بينما كان الأجدر أن يتطرق المشاركون في الحلقة النقاشية التي نظمها مركز تنمية الطفولة والشباب إلى واقع البرامج الشبابية في الفضائيات العربية؛ جميعهم اتجه صوب برامج الأطفال لا لسبب سوى أن برامج الأطفال كان قد تم التعرض لها من قبل؛ بينما الشباب لايزالون يعانون التجاهل المركب؛ تجاهل الفضائيات العربية التي تتجاهل عقولهم لتخاطب الغرائز، وتجاهل آخر أعد أمر من الأول وهو تجاهل المختصين والأكاديميين وأصحاب القرار لهم.. ووسط هذا الامتداد اللا متناهٍ من التجاهل أين يقبع الشباب.. وأين هم من أجندة الفضائيات.. لن نذهب بعيداً وسنتساءل: أين هم من أجندة فضائياتنا اليمنية؟!.. موضوع واسع وحدهم من حضروا الحلقة النقاشية من التفتوا نحو الشباب، بينما الأوراق جميعها لم تشر إلى الشباب إلا على استحياء وربما على مضض كما فعل الأستاذ علي العطاب حين عنون ورقته ب"المحتوى الإعلامي في البرامج الموجهة للأطفال والشباب" معتبراً أن تناول هذا الموضوع لكونه ظاهرة عامة تستدعي الانتباه والاهتمام والحيطة.. مضيفاً بأن الموضوع واسع جداً ويتطلب دراسات واسعة ومتخصصة تعتمد على أبحاث ونتائج دراسات سابقة.. واعتبر علي العطاب، ممثل المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون الشعوب العربية من أكثر الشعوب استهلاكاً لخدمات التكنولوجيا الغربية ومسرحاً كبيراً لمختلف مظاهرها، وخصوصاً في جانبها الاستهلاكي.. مؤكداً أن التحدي الذي لايزال يجابه كثيراً من الفضائيات العربية هو في نوعية المحتوى الإعلامي البرامجي بشكل عام.. وبرامج الأطفال والشباب على وجه الخصوص. برامج موجهة وقال العطاب إن إعلام الأطفال والشباب أصبح مشبعاً بكم هائل من البرامج الموجهة لهم والتي تختلف في طروحاتها وأهدافها وأبعادها باختلاف الوسيلة ومالكيها.. فما يقدم على القنوات الحكومية يختلف عما تقدمه القنوات الخاصة، وخاصة تلك التي تقدم للشباب على حد قوله. سياسات قطرية واعتبرت ورقة العطاب أن السياسات القطرية تلعب الدور الأكبر في تحديد توجهات الأطفال والشباب، مما يؤدي إلى الإخلال الفكري والثقافي لديهم، دون المساهمة في بناء موطن عربي مستقبلي يتمتع بشخصية حرة ومستقلة ومبدعة، مرجعاً في ذات الوقت شحة البرامج الشبابية في الفضائية اليمنية إلى عدم وجود المخرج أو المعد أو الكاتب، والذين قد نصنفهم ضمن (إعلام الأطفال والشباب) أنهم مجرد ممتهنين بالاكتساب في إنتاج البرامج الموجهة للأطفال والشباب؛ كونهم لا يدركون معاني الطفولة والشباب، وهذا يؤدي بدوره إلى مغالطة يقع فيها الطفل من حيث الإدراك والمعرفة بالمادة التي يشاهدها وخلطه الواقع بالخيال. انعكاس للواقع العطاب، وهو مقدم برامج سابق، ومدير لإحدى الإدارات حالياً في التلفزيون اليمني قال بأننا انعكاس للواقع العربي الذي لم يول البرامج الموجهة للأطفال والشباب ما تستحقه من عناية سواء على مستوى التمويل أو على مستوى الجدية في الإعداد والحرفية في الصياغة والمسئولية في الكتابة.. وحيث لايزال الإنتاج يمثل (حوالي 5 % من الخارطة البرامجية). ميزانية ضئيلة وشرح العطاب في ورقته الصغيرة واقع ما يرصد من ميزانية للبرامج الموجهة للأطفال والشباب، مؤكداً أنها ضئيلة؛ يذهب الجزء الأكبر منها في شراء الرسوم المتحركة المدبلجة، والبقية في برامج لتمويل برامج ضعيفة لا ترقى إلى ذوق الطفل أو الشباب ومستوحاة بطريقة بدائية. قنوات الأطفال أما بالنسبة للقنوات الخاصة بالطفل فهي على حد رأيه لم تقدم أية إضافات فعالة في صناعة الرسوم المتحركة، وفي صناعة البرامج الموجهة للطفل، مما يجعل آفاق الإبداع والتطور ومواكبة التكنولوجيا الحديثة ضيقة جداً أمام الكاتب أو المخرج المتخصص في مثل هذه البرامج. الاعتماد على الإنتاج الغربي الدكتور عبدالملك الدناني، رئيس قسم الصحافة في كلية إعلام صنعاء، تعرض في ورقته المعنونة "برامج العنف التلفزيونية وتأثيرها على سلوك الأطفال" كما هو واضح من العنوان لبرامج الأطفال التي يغلب عليها طابع العنف، مقدماً دراسة في ما يقارب "9" صفحات، قائلاً: "القنوات التلفزيونية العربية مازالت تعتمد بشكل رئيس وواسع في تغطية خارطتها البرامجية وساعات بثها على إنتاج الفكر الغربي والمؤسسة الغربية لسد الفراغ في ما تقدمه يومياً أو أسبوعياً من برامج". برامج هادفة وأضاف الدكتور الدناني: إنه من المهم أن تقدم الفضائيات العربية برامج هادفة تخاطب العقل، وتسطر الأفكار لدى شريحة الأطفال، مما يتيح الفرصة لهم لتبادل أفكارهم ووجهات نظرهم مع من يكبرونهم في العمر.. مشيراً إلى أن برامج الأطفال تعاني في هذا المجال من عدم النضج مقارنة مع نظيراتها في الدول الغربية حين يتعلق الأمر بالبرامج الجيدة. العنف الدناني أعد العنف واحداً من أوسع المجالات التي اهتم بها الباحثون في مجال الدراسات الإعلامية بحكم أن العنف أحد الآثار السلبية التي يحدثها التلفزيون في الأطفال.. معتبراً جهاز التلفزيون وسيلة إعلامية مهمة وخطيرة في ذات الوقت بحكم تحكمه بالأساليب المتطورة التي يستجيب لها العقل لتحدث ألوانه وأصواته تشويهاً في أداء المخ لوظيفته الإدراكية. إحصائيات وقدم رئيس قسم الصحافة كثيراً من الإحصائيات التي أكد من خلالها أثر التلفاز على البنية النفسية والجسمانية للأطفال، وطبيعة ربط علماء الصحة بين الإفراط في مشاهدة التلفزيون من جهة والخمول والعادات الغذائية غير الصحية التي تؤدي إلى البدانة عند الأطفال. فضاء التلفزيون الصحافي وليد البكس - من مؤسسة شوذب للطفولة والتنمية - تناول في ورقته التي ركزت أيضاً على الأطفال والمعنونة ب"فضاء تلفزيوني مكشوف على الأطفال أفلام الكرتون نموذجاً" متسائلاً في مقدمة الدراسة: هل أعدت جامعاتنا أو مراكز البحوث والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية لدينا دراسات وبحوثاً على أفلام الأطفال خاصة (عدا رسائل علمية محدودة لم تر النور) وليس من ناحية العنف فقط، ولكن لدراسة مدى مخالفتها وقيمها وتوجهاتها الفكرية والأخلاقية؟. ومضى شارحاً حق الأطفال في الحصول على المعلومات، والآثار السلبية للتلفزيون، مستعرضاً عدداً من الدراسات التي تناولت في أغلبها مضار مشاهدة التلفاز على الأطفال.. إلى جانب الآثار الإيجابية للتلفزيون.. وتعرض في أحد محاور ورقته لواقع الإعلام الرسمي الفضائي لبرامج الأطفال والشباب، وطريقة إفراد المساحات لتلك البرامج، منهياً ورقته كما فعل من سبقه بعدد من التوصيات. بعد ذلك فتح باب النقاش ليدلي الجميع بآرائه حول ما قيل.. وما لم يُقل. نقاش الحضور صفاء الوتاري - عضو شبكة الأطفال والشباب قالت: "الجميع لاحظ على ما أعتقد أن الورشة تحدثت عن البرامج الموجهة للأطفال فقط.. أما بالنسبة للشباب فقد تم تجاهلهم أو تجاوزهم أو المرور عليهم.. مع أن عنوان الحلقة واضح كما أرى.. وأضافت صفاء أن هناك كثيراً من الفضائيات المخصصة للأطفال.. ولكنها تقتصر على تقديم أفلام كرتون فقط.. قائلةً بأن الشباب يحتاجون إلى لفتة حقيقية من الفضائيات العربية.. وأيضاً الأطفال هم بحاجة لبرامج جادة.. وأن لا يقتصر المرور إلى الطفل من خلال أفلام الكرتون الهزيلة فقط..!. هدر الوقت من جانبها أشارت شهرزاد السلال في مداخلتها إلى تأثير شخصيات مسلسلات الكرتون على الأطفال، مستشهدة بإخوانها، مضيفةً بأن أغلب هذه المسلسلات تقدم نماذج سيئة تؤثر على سلوكيات الأطفال؛ مما يجعلهم يسلكون الاتجاه الخطأ في أغلب الأحيان. وأكدت شهرزاد - العضوة في برلمان الأطفال - أن الأطفال يضيعون كثيراً من الوقت في متابعة مثل هذه المسلسلات غير المجدية، داعيةً إلى استغلال مثل لهذه الأوقات المهدورة. أما أحمد محمد إسحاق- رئيس جمعية البراءة الخيرية - قدم مجموعة من المقترحات التي ستعمل على معالجة هذه المشكلة. كشكوش وشارك في النقاش مجموعة من الإعلاميين والصحافيين أبرزهم الإعلامية مها البريهي التي اعتبرت مسلسل الأطفال "كشكوش" تجربة سيئة في تاريخ برامج الأطفال.. قائلةً بأن شخصية "كشكوش" شخصية غير سوية، مثلت نموذجاً سيئاً للطفل الذي تأثر بها.. وحاول ولايزال تقليدها. برامج الشباب المذيع عارف الصرمي أشار من جانبه إلى ما يعانيه التلفزيون اليمني من حالة فقر مدقع في برامج الشباب، متأسفاً على عدم التعرض لهذه الجزئية المهمة على حد قوله في حلقة النقاش وتركيز أوراق العمل على الأطفال فقط، مؤكداً أن الشباب بحاجة لأن يقدموا أنفسهم ويناقشوا قضاياهم بكل حرية بعيداً عن الوصاية أو المراقبة. خاتمة حلقة النقاش إلى حدٍ بعيد كانت جميلة، وتعرضت لمشكلة حقيقية، والأطفال يمثلون الركيزة الأساسية التي سيتم من خلالها بناء المستقبل.. ولو أن عنوانها اقتصر عليهم لكان أفضل من أن يحشر معهم الشباب في سلة واحدة.. ومن ثم يقصيهم من خلال أوراق العمل.