رحل الدكتور خالد عبد الناصر قبل أيام قليلة من الذكرى الواحدة والأربعين لرحيل والده القائد المعلم جمال عبد الناصر، وبعد أيام قليلة على إقدام شباب مصر على طرد البعثة الدبلوماسية الصهيونية من القاهرة، واقتحامهم لحاجز "خراساني" لم يكن قادراً على حماية جرائم تل أبيب ضد أبناء الأمة عموماً وأبناء مصر خصوصاً. "فثورة مصر" التي كانت اسماً لتنظيم أسسه خالد مع ثلة من أحرار مصر، وفي مقدمهم الشهيد محمود نور الدين، في أواسط الثمانينات لمقاومة الوجود الصهيوني قد أثمرت ثورة مصرية كبرى قبل أشهر، ما زالت مستمرة وفي رأس أهدافها إسقاط القيود التي كبلت مصر وحالت دون دفاعها عن أمنها القومي، بل وحولت نظامها السابق إلى حامٍ للأمن الصهيوني، فيما كان عدو الأمة، وما يزال، يحسب لمصر وشعبها وقواتها المسلحة ألف حساب. ولا أنسى تلك الليلة التي جرى فيها احتجازي في مطار القاهرة خلال زيارة للمحروسة في أواسط الثمانينات، حيث تركز تحقيق أجهزة الأمن معي عن سبب حملة التضامن التي أطلقناها دفاعاً عن خالد عبد الناصر ورفاقه في ثورة مصر، وعن علاقتنا بابن باعث النهضة المصرية والعربية المعاصرة. كان جوابي يومها بسيطاً: لقد قمنا بحملة التضامن تلك مع مصر كلها، وليس مع أبطال ثورة مصر وحدهم، لأننا نعتقد أن الوجود الصهيوني في مصر سيستهدف أمن مصر، وتنمية مصر واستقلال مصر ومستقبل مصر، وهو ما سينعكس على كل العرب. وقلت يومها: إننا في لبنان أيضاً نواجه حرباً مدمرة، فنسعى عبر استحضار اسم جمال عبد الناصر أن نتنسم هواءً عليلاً، هو هواء العروبة والوحدة والنهج القومي الذي جسّده القائد الراحل حين كان يتقدم دوماً لحماية لبنان وإنقاذه من كل الفتن التي تحيط به. ويوم التقيت خالد للمرة الأخيرة في بغداد، وقبل أسابيع من الحرب الاستعمارية – الصهيونية على بلاد الرافدين، أذكر أن خالد – رحمه الله – والذي قاد أكثر من رحلة جوية لكسر الحصار على العراق قال لي: "سيكتشف العرب جميعاً أن المستهدف ليس نظاماً أو حزباً أو رئيساً، بل هو العراق العظيم نفسه، بوحدته وعروبته ودوره وخيراته". ولا أعرف تماماً بماذا كان خالد يفكر في لحظاته الأخيرة، ولكنني واثق من أن ابن جمال عبد الناصر كان مسكوناً بالفرح والقلق في آن معاً، الفرح بحراك أبناء أمته ضد الاستبداد والفساد والتبعية، والقلق من محاولات أعداء أمته لاستغلال مطالب الناس المشروعة لخدمة أهدافهم المشبوهة. وداعاً يا خالد... ولك الرحمة ولأمتك النصر على كل أعدائها.