قالها وبأسلوبه الطريف السيد حامد العطاس، بعد أن رأى الجو مشحوناً في نقاشات وردود من قبل الحضور في الندوة الفكرية والسياسية التي نظمتها مؤسسة تنظيم العدالة والبناء ومنظمة التنمية الشاملة بمدينة المكلا الخميس2/فبراير الماضي، تذكرت هذه الجملة الطريفة، فرأيتها بالفعل تناسب حال الحضارم في حضرموت الغنية بتاريخها وأهلها ومواردها وحضورها في المحافل الدولية. وكلمة الصعصعة ليست دارجة كما يعتقد البعض، بل هي فصحى ففي لسان العرب يقول: "الصعصعة الحركة والاضطراب والصعصعة التحريك والزعزعة والصعصعة بمعنى واحد وصعصعت القوم صعصعة وصعصاعا فتصعصعوا فرقتهم فتفرقوا وكل ما فرقته فقد صعصعته والصعصعة التفريق والصعصع المتفرق". ما أكثر التفرق أو الصعصعة في الحضارم، اليوم وبالأمس وربما الغد، وهو ما يؤهلهم وبجدارة إلى إضاعة حضرموت ودفعها دفعاً ليتقاسمها غير أهلها، بحجة الوحدة اليمنية تارة أو بحجة الجنوب العربي تارة أو بحجة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تارة أخرى أو بأي حجج أخرى، لأنهم باختصار مصعصعين وعلى قول المثل الشعبي "كل دجاجة على مرعاض"، قد يكون هذا حال كثير من الشعوب حينما تسري بينها الغيبة والنميمة، فكل ينكّت على الآخر، ويحقد بعضهم على بعض، لكن هذه ليست شماعة لإقرار الوضع الحاصل لحضرموت التاريخ والإنسان، ولن أتحدث هنا عن الصفات الجميلة، فقد تحدث الناس فيها وأطنبوا وأجادوا وتفننوا، ولكن حديثي من باب التذكير بقضايا مهمة في سبيل نشر الوعي بمآلات القضايا التي نرفعها، ونسمع رنينها كل يوم من هذا الكاتب أو ذاك ومن القائد الفلاني والزعيم العلاني.. المشاريع الضخمة تحتاج لرجال يضحون بالغالي والنفيس لأجل تحقيقها، تتظافر جهودهم، وتتكامل خطواتهم، وقد تتعدد طرقهم واتجاهاتهم لكنهم في الأخير يلتقون في محطة وصول واحدة.. حينما يكون لديك مقومات النهوض ومسببات الثورة، فمن العيب والخور والجبن أن تتأخر في إطلاقها، وعندما يكون لديك خزائن من الأموال، ومصادر النفوذ الإقليمية، من المستهجن جداً أن يتقاعس ملاكها في الدفع بقضيتك إلى الأمام، وتدعيمها والضغط على كل زر يمكن من خلاله فتح الأبواب الموصدة، لتمر من خلالها جحافل الرجال للنهضة والبناء، وإحداث نقلة حقيقية لواقع محطم ومهدم .. بدهي أن يختلف الحضارم إلى اتجاهات عدة؛ فكرية واجتماعية ومناطقية وسلالية..لكن من غير المقبول أن يتحول ذلك الاختلاف إلى تصادم وتقاطع وتهادم، ومن ثم يأتي من يأتي ويأكلهم جميعاً، ويصبحون رهائن فكره وأيديولوجيته التي لا تنتمي لعدل أو نظام أو قانون، ولكن للأهواء والاستكبار والغطرسة، وإن تزي بزي الدين، أو بزي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية المزعومة..فالواقع لا يكذب ولم يكذب يوماً ما دام في الرؤوس عقول تفكر وعيون تنظر. الحضارم بحاجة لتطبيق شعار الألفة فيما بينهم، فالتأليف بين القلوب أعون لهم على سياسة أمورهم واجتماع كلمتهم، وأرجى لاجتناء النفع بينهم، إذ يكونون على قلب رجل واحد، وقد كان العرب يفضلون الجيش المؤلف من قبيلة واحدة، لأن ذلك أبعد عن حصول التنازع بينهم.وينزع من قلوبهم الأحقاد والضغائن،التي تفرق بين الناس ولا تجمعهم وبدون ذلك فلا غرابة أن تكون حضرموت بقرة حلوب يتضور أهلها جوعاً وغيرهم بطونهم مليئة من خيراتها. التفريق بين الانتماء الحزبي والحب الوطني من أولى مهمات رد الصعصعة هم الحضرميين، فالوطن الحضرمي لكل من يعتقد أنه فخر أن يقال له حضرمي، أما الأحزاب والتجمعات فهذه تتغير وتتبدل وتنتهي ويبقى الوطن وتبقى الأرض، وهي كما قال سلمان الفارسي؛ "الأرض لا تقدس أحداً إنما يقدس المرء عمله"، ولهذا عندما تتفحص مناطق حضرموت واديها وساحلها لا تجد التغيير المأمول بعمر العشرين سنة يفترض في بنيتها التحتية قد اكتملت ومشاريعها العملاقة قد شيدت وتعليمها قد تطور وأصبح منافساً وأصبحت أرضاً خصبة وحاضنة للاستثمارات المتعددة والمتنوعة، يفترض في الحضارم أرباب التجارة في الخليج وشرق آسيا وبقاع شتى في العالم، أن تكون لهم الريادة في البناء والسؤدد في النهضة الحضرمية لكن لم يحصل شيء من ذلك سوى صعصعة وبأيدي الحضارم ابتداءً وانتهاءً. ليت بعض الكُتّاب يكفون عن دق طبول التفرقة والتشرذم والاختلاف وبالتالي الصعصعة، فلن نصل إلى شيء؛ لأنك إن كنت تدعي أنك الحامي الأمين لعرين حضرموت فغيرك أكثر إدعاءً منك، وسينظِّر ويحاضر ويخطب ويرفع عقيرته قائلاً: "أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب" وكل يدعي وصلاً بحضرموت وهي لا تقرُّ له بذاكا!! فمهلاً يا كل صاحب قلم سيال وفكر يحترق ألماً لما وصل الحال بمسقط رأسه إصلاح الوضع أو تعديله والنهوض به لن يكون بمعاول هدم لفظية وجرّافات تحفر في أرض المستقبل الحضرمي لتصبح حفراً وهوات وعقبات تزيد من صعوبة مهمات البناء والتعمير : مهلا بني عمنا مهلا معالينا … لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا لن يتغير حال حضرموت، حتى نتقارب ونتآلف وتتلاقح أفكارنا وتتناقش رؤانا، ويقبل بعضنا ببعض ويشارك بعضنا مع بعض، ولا يعني ذلك إلغاء تميزنا وتوجهنا فكلٌ حرٌ بما يملكه من قناعات وتوجهات، ولكن منطقي جداً أن نستشعر عظم المهمة الملقاة على عواتق كل من لديه إمكانية واستطاعة لخدمة حضرموت، وصولاً لتحقيق الأهداف العظمى، في الحفاظ على أرضها ومافوقها وما تحتها وماءها وبحرها وجوها، حينها سنكون بالفعل جديرين بأن نحمل شرف التسمي بإسمها.