ليس جديداً القول أن الشعب اليمني بكل شرائحه و فئاته و توجهاته يتجرع مرارة الفوضى و آثارها قلقا و هلعاً و ظلاماً و عدم استقرار معيشي ، كما ليس ابتكاراً التأكيد على أنه ليس ثمة رابح سياسي من الأزمة التي أحالها اللقاء المشترك بقيادة الإصلاح إلى فتنة متعددة الأوجه يتصدرها العمل الانقلابي و أعمال التخريب و العنف و الانشقاقات التي أربكت الساسة و عطلت قنوات العمل السياسي و جعلت الكلمة الصادحة للرصاص ..
لكن الجديد و الأكيد الذي ربما لا يدركه كثيرون من عناصر و قيادات التجمع اليمني للإصلاح أنفسهم هو أن هذا الحزب ( تجمع الإصلاح ) سيكون في صدارة القوى السياسية الخاسرة جماهيرياً .. بعد أن أصبح هذا الحزب مثار سخط و سخرية و سخط الجماهير اليمنية من أقصى البلاد إلى أقصاها ..
ذلك لأن هذا الحزب ( التجمع ) الذي عرفه الناس بأيديولوجية دينية سحق معتقدات معتنقيه من حيث استقطبهم .. فكان أول من استهتر بتعاليم الدين و حرف قيمه و قفز على توجيهاته و أعطى متطرفيه حق إصدار الفتاوى الدينية لصالح العمل السياسي بشكل ينافي أبسط مفاهيم الدين و تعاليمه و قيمه .. و بدلاً من أن يجنب علمائه و دعاته الذين كانوا سبباً في استقطاب البسطاء إليه بمعتقد أنه الأقرب لدين و الشريعة ، ألقى بهم في صراعه السياسي خلال هذه الأزمة التي ركب موجتها و ظن قادته أنها الحاسمة لصالحهم .. فلم يدخروا وسيلة مشروعة وغير مشروعةً إلاّ استخدموها على أمل أن يحسموا الصراع لصالح تجمعهم أولاً و من ثم يعودون لترميم ما تهدم من مكاناتهم و مكانات علمائهم في نفوس الناس ...
لكن الأزمة التي طال أمدها لم تعطهم فرصة للعودة إلى مربع التمويه على عباد الله و خداعهم بالخطاب الديني الذي يواري خلفه سوءات السياسة و قذارة الأطماع السياسية .. بل إنهم لم يجدوا فرصة للحظة اعتدال تعيدهم إلى موقع يقبله الآخرون أو يتقبل منه الآخرون مبررات انحراف الدعاة الإصلاحيين و انغماسهم في التحريض على الفتنة و العنف بشكل تجاوز ما يمكن تسميته فقه الضرورة ..
لقد بلغ الدعاة الإصلاحيون مرحلة من الفجور و هم يقفزون على آيات الله البينات و أحاديث المصطفى صلى الله عليه و سلم و كل التعاليم الدينية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية السمحاء ، فوجدناهم يسكتون على أعمال السطو و التخريب و قطع الطرقات و احتلال المنشآت الحكومية ، بل و يبررونها أحيانا .. ثم وجدناهم يشاركون في التحريض على الفتنة و الانقلاب وأعمال العنف والعصيان .. و كان كثيرون منهم في صدارة المحتفين بجريمة مسجد النهدين التي حاول منفذوها اغتيال الرئيس و كبار قيادات المؤسسات الدستورية في أول جمعة من شهر رجب الحرام .. ووجدنا فتاوى هؤلاء تقفز إلى واجهة الإعلام محرضة على مزيد من العنف و الفوضى و التخريب ..
كل هذه الأعمال لفتت انتباه البسطاء الذين التحقوا بتجمع الإصلاح بدافع الحرص على إقامة شريعة الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم .. و لا شك أن هذه الفئة ليست قليلة و لا هينة .. و سيكون لها تأثير غير عادي في أوساط الناس و بين صفوف الجماهير التي هي العدة الأهم لأي حزب سياسي في أي بلد .. و سيعلم الإصلاح ( التجمع ) أي سقوط ينتظره في أي عمل سياسي مستقبلي ...