يعد رمضان من التحولات السنوية الكبرى في حياة المسلم بعامة والأجدى أن يجري ذلك التحول داخل فضاء الذات المسلمة قبل أي شيء آخر اجتماعي أو احتفالي أو طقوسي، وأهم نص يمكن لمتدبر أن يتأمل فيه في رمضان هو القرآن الكريم غير أن القرآن لا يعطيك دلالته الكاملة إلا بالعودة إلى السنة المطهرة وإلى كتب التفاسير المختلفة وهي موجودة متوافرة ولعل أبرزها تفسير ابن كثير والطبري والشوكاني والجلالين والقرطبي إذ تقدم تلك التفاسير شرحا وتفصيلا لكثير مما يغمض من آيات القرآن الذي يشكل خلفيتها جميعا أو مصدرها الأصل، وهي أشبه بالإشارات في محيطه الواسع رغم ما تقدمه من تفسير. غير أننا إذا نظرنا إلى التفاسير الحديثة وجدناها نزرا يسيرا بالقياس إلى ما ألفه القدماء لعل من أشهرها في ظلال القرآن لسيد قطب لو عددناه تفسيرا وخواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسير القرآن، فلماذا لم يتواصل التأليف في تفسير القرآن الكريم وفقا وتطور العلوم ومنها علم اللسانيات وما يكشفه من أسرار بلاغية جمالية؟ هل لأن كثيرا من الدارسين في الكليات الإسلامية يعزلون أنفسهم عن المناهج البلاغية الحديثة وطرائقها في النظر إلى النص؟ وهي طرائق منهجية محايدة (تشبه من حيث المبدأ القواعد البلاغية المعروفة) لا تحمل فكرا معينا ولا إيديولوجية محددة يمكن حسبانها على هذه المدرسة أو تلك. وفي هذا السياق لا نزعم أن الدراسات القرآنية في هذا المجال معدومة غير أنها لم تصل إلى أن تكون تفسيرا كاملا ومعروفا للقرآن الكريم يبرز ناحيته الجمالية ربما أكثر مما كشفت البلاغة العربية بأدواتها التحليلية المعروفة كالتشبيه والكناية والمجاز وأوضحتها بعض تفاسير القرآن البلاغية القديمة كأساس البلاغة للزمخشري. لماذا لم يحدث ذلك؟ أو لماذا لم يظهر مثل ذلك التفسير حديثا؟ ربما لأن كثيرا ممن يقومون بتلك الدراسات ليسوا من المختصين بالدراسات الإسلامية بل من خريجي أقسام اللغة العربية في الجامعات العربية والمعاهد العليا فلا تتقبل أبحاثهم قبولا دينيا حسنا، فضلا عن جهل كثير من الناس بأساليب هذه الطرائق اللسانية الحديثة في النظر إلى النص مما يمكن أن يتم التعريف به عن طريق المحاضرات والندوات المختصرة تشرح فيها بعض الآيات الكريمة أو السور القصيرة شرحا جماليا عاما يمكن أن تفهمه الأذواق أو تقترب منه على اختلاف قدراتها الثقافية، شيء أشبه بما قدمه سيد قطب في كتابه (التصوير الفني في القرآن) مما يروي ظمأ المسلم لمعرفة الكثير عن أسرار القرآن الكريم البلاغية ذلك لأنه نص قائم أساسا على الإعجاز البياني، وسيشكل ذلك التفسير في المحصلة الأخيرة -لو وجد- تراكما في سعي المسلمين لفهم أسرار كتابهم الكريم لاسيما أن كثيرا من خريجي أقسام اللغة العربية وحتى أقسام اللغة الانجليزية بالجامعات العربية صاروا على اطلاع على مفردات وأساليب النظرية اللسانية في فهم النص. لعل المسألة بحاجة إلى التصالح مع المصطلحات النظرية المستجدة وهي مصطلحات محايدة كما أسلفنا كمصطلحات البلاغة وعدم نبذها أو اتخاذ موقف مسبق منها قبل معرفتنا بما يمكن أن تقدمه من أدوات تحليلية جيدة يمكن أن تكشف عن شيء من أسرار القرآن الكريم في عمق دلالته الكريمة وخصوصية تركيبه.