته. لذا وفي ظلّ هذا الوضعِ المتهالكِ المُنذرِ بمزيدٍ من التعقيداتِ لا أظنّ عاقلاً يعتقدُ أنّ خطاب اليأسِ والقنوط ومواقف الإحباطِ والتّخذيل هي مما سيسهمُ في تغييرِ حالنا وواقعنا نحو الأفضل، فاليأسُ لا يبني ولا يُعمّر ولا يُنقذ ولا يُخلّص ولا يُسهم على الإطلاق في تحويلِ الحالِ إلى أفضل منه، دلّت على ذلك الآياتُ الكريمة والأحاديث الشريفة والتجاربُ وقصص التاريخ. فلنُعطِ لهذا الأمل فرصةً علّه يكونُ سبيلاً للخلاص وخطوةً نحو أُفُقٍ جديد، ولعلّه يكون فرصةً للنجاة في وقتِ محدوديّة الخيارات والفرص، فلم يَعُد لدينا اليوم ذلك الكمّ من الخيارات أو الحلول التي يمكن أن نتخيّر من بينها، ولنكن إيجابيين في التعامل مع الحَدَث والتعاطي معه من منطلق المسؤولية ليس فقط الوطنيّة بل والإنسانيّة، بعد أن وصل حال النّاسِ إلى ما وصل إليه، وبالتأكيد لا يعني ذلك بأيّ حالٍ من الأحوال التسليم بما يجري اليوم كما هو دون انتقادٍ أو معارضة بل إنّ ذلك شكلٌ من اشكال التعاطي الإيجابي البنّاء، كما لا يعني التخلّي عن القضايا المصيريّة للشعب التي قد سارَ قطارُها قاطعاً شوطاً كبيراً نحو بلوغِ مُرادِه وما يصبو إليه. فلنتسلّح بالأمل .. ولنأمل في بصيصِ الأمل الذي بزغَ اليوم .. عسى أن تنجلي عنّا وعن بلادنا الكُربة ويزول عنها كلّ بأسٍ وضيق. ولعلّه من محاسن القدر أن يكون اليوم قد مرّ على قصيدتي (قلتُ إنّ الفجرَ آت) عامٌ بالتمامِ والكمال، لذا استميحك عرضها مرةً أخرى في ذكراها السنويّة الأولى: قُلتُ إنّ الفجرَ آت .. عادل محمد باحميد 8/11/2013م قالوا بأنّ الليلَ طالْ .. قالوا بأنّ الفجرَ أضحى .. ذِكرياتٍ من خَيالْ .. قالوا بأنّ النورَ والإشراقَ .. أوهامٌ وأحلامٌ ثِقالْ .. قالوا بأنّ الشمسَ .. (بيتَ النورِ) .. قد حُجِبَتْ .. وأنّ البدرَ قد شدّ الرِّحالْ .. فدعوا الحديثَ عن التفاؤلِ .. إنّهُ أمرٌ مُحالْ .. لا تَخِيْطُوا من خَيَالاتِ السماءِ قميصَكم .. لا تبعثوا الآمالَ فينا .. وادفِنوها في الرمالْ .. …………………….. مَهلَكُم يا قومُ مَهلاً .. حَسبُكم هذا المَقَالْ .. لا تزيدوا همّنا هماً .. ولا ترموا بواقِيَ حُلْمِنا .. بالسّهمِ مَسْمُومِ النِّصَالْ .. لا تَسرِقُوا مِنّا فُتاتَ الأمنياتِ .. فقدْ هَرِمْنَا .. هَدّنا اليأسُ العُضَالْ .. فارحلُوا عنّا جميعاً .. لا نُبالي إن رحلتمْ .. واتركونا نَعْمُرُ الأرواحَ .. نبني صَرحَها أملاً .. نُتْبِعُ الأملَ السَّواعدَ .. كَي تُحيلَ الليلَ نُوراً .. يَملؤُ الآفاقَ من عَزمِ الرّجالْ .. إرحلُوا عنّا .. فما بَقِيَتْ لنا غيرُ الأمانِيْ الخُضْرِ .. كي نَحيَا بها .. وبخيطِها الشفّافِ علّقنا أمانِيْنا الطِوالْ .. لا يستحقُّ العيشَ من يحيا بليلٍ .. من ظلامِ اليأسِ ليسَ لهُ زوالْ .. …………………….. قالوا بأنّ الليلَ طالْ ؟؟!! قلتُ إنّ الفجرَ آتٍ .. لا مَحَالْ ..