كان ياما كان في لحظة من لحظات عصرنا الآن كان هناك جُرَذٌ هاوٍ ينتمي لقطيع بني علمان . ومع الحقيقةَ الثابتة القطعية والتي تقول, أن الجُرْذان أجبن خلقِ الله تعالى, والدليل أنهم لا يخرجون إلا في الظلام. صديقنا الجُرَذ خالف قاعدةَ أسيادِهِ وخرج في ضوء النّهار. يدعوا للمبارزة والمنازلة, يرفع صوته الذي لا يكاد يسمعه من يقف بجانبه. يصيح وينهق وينبح ويخور: إني رأيتُ رؤوسا قد أيْنَعتْ…. و: أنا ابنُ جَلا وطَلّاع الثَّنايا…. تَهافتَتْ عليه رسائلُ الاعجاب التافهَةِ من بني عمومته. رفعوه .. عظّموه .. مجّدوه .. هتفوا به: أنت جُذيلها المحكَّك وعُذيقها المُرَجَّب . ظن المسكين ولسذاجة عقله, أنه حامي حماهم, وحصنهم الحصين, والسد المنيع. زاد في جسمه وزنُ بقرةٍ حلوبٍ من كثرت الاعجاب. رفع رايته, لبس لَأْمَتَهُ, معلنا الحرب. شحن بندقيته, بعد أن حددوا له هدفه, وباركوا العملية. وقالوا له: اشحن عنك فلانا. وعدوه بسياحة في جنة بني الأصفر. إن هو أثخن الجراح. حيث زُرقَ العيونِ, وشقراوات الشعر, في قصور عالية يقال لها ناطحاتُ سَحابٍ. شَبَّ في نفسهِ لهيبُ الاغِراء, ومال حِسَّهُ للنعيم الموعود. وبدأ إعلانَ حربه المقدسة الضروس, من زاويةٍ في سطحِ بيتٍ هرمٍ قديمٍ من مخلَّفات القعيطية, أرسلها هوجاءَ لا تُبقي ولا تَذَر. مرّتْ على كل معاقل أعدائه المنيعة, فحطمتها وأحالتها أثرا بعد عين. هكذا ظنَّ المسكين؛ عاقبةَ حربه مع خصومه الاسلاميين. وبعد أن أنهى تُرَّهاتهِ, وأدى عن أسياده الدور المطلوب. عاد لجحره القديم البالي, وبدأ عملية شحن الذهن لحرب جديدة. أَشْفقتُ عليه كثيرا, وحَزنتُ أكثر, لحشرِ نفسه في قُمْقُمِ المؤامرة, وَهَوَسِ الملاحقة. وقلت له: اسكن .. فليس في حسابات الإسلامين اسمك. وليست لهم رغبة في الالتفات للوراء .. أفٍّ لقاضٍ لنا وَقاحِ .. أمسى بريئا من الصلاحِ كأنه قبةٌ عليها .. غُرابُ نَوحٍ بلا جناحِ وليس في الرأس منه شيء .. يدور إلاّ أبو رياح(1) (1) أبو رياح : تمثال فارس من نحاس بحمص على عمود حديد فوق قبة كبيرة ، يدور مع الريح حيث هبّت ، ويمناه ممدودة مضمومة الأصابع إلاّ السبابة ، فإذا أشكل على أهل حمص مهب الريح عرفوه منه ، لدورانه معه ، ويضرب به المثل للطائش الخفيف ، فيقال : أطيش من أبي رياح ، تشبيها به.