الدحقة في لهجتنا الحضرمية هي المشي خطوة خطوة إلى مكان ما ، وهذه الكلمة لا أدري متى نطقت بها وكم مرة نطقت بها لساني منذ الصغر إلى الآن ولا أتذكر عدد مشياتي وخطواتي على الأرض أو دحقاتي عليها ولا علم لي كم مرة دحقت إلى حضن أمي وقلب أمي منذ الصغر إلى الآن؟ فالدحقة عن دحقة تختلف وحب عن حب يختلف-فدحقة تؤدي بك إلى الهاوية ودحقة ترفع من شأنك عند الناس-وكما يُقال في حضرموت بالعامية للشخص (دحق دحقتك)، وهذه نبرة تحذير للشخص أن يحذر من خطواته ومشيته،ولكن الدحقة إلى الأم لا تحذير ولا خطورة فيها،فكل من اشتاق إلى أمه عليه أن يدحق إليها ويمشي ولو طالت به المسافات وبُعدت الجهات وإن تعثرت بالوصول إلى أمك فادحق إليها بقلبك وأحاسيسك وفكرك، وقد تصل إلى غايتك ولن تتعثر دحقتك أبداً لأنك تمشي على أرض صلبة وغايتك نبيلة وعظيمة وهي الأم التي أعطتك كل ما تحلم به والسهر عليك منذ الصغر وحتى عندما اصبحنا رجالاً تجد الأم عند رؤوسنا عندما نصاب بوعكة صحية، ومهما كبرنا وأمتد بنا العمر نظل صغاراً في نظر أمهاتنا. فكلمة الدحقة لها قصة معي وموقف وقع لي عندما زرت المكلا مع والدي وخاصة كلما يذهب والدي إلى بيت صهره وأخيه العم محمد عمر الحامدي وهو صديق والدي في الطفولة والرجولة رحمهما الله جميعاً وكان لوالدي أصدقاء كثر في المكلا وخاصة في نادي الشعب الرياضي الذي كان لأعباً فيه من عام 1978إلى عام 1980. وقصة الدحقة ترجع تاريخها في نهاية الثمانينات من القرن الماضي وكان عمري لا يتجاوز السبع سنوات، وعندما حن قلبي إلى أمي حفظها الله وهي في دوعن ب ( خيلة ) جلست أبكي لوالدي ياباه بغيت عندي مي ( أمي) فقال لي يرحمه الله لكي يسكتني ياولدي السيارة خربانة عند المهندس وعندما نصلحها سنذهب إلى دوعن وإلى أمك فقلت بصوتي الطفولي حينها لا لا لازم أروح إلى أمي حتى دحقة دحقة، ومازال البعض وخاصة من حضر الموقف يعيرني بالدحقة ويذكرني بما قلته، وأنا لا أتذكر ما قلته ولكنها كلمات نبعت من قلب طفل صادق وهو موقف جميل عندما يحن الابن إلى وجه أمه أو خبز أمه كما قال الشاعر محمود درويش : أحنّ إلى خبز أمي و قهوة أمي و لمسة أمي و تكبر في الطفولة يوما على صدر يوم و أعشق عمري لأني إذا متّ، أخجل من دمع أمي! فمن مننا لا يحن إلى أمه ووجه أمه وقلب أمه وحضن أمه وكلمات أمه؟ فالكل مننا بالطبع ولكن الحنين عندما يكون بالدحقة والمشي حافياً إلى أن تصل إلى أمك وطنك الكبير الذي حضنك جنينا وصغيرا وكبيرا له طعم خاص، فالدحقة إلى قلوب الأمهات هو الأسمى ومن لا يدحق ويمشي خطوة خطوة إلى أمه سوف يدحقه الزمن والناس، علينا أن نمشي إلى أمهاتنا بكل الوسائل ولا نتأخر فربما الوقت يعيقنا ونحن نحاول الوصول إلى أمهاتنا ولا نقدر. وعلى الشخص أن يدحق ولا يخاف (ومن دحق دحقته بيسلم) والدحق إلى الأم فيها السلامة والأمان وإلى أمك دحق… دحقة.. دحقة.