عكفت وسائل الاعلام الرسمية ومعها وسائل اعلام حزب الاصلاح ( الاخوان المسلمين في اليمن ) على ترديد عبارات المدح والثناء للسياسة التركية وما تقدمه تركيا لليمن من مساعدات اقتصادية ومواقف سياسية داعمة لأمن واستقرار اليمن في تزامن مع زيارة وزير الخارجية التركي اوغلو لليمن هذه الايام. ان وسائل الاعلام الرسمية وكذلك وسائل اعلام حزب الاصلاح تغنت كثيرا بزيارة اوغلو وكالت من المديح وعبارات الثناء لتركيا وسياساتها حيال اليمن ما يجعل المواطن اليمني البسيط يظن ان لولا تركيا ومواقفها ومساعداتها لكانت اليمن في خبر كان من كافة الجوانب الاقتصادية والسياسية والأمنية. الشيء المحير هو الاحتفاء الرسمي بزيارة وزير الخارجية التركي وما صاحبها من تهويل اعلامي مبالغ فيه لدرجة تجعل المرء يتصور ان رئيس دولة عظمى قد زار اليمن وليس مجرد وزير خارجية فقط , اما فيما يتعلق بتهويل وسائل اعلام حزب الاصلاح ومبالغتها لأهمية هذه الزيارة , فذلك امر طبيعي كون حكام تركيا اليوم هم الاخوان المسلمين وحزب الاصلاح ايضا جزءا من هذا النسيج المحسوب على الاسلام شكلا والمتمادي مع الغرب وإسرائيل مضمونا. ان تركيا العضو الفعال في حلف الناتو والحليف الاستراتيجي والعسكري القوي لإسرائيل استطاعت في السنوات الاخيرة خداع الكثير من الناس بخصوص سياساتها ومواقفها من القضايا العربية والإسلامية خصوصا بعد وصول حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الاسلامي الى الحكم بدلا من العلمانيين الذين حكموا تركيا وأبعدوها عن محيطها الإسلامي واتجهوا نحو اوربا على امل الانضمام الى الاتحاد الاوربي الذي رفض دخول تركيا فيه رغم الحاح الحكومات التركية العلمانية المتعاقبة التي لم تتوقف عن المطالبة بالانضمام الى الاتحاد الاوربي حتى مجيء حكومة الاخوان المسلمين ( حزب العدالة والتنمية ) التي انتهجت نهجا جديدا في السياسة الخارجية التركية. ان حزب العدالة والتنمية على ما يبدو انتهج سياسة جديدة لتركيا تمثلت في الانفتاح على العالم الاسلامي باعتبار ان تركيا دولة اسلامية ولابد لها من ان تلعب دورا محوريا في محيطها الاسلامي خصوصا وان الحزب الذي يحكم تركيا اليوم هو حزبا اسلاميا ولابد له ان يكون اكثر قربا من الدول العربية والإسلامية , وذلك ما تصوره وصدقه الجميع ان لم نقل الكثير. لكن تلك السياسات التركية الجديدة وللأسف الشديد لم تكن إلا خدعة جديدة ولعبة مكر تضاف الى سجل تركيا الحافل بالخذلان للقضايا العربية والإسلامية ومناصرة الكيان الاسرائيلي على امتداد تاريخ تركيا اتاتورك الحديثة , فحزب العدالة والتنمية وللأسف الشديد خدع العرب والمسلمين وخذلهم اكثر من الاحزاب العلمانية التي سبقته في حكم تركيا بعشرات المرات. حيث سعى حزب العدالة والتنمية ومن خلال عروض مسرحية وإعلامية وافتعال ازمات وخلافات وصراعات بين تركيا وإسرائيل لخداع بعض الدول العربية والإسلامية وإقناعها بسياسات تركيا المعادية لإسرائيل والصديقة للدول العربية والإسلامية وتقبل تركيا والاطمئنان لها لكي تستطيع ان تؤدي الدور المطلوب منها في خدمة الاجندة الغربية الاسرائيلية. اذ سعت تركيا بعد ان اجرت عروضا مسرحية اعلامية بخصوص توتر العلاقات التركية الاسرائيلية من ناحية , ومساندة تركيا اعلاميا ومسرحيا لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية من ناحية اخرى , الى تعزيز العلاقات التركية السورية والتقارب مع سوريا والشراكة معها في المجالات الاقتصادية وخصوا في مجال التبادل التجاري , فوقعت تركيا مع سوريا عدة اتفاقيات تعاون ومنها تسهيل انتقال المواطنين السوريين والأتراك بدون تأشيرات دخول مسبقة , وذلك ما سعت اليه تركيا ليس من باب تحسين العلاقات وإنما من باب تسهيل تنفيذ المؤامرة الاسرائيلية ضد سوريا وهو ما اتضح لاحقا ان الهدف التركي من التقارب مع سوريا لم يكن إلا لتمرير كميات ضخمة من الاسلحة وتخزينها داخل سوريا لضرب الحكومة السورية عن طريق الجماعات المسلحة كما شاهدنا ونشاهد هذه الايام. ان تجربة التعاون التركي مع سوريا كانت تجربة مريرة بكل ما تحمله من معنى , كما ان سوريا خدعت بذلك التعاون ايما خديعة وها هي اليوم تدفع ثمنا غاليا لتلك العلاقات والاتفاقيات التعاونية مع تركيا , ونحن ايضا في اليمن نعيش هذه الايام بداية التعاون التركي مع بلادنا خصوصا ان لليمن تجارب تاريخية قاسية مع الحكم التركي ومحاولته السيطرة على اليمن , ولا نستبعد اليوم ان تكون تركيا اوردغان ترمي الى اعادة السيطرة التركية على اليمن واستعمارها من جديد خاصة وان هناك من يغري تركيا من داخل اليمن ويشجعها وهم الاخوان المسلمين الذين يعتقدون ان من مصلحتهم وجود نفوذ لتركيا في اليمن كون ذلك النفوذ من وجهة نظرهم يدعم ويقوي نفوذهم في مواجهة الاحزاب والقوى السياسية اليمنية الاخرى. خلاصة القول ان ما يجب علينا كيمنيين هو الحذر الشديد من النفوذ التركي في اليمن خاصة وان لهذا النفوذ ابعاد تاريخية سلبية على المستوى الوطني اليمني , وفي الوقت الحاضر نلاحظ تركيا تتدخل في المشهد السوري لصالح اسرائيل وهذا ما يستدعي الحذر الشديد من التوجهات التركية والنوايا المبيتة تجاه بلادنا اليمن.
رئيس الدائرة السياسية بمركز الدراسات والبحوث اليمني [email protected]