تقول المقولة المشهورة ( لا تضع البيض كله في سلة واحدة) وهي مقولة ذات مدلول اقتصادي بحت, لحفظ الأموال من المخاطر, وأبرزها فشل المشاريع أو التفليس. لكني اليوم أرغب في أن ألوي عنقها, بل أكسره لتنطبق على من أرى أنهم وضعوا المواقف كلها في سلة واحدة ولم يبالوا بالمخاطر, ثم رأوا فجأة وكأن الوحي نزل عليهم أنهم ليسوا على جادة الطريق. من الطبيعي أن يتراجعوا القهقرى, ويبحثوا عن سلة أخرى للمواقف تحفظ بيضهم. العملية تبدوا طبيعية وهي حالة يمر بها الإنسان, يطوف على أكثر من سلة يضع فيها بيضه, فبعضهم يستقر ويقر بيضه, وآخرون سرعان ما يبحثون عن غيرها. لكن من غير المعقول والمقبول أن تعتقد أن سلتك الجديدة هي الوحي المنزّل وغيرها شياطين مغضوب عليهم لا يصلح معهم إلا رميهم بكل مفردات اللعن والشتم. حاول أن تجعل لك بعض البيض هنا وهناك لتبقى خطوط الرجعة, ولعلي أذكرك بشعرة معاوية رضي الله عنه. يقال أن أعرابياً سأل معاوية رضي الله عنه : كيف حكمت أربعين سنة ولم تحدث فتنة بالشام والدنيا تغلي ؟ فقال رضي الله عنه : "إن بيني وبين الناس شعرة إذا أرخوا شددت, وإذا شددت أرخوا ". هذه المقولة مع كونها نبراساً في أحكام السياسة فهي تدخل في كل سياسة حتى في سياسة الإنسان مع نفسه, فلو طبق الإنسان هذه القاعدة لصار من أعقل الناس كيف لا وهو يعطي كل شيء حجمه ويتلافى عمَّا لا يستحق النظر. وتذكرتُ أيضا -إضافة لشعرة معاوية- مقولة علي بن أبي طالب رضي الله عن علي ومعاوية, وتروى مرفوعة ولا تصح: (أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا). إذن خلاصة قولنا؛ رسالةً لأولئك الذين مال حبهم وولاؤهم فجأة إلى بغضٍ وكرهٍ كامل النصاب, وقبل إتمام الحول هجروا مضاربنا ورغبوا عنها بمضارب أخرى, وإذا بنا نقرأ عناوين في محبوبتهم الأولى كأنما أعدتها مطابخ الشيف الصيني التي تفوح منها أنتن ما مر على خياشيمك من رائحةِ أخبث وأقذر ما هبّ ودبّ على وجه الأرض. رويدكم يا من ترسلون لنا كل مرة عنوانا يحتاج لكي نقرأ تفاصيله أن نسد أنوفنا أولا, وما نقمتم منا إلا أن آمنا بمشروع حضرموت الذي لطالما نافحتم ودافعتم وخاصمتم وحاججتم وقمتم وقعدتم واجتمعتم ودفعتم وربما قبضتم لأجله واليوم أصبح دعاته يتسولون على سوق الرذيلة. ما هكذا تورد الإبل . احذروا من حشر بيضكم في سلة واحدة, حتى لا تضطروا للعودة للسلة الأولى. ولا تنسوا شعرة معاوية وحكمة علي رضي الله عنهما.