الكاتب: اشرف الظاهر: كاتب وباحث: لا شك أن باكستان اليوم تعيش في وضع مأزوم وخانق على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهو الأمر الذي قد بات ينذر ويهدد حالة الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد وخصوصا بعد تزايد حالة التململ وعدم الرضي الشعبي من السياسة التي ينتهجها الرئيس الباكستاني وحكومته اتجاه العديد من القضايا وعلى رأسها التحالف العسكري مع أمريكيا في حربها ضد حركة طالبان وطبيعة تعاملها مع أزمة الفيضانات الأخيرة وهو الأمر الذي زاد من حجم الاحتقان الشعبي وزاد من حجم الضغوط الشعبة المطالبة بضرورة تدخل الجيش لتولي زمام الأمور من جديد من خلال دعوته الجيش إلى الانقلاب على زارداري وحكومته للخروج وإخراج باكستان من الحالة التي تعيش بها اليوم والتي تنذر باندلاع حرب أهلية كبيرة قد تمتد إلى مساحات واسعة من باكستان والتي من شانها أن تمهد لتقسيم باكستان إلى عدة دول في حال استمرت الأمور على ما هي عليه اليوم .
. لقد سعت الحكومة الباكستانية إلى استغلال الحرب التي يخوضها الجيش الباكستاني على حركة طالبان في كسب المزيد من الأموال والمساعدات الأمريكية للحكومة بغض النظر عن طبيعة هذه الحرب وعن الدماء التي تزهق فيها, كما أن العقلية التي تمت بها إدارة أزمة الفيضانات الأخيرة تشير إلى رغبه أصحابها والقائمين عليها بتحقيق اكبر قدر ممكن من المساعدات المالية من الدول المانحة اذ اقتصرت أعمال الحكومة في إدارة هذه الأزمة على تقديم الإحصائيات وتوجيه النداءات لهذه الدول بضرورة زيادة حجم المساعدات والإسراع في إرسالها طمعا في تحقيق اكبر عائد مادي دون أن يكون لها أي نشاط يذكر لمد يد العون والمساعدة في إغاثة الضحايا والمنكوبين. وهو ما أدى بدوره أيضا إلى زيادة حجم الاحتقان الشعبي وهدد بحدوث ثورة الجياع.
لم تكن السياسة التي انتهجها الرئيس الباكستاني وحكومته في تعاملها مع سلسلة الأزمات المختلفة تعبر في حقيقتها عن مصالح الشعب الباكستاني ولا عن سيادة باكستان ذلك أن العقلية التي تمت إدارة هذه الأزمات بها كانت تقوم بالأساس على منطق الربح والخسارة وعلى عقلية رجل الأعمال الذي يدير مشروعا استثماريا وليس على عقلية رئيس الدولة الذي يسعى إلى تحقيق الرعاية المثلى لدولته وشعبه ما حول الجيش الباكستاني الى مجموعة من المرتزقة يسير مع من يدفع له أكثر
لقد أشارت الكثير من التقارير إلى حالة الخوف التي باتت تعتري القوى الدولية وعلى رأسها أمريكيا من إمكانية سقوط النظام هناك بأيدي حركة طالبان أو حركات إسلامية متشددة ما دفع المخابرات الأمريكية إلى وضع خططا للسيطرة على السلاح النووي والرؤوس النووية الباكستانية في حال تمكنت هذه القوى من بسط سيطرتها على باكستان .فقد أوردت صحيفة الواشنطن بوست في آذار 2009 أن ديفيد كيل كولن، مستشار قائد القيادة المركزية الأمريكية في حرب أميركا، قوله: .. وقد وصلنا إلى مرحلة حيث يمكن رؤية انهيار النظام الباكستاني خلال ستة شهور ".وليس أخر هذه الإشارات ما نشرته مؤخرا صحيفة الصندي إكسبريس بأن القوات الخاصة البريطانية وُضعت في حالة استعداد وتأهب تمهيدالإخلاء الرعايا البريطانيين من باكستان وسط مخاوف من حدوث انقلاب عسكري هناك.
ان هذه التقارير وغيرها الكثير توحي إلى أن باكستان مقدمة على انقلاب أو لنقل تغير من نوع ما قد يغير من ملامح باكستان السياسية فالأوضاع السياسية هناك تمر في مرحلة مخاض عسير تتجاذبه القوى الدولية من طرف والحركات الإسلامية من طرف أخر فالكل يطمح إلى أن يكون الانقلاب القادم هناك لصالحة والكل يسعى إلى استمالة المؤسسة العسكرية لجانبه , ففي الوقت التي سعت أمريكيا إلى كسب الجيش الباكستاني لصفها عبر عملها على تقديم المساعدات للجيش عبر تزويده بالمساعدات العسكرية والرواتب والهدايا والامتيازات وتقديم الدعم له يبدو أن حركة القوى الإسلامية هناك قد باتت هي أيضا تتقن فن التعامل مع الأزمات واستغلالها لصالحها عبر ظهورها بمظهر الحريص على الجيش والشعب الباكستاني من خلال مشاركتها الفاعلة في تقديم المساعدات للشعب الباكستاني من المنكوبين والمتضررين من أزمة الفيضان الأخيرة وهو ما دفع بدوره أمريكيا إلى إظهار مخاوفها من هذه المشاركة باتهام الحركات الإسلامية بسعيها إلى استغلال الوضع سياسيا . بالإضافة أيضا إلى عمل هذه الحركات على التغلغل في صفوف الجيش الباكستاني وزرع خلايا لها فيه الأمر الذي بات يرجح كفة الإسلاميين للقيام بالانقلاب القادم وقيادته.ففي دراسة أعدها الكاتب سمايور هيرش تحت عنوان " الدفاع عن الترسانة النووية الباكستانية، هل يمكن المحافظة على السلاح النووي؟"أشار فيها إلى المحاولات التي تقوم بها الحركات الإسلامية لاختراق المؤسسة العسكرية الباكستانية وبناء خلايا لها فيها بقوله "لقد اخترق حزب التحرير الجيشالباكستاني وبنى له خلايا داخله".و حزب التحرير هو احد الحركات الإسلامية العالمية العاملة في باكستان والتي تسعى لإقامة الخلافة الإسلامية وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن هذه الحركات قد باتت تسعي بطرق وأشكال وأساليب متعددة ومختلفة إلى تعزيز وجودها في باكستان وتحقيق السيطرة على نظام الحكم هناك.
لطالما اعتبر الجيش الباكستاني صمام الأمان لوحدة باكستان وتكريس حالة الاستقرار فيها والقوة الحقيقية القادرة على إخراج باكستان من أزماتها السياسية التي مرت وتمر فيها حيث أن سلسلة الانقلابات التي قام بها الجيش على مر تاريخيه والتي انقلب بها على العديد من الحكومات والرؤساء خير شاهد على مدى قوة الجيش وتأثيره في الحياة السياسية في باكستان وانه مازال يحظى بمنزلة خاصة وعالية في نفوس الشعب الباكستاني ما جعله دوما مؤهلا و قادرا على التدخل وحسم الأمور لصالحه كلما اقتضت الضرورة ذلك لذلك فطالما شكل الجيش وحالته وحركته الهاجس الأكبر للقوى الداخلية والخارجية المراقبة للوضع الداخلي في باكستاني وذلك في محاولة منها للتنبؤ بمستقبل باكستان ولعل الناظر للحالة التي يمر بها الجيش اليوم توحي إلى وجود رغبة جامحة عند عناصره وقياداته للتدخل من جديد في الحياة السياسية وخصوصا مع تزايد حجم النداءات الشعبة له بذلك ما يجعل سماع حدوث انقلاب قريب أمرا محتملا إن لم يكن مرجحا لا شك في أن الجيش في باكستان هو صاحب القوة والسيطرة وان الوجوه والأنظمة السياسية المتعاقبة والتي عرفتها باكستان على مر تاريخها كانت دوما تعتبر واجهه لتحقيق رغبات الجيش هناك والذي يعتبر المتحكم الأول والرئيسي في الأوضاع الداخلية في باكستان والماسك بخيوط اللعبة كلها وهو ما يشير إلى أن من يستطيع السيطرة على الجيش فانه سيسيطر على كل شيء في باكستان وسيكون المتحكم الرئيس في الحياة السياسية , ولعل إسراع الجيش الباكستاني في الأخذ بزمام الأمور من شانه أن يعمل على الحد من استنفاذ قواه ومن تراجع شعبيته لدى الشعب الباكستاني فقد تعرض الجيش مؤخرا إلى حالة من الضعف والترهل نتيجة استنفاذ طاقاته في حربه على حركة طالبان نتيجة نشر قواته على الحدود الأفغانية الباكستانية وخوضه لغمار حرب ضروس مع القبائل الموالية لطالبان في مناطق وزيرستان لذلك فان سرعة تدخل الجيش في الشؤون السياسية الباكستانية سيعمل على اتقاذ باكستان من حالة الاحتقان الشعبي والاضطراب السياسي والأمني الذي تعيش به اليوم بالإضافة إلى انه سيعمل على إنقاذ الجيش والمؤسسة العسكرية ووضع حد لحالة التجاذبات السياسية الحاصلة فيه والتي قد تنذر بتفكيك المؤسسة العسكرية وفقدانها لزخمها وتأيدها الشعبي التي طالما حظيت به . وبغض النظر عن التكهنات السياسية التي ممكن أن تتنبأ بمستقبل باكستان فان الخيارات أمام الجيش على ما يبدو قد باتت محدودة وان الإسراع في اخذ دوره من جديد بالإمساك بزمام الأمور هناك من شانه أن يضع حدا لكل هذه التكهنات التي تتعلق بمستقبل الجيش ومستقبل باكستان فالتغير في باكستان بات أمرا حتميا إلا أن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا هو لصالح من سيكون الانقلاب هذه المرة ؟!.