الاستئثار بالقرار وفرضه بالقوة هو منطق فرعوني أشار إليه القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة سنة في مثل قوله تعالى ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) وظل هذا المنطق ساري المفعول حتى يومنا هذا, ومن المؤسف أن يخيم هذا المنطق على العقلية الحراكية, ويبقى هو العنوان الأبرز في حركتهم النضالية. ولهذا لست بمخطئ ولا معتدي إن قلت أن الحراك فصيل إقصائي بامتياز, لا يجيدون سوى الهمز واللمز وسلاطة اللسان, لا يرغبون أن يزاحمهم الساحةَ غيرهم, ويستميتون في إضعاف أي فصيل آخر يخالف مشروعهم, بل ويتسابقون إلى إضعاف بعضهم البعض. أنا لا أستعدي الحراك إطلاقا ولكن الممارسات الرعناء هي من تحشر الحراك في خانة العداء , وهي من تجعل الحراك يسلك الطرف المتطرف. لم يعد خافيا أن الحراك يرى في مشروع حضرموت الخصم اللدود والعدو لمشروعهم, بل يرونه أشد من عدوهم الذي يحاربونه بمليونياتهم واعتصاماتهم, لهذا لا يتورعون أن يلمزوا العصبة الحضرمية مثلا بالمشروع التآمري التفتيتي للقضية الجنوبية, لأنها تتبنى مشروع حضرموت. و أنا لست عضوا في العصبة الحضرمية, ولا أقول هذا تقربا وتزلفا فبابهم مفتوح لكل حضرمي ولا يحتاج قربانا, بل ويشرفني أن أكون أحد أعضائها, فهي مكون حضرمي والصوت الوحيد الذي يتبنى مشروع حضرموت حاليا, على ما فيها من قصور وتعثرات وأخطاء, ولكنها تمتلك مشروعا عظيما وتنافح عنه, وهل يوجد مشروع أرضي مكتمل الوجوه حتى نسلم له ونؤمن به. وحينما أمر على مؤاخذات الحراك للعصبة وما يصفونها به أتعجب أشد العجب, وأقول كما قال القائل: يرى القذاة فِي عين أَخِيه وَلَا يرى الْجذع الْمُعْتَرض فِي عينه, فبالله عليكم إذا كانت العصبة قد تفرقت والله لأنتم أشد تفرقا وتخاصما وتنازعا, ولأن استدعتْ العصبة السلاطين لعمري لقد استدعيتم الشياطين الحمر, ولأن ارتمت هي واحتمت بالعدو كما تدعون, فالليل والنهار يشهدان أين ارتمى قادتكم, مع أني لا أقرر هنا كل ما ذكرتموه في شأن العصبة فلها ربها يدافع عنها, ولكن من باب : من فمك أدينك. ثم لو كانت الأمور تحسب بكثرة التعثرات والأخطاء فلم أر مثالا للحراك؛ إلا المنخل المخرَّق الذي لا يمسك دقائق الأشياء, أليست ثورة الحراك تمتلئ بالأخطاء والتعثرات, ألم تصل خلافاتكم للقاصي والداني؟ ألم تمزقوا صور بعضكم البعض؟ ألم يخوِّن فريق منكم الآخر؟ ألم تتشادوا وتتنازعوا أمام الملأ؟, ألم يدس بامعلم على مشروع بصمة باعوم؟ ماذا بقي ليبقى وجه الحراك جميلا مشرقا. مالكم ترمون غيركم وأنتم جراب كبير من المثالب والعيوب والمآخذ, ألا يسعكم أبدا أن تروا مشروعا آخرا مغايرا لمشروعكم؟ ألازالت تسيطر عليكم عقلية لا صوت يعلو فوق صوت الحزب؟. لماذا تريدون أن تفرضوا خياركم بالقوة؟ ألم يقل الله عز وجل ( لا إكراه في الدين ) هذا في شأن الدين المتفق عليه المنزل من لدن رب العالمين؟ فما بالكم بمشروع يتجاذبه عجزة أوهنوه وأضعفوه؟. إذا كنتم أصحاب قضية وعادلة فلم تمارسون الظلم والاعتداء على الآراء الأخرى, من سنّ لكم أن مرحلة النضال الثوري ينبغي أن لا تعرف رأيا آخر ولا حرية ولا تعدد؟. فإذا كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تلك الدولة التي تسعون لاستعادتها؛ أعطتكم الحق في الانفصال, فحضرموت قبل 67 كانت تعيش استقلالية تامة عن جنوبكم العربي, أليس لها الحق أن تنشد استقلالها وحريتها وانفصالها, أحلال لكم الانفصال حرام على غيركم, ومِن عَدْلِ الله وحكمته أن الفريقين -الدولة الاشتراكية والدولة اليمنية- قد قضى كل منهم قرابة ربع قرن وهو يشد حضرموت قسرا وغصبا نحوه, فقد حان الوقت للحضرمي أن ينشد استقلاله وخلاصه من الاثنين. آسف إذا قلت لكم أنه لا توجد قيم ولا أخلاق وإنما هو منطق القوة والإرهاب, وهما وحدهما خياركم في إسكات غيركم. حتى تلك الكلمات التي تخرج على خجل من بعض قادتكم في الاعتراف بالرأي الآخر يصدق فيها قول من قال: ودعوى القوي كدعوى السباع **** من الناب والظفر برهانها سياسة الناب والظفر هي ما ذكرها صديق لي حضر مجلسا لبامعلم حينما عرضوا عليه مشروعا جنوبيا وليدا – وهو الان أحد مكونات الحراك الجنوبي- ذكر أنه لم يسمع منه إلا لغة واحدة فقط وهي: من ليس معي فهو ضدي. أنتم مسكونون دائما بهاجس الخطر الذي يهدد وجودكم, فحضرموت خطر, والمهرة خطر, وسقطرى خطر, رغم أن الخطر الأكبر ولد بينكم ويأكل في جسدكم. ختاما أقول: إنكم لن تستطيعوا أن تلغوا لا العصبة ولا غيرها من الوجود كما أنه لن يستطيعوا أن يمسحوكم من الخارطة, فطريق المواجهة علنية كانت أم من وراء الكواليس؛ لا تخدم القضيتين, والالتقاء على قواسم مشتركة هو الطريق الأفضل والأسلم.