للتاريخ وقائع مدونة وثابتة كالنقش على الحجر، تتداولها الأجيال جيل بعد جيل وهي الأصل ، أما عبر قنوات الروايات المتداولة ينتابها التحريف والتكييف مما يعرضها للزيادة والنقصان وبالتالي فهي بمثابة النقش على المدر . بسبب الهديان التائه تغيرت أمامي معالم الحياة ، ولم يستقر بي الزمان لتغيير ملامحه واتجاهه صوب متغيرات أضاعت الجميل من تاريخنا بعد أن فقدنا هويتنا ، وتاهت بنا معالم الزمن التي تبعث بين جوانحنا العفة ، بل وتبددت معالم الحياء وتاهت معالم السير في الطريق ، وفاحت فكرة الضياع وانتشرت ، وترسخت معالم لغة المصالح في عقول المتمسكين بكراسي الحكم على حساب شعب أكلّ عليه الزمن تباعا دون شفقة ولارحمة ، وانبسط البساط الأحمر على جثث وأجساد مكلومة تنوعت أعمارها واختلفت مشاربها ، وتعددت ألوانها . كتب علينا مكابدة عناء البحث في متاهات الزمن كما يبدو ، واستخدام أعتى العدسات المكبرة أو الميكروسكوبات التي صنعت بأيادي أهل الجرم لتبحث عن تلك الجراثيم التي تفشت في عقول قادة وشعوب على حد سواء ، مع إن الجميع على علم اليقين بمدى قدرة تلك الجراثيم على الفتك بأعلى العقول وإبادة أقوى الشعوب وإن كانت تدار بمقومات ومختبرات ومخططات خارجية ، ميكروبات مصنعة على قياس الشارع العربي والإسلامي نتيجة لعدم قدرته على قراءة المستقبل بشكله ومنهجه الصحيح وتمتعه بالبساطة العاطفية وأيضا البعد المراد قصرا عن الدهاء المكري ، أو ربما نتيجة لعدم الخبرة التي جعلت من المشاعر الإسلامية والتناقضات المذهبية الأداة الأكثر تدميرا لمقومات الشعوب . إن ماتعرضنا له نسبة لتطور الطقس العربي والمتغير الأهداف ، ولكن في الحقيقة دعوني أعود إلى قضيتنا الجنوبية ، فيما كان يسمى :- ( ج . ي . د . ش . ) وهي من بين الأهداف في كل مايحدث بها من متغيرات على الواقع لتتيه بوصلة الصراع وتتحول معالم النضال وتستأنس الشعوب أساليب الطاعة العمياء الجديدة تحت عباءة مشايخ هذا الزمن والذين ينفذون أجندات السياسات الإمريكية بصورتها الشرقية وعباءتها الإسلامية وخطابها الديني ، ولكن وجب علينا أولا أن نتأكد نحن ونؤكد من جانبنا إنه يجب على العالم أن يعلم جيدا إن الجنوب العربي وقضيته كالشجرة العملاقة صامدة جذورها في أعماق الأرض متفرقة الأغصان في كافة الاتجاهات لاتزحزحها رياح المواسم ، فمهما تكسرت منها فروع وسقطت ستنموا أيضا فيها آلاف الفروع وستبقى دائمة النمو والارتقاء والعلو في السماء وتزداد جذورها رسوخا في أعماق الأرض لأنها تمثل قضية أرض وشعب وتأريخ وهوية ، فالأفراد زائلون ولكن القضية تلد من رحم المعاناة . ياشباب الثورة السلمية التحررية ، ياشعبنا العظيم ، ليس هكذا تدار الأمور ، فهناك أولويات لاننكرها بل وجب التعامل معها ، إننا نعلم علم اليقين إن لقمة العيش أساسا لاستمرارية البقاء ، وبالمقابل نعلم أيضا إن قضيتنا تم كسر الكثير من أغصانها ، لذا وجب علينا الحفاظ على ماتبقى منها ، فالأرض أولى لنا وعلينا ومواجهة المحتل أولى أيضا ، والعودة إلى تأريخ أمجادنا وعاداتنا وتقاليدنا وسلوكياتنا وقيمنا الحضارية والثورية الحقيقية للوطن وللقضية . أستسمحكم عذرا لو كان بمقالي تناقض الأهداف وغير واضحة المعالم ، فلا أخفي عنكم سرا لأن الأفكار بداخلي حقيقة هي أيضا غير واضحة المعالم ، وتاهت أفكاري مع هذا أو ذاك ، مع هذه السياسة أو تلك ، ولكنها لم تتيه معالم إنتمائي ولن تضيع معالم بوصلتي ، فالجنوب العربي هي شجرتي التي لن تموت مهما تعددت وسائل تدميرها ، وستبقى رأيتها عالية في السماء ، وستروى دائما بدماء شهداء أبنائها ، وسيأتي يوما وترفع عاليا بيد شبل صغير أو امرأة مكلومة بشهادة أبنائها ، وسترفع رأية الوطن واضحة المعالم على كافة أصقاع الوطن ، وستنتشر يوما ما في كافة أصقاع العالم العربي والإسلامي شاء من شاء وأبى من أبى ، وإن غدا لناظره قريب ، وليس ذلك على الله ببعيد .. .. قال تعالى : ( وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) .