يقول الكاتب الامريكي(فانس باكارد) في كتاب ((المشكلون لسلوك الشعب)): "من الممكن استخدام معارفنا المتطورة، لاستعباد الناس بطريقة لم يحلم بها أحد من قبل، بإلغاء شخصياتهم المتميزة والسيطرة على عقولهم بوسائل يتم اختيارها بعناية، بحيث لا يدركون أبداً أنهم فقدوا شخصياتهم". والمقصود بالمعارف المتطورة، تلك الاساليب المعقدة التي تستخدم في إدارة المعلومات، تحت إشراف أعظم الخبراء، للاستفادة منها في الوصول إلى عقول الشباب من أقصر الطرق وأسرعها، وتوجيه إرادتهم وفقاً للأهداف المراد تحقيقها. وقد نجحت هذه السياسة في الأعمال التي تقدمها المحطات الفضائية الأمريكية والأوروبية ومواقع الأنترنت، التي تناولت الشخصية العربية وأبرزتها في أسوأ صورها في برامج الأطفال، والدراما، والكوميديا، ووسائل الدعاية والإعلان . فمن خلال برامج الاطفال الكرتونية، يشاهد الطفل أبطاله المحبوبين، وهم ينتصرون على العرب الأشرار وينقذون العالم من مكائدهم وشرورهم، فهذا (وودي بيكر) يحشر جندياً عربياً داخل قمقمة، و(بوباي) يستعرض عضلاته في تأديب شيخ عربي يرتدي لباس الذئب، وهذا (الرجل المطاطي) يقذف بيضة فاسدة في وجه أحد السلاطين العرب، وهذا (بوركي بيج) يلقي بأحد العرب في برميل الشراب، وهذا (لافيرن) و(شيرلي) يحبطان محاولة أحد الشيوخ العرب لغزو أميركا وتدمير العالم. إن صور وكلمات هذه البرامج تملأ مخ الطفل بكمية من المعلومات، تزيد عن كمية المعلومات التي تصله عن طريق التعليم، فالطفل يحملق في التلفزيون أكثر من خمس ساعات يومياً، يشاهد خلالها أكثر من خمسين مادة إعلامية، وهذه المعلومات التلفزيونية المقدمة في صور وأغان وأصوات وحركات جذابة، تحتل مكان الصدارة في مخ الطفل، وتسيطر على خياله وأحلامه. وعلى غرار برامج الأطفال عبر التلفزيون، تحاول مواقع الإنترنت تصوير العربي بأنه المصدر لكل شرور الدنيا وآثامها، وتبرزه بعدة نماذج وهمية تتصل بالثروة، والتطرف الديني، وحب القتل، والدمار، والهوس الجنسي، والولع بشقراوات أميركا. وتظهر الصور عبر مواقع الإنترنت، التي يملك الشباب مفاتيحها، العربي بالعباءة والكوفية، والنساء بملابس الرقص الشرقي أو الحجاب والعباءة السوداء، وظهرت أخيراً صوراً لنساء بالزي العربي، يمارسن الجنس وكل ضروب الفساد في المواقع السياحية العربية، باسم الحب للرجل الأبيض . إن هذا الأسلوب في التوعية والإعلام، يدعونا إلى إبراز دور المحطات الفضائية ومواقع الإنترنت، في عملية التأهيل الاجتماعي، بعد أن تحولت جماهير الشباب إلى طفيليات تخضع لمنطق هذه الوسائل، وتؤمن بحماس غريب بأنها تسير في الاتجاه الصحيح. ولايعني ذلك بأن نصب اللعنات على هذه التقنية الحديثة، أو استغلالها لصالح الفكر المعادي للعالم والحرية والحضارة الإنسانية، ولكن الأمر من الخطورة بمكان، ويستدعي رفع الأصوات الواعية المخدرة من سيطرة هذه الأجهزة، وتأثيرها على الأطفال وعقول الشباب المتحمس لكل جديد وطريف. فالموضوع جد خطير، ويجب أن يتصدر قائمة الاهتمامات في الدراسات العلمية، فبحوث الإنترنت والمحطات الفضائية وأثرها في تشكيل السلوك، هو بحث في الإنسان بكل أبعاده الاجتماعية، وهو يحتاج إلى دائرة واسعة تجمع تحت مظلتها كل أشكال المعرفة من الإنثروبولوجيا، والاجتماع، والسياسة، وعلم النفس والأدب، والتشريع أيضاً، وما الذي يمنع من الدعوة إلى تشكيل هيئة دولية، تحذر من أخطار استخدام هذه الوسائل، وما تبثه من مفاهيم مغلوطة تفصح عن نزعة لا أخلاقية ولا إنسانية، وذلك من أجل الحفاظ على قيم الشعوب الآمنة، واحتراماً لمشاعرها الدينية. إن خطورة هذه الأساليب، تأتي من قدرتها على الانتشار الواسع في المواطن، التي تقابل فيها قوة أخرى ضعيفة أو متداعية، وهي تستطيع أن تتسرب بشكل سلمي وادع، تحت ستار الغرابة والامتاع، وتنجح في تحويل جيل الشباب إلى ثقافاتها، دون أن تعلن أي هجوم صريح مباشر على القواعد الاجتماعية والأخلاقية للبلاد المقصودة. إن الأصوات تعلوا في أيامنا هذه، لتنبهنا الى الخطر الماثل أمام أعيننا، عبر وسائل الاتصال الحديثة التي تغزو مدنيتنا، لتحطم في حرب حقيقية غير معلنة ذاتنا الأصلية وقيمنا، تحت شعار الفائدة الفنية، أو المتعة الجمالية، أو الحاجة الاستهلاكية، في صورة كتب ومجلات وأفلام سينمائية أو تلفزيونية، وإنترنت وموسيقى وأغان شرسة، من شأنها جميعاً تحويل العقل والذوق والنفس والذات عن مجراها الطبيعي، إلى مجرى آخر لا ندري أين يصيب؟!