ليس خافياً أن الأسباب التي أدت الى اعتماد 26دولة من بين دول العالم ال 194 للفيدرالية كنظام حكم فيها غير متوفرة في بلادنا ،فالمجتمع اليمني ليس متعدد الأعراق او الاثنيات اواللغات كما هو حال المجتمع الروسي أو الامريكي..،وعدد سكانه ليس بالكبير اذا ماقورن بدول كثيفة السكان كالهند،ومساحته ليست بالشاسعة كاستراليا او كندا..،واليمن الموغل في التاريخ ليس كدولة الإمارات ،التي وجدت في الفيدرالية وسيلة لإيجاد كيان موحد لإماراتها السبع. - رغم كل ذلك أصبح في حكم المؤكد تحول بلادنا الى النظام الفيدرالي خلال الفترة القادمة خاصة مع تأييد غالبية أعضاء مؤتمر الحوار الوطني بما فيهم القوى السياسية الرئيسية للفيدرالية ،إضافة الى القناعة الواضحة للرئيس هادي والقوى الإقليمية والدولية الفاعلة بالفيدرالية ،وتوهمهم أنها تمثل الحل المناسب لمشاكل وأزمات اليمن المختلفة . -مؤيدو الفيدرالية : لا أتفق مع من يشكك في وطنية غالبية أعضاء مؤتمر الحوار الوطني أو في حبهم لبلادهم وتطلعهم ليمن مستقر ومزدهر ،لمجرد تأييد غالبيتهم للفيدرالية ،فهناك أسباب مختلفة وراء تأييدهم لها كما هو حال كثير من اليمنيين ومن ذلك : -هناك من يؤيد الفيدرالية رغم إدراكه خطورة تطبيقها في ظل وضع اليمن الحالي ،تماشياً مع الجو العام الراهن المتحمس للفيدرالية بصورة غريبة ،ورضوخا لضغوط قوى داخلية وخارجية ،وهذا الفريق يظم حزب الاصلاح و مجموعة من الشخصيات اليمنية المخضرمة أمثال الدكتور عبدالكريم الارياني نائب رئيس مؤتمر الحوار ،الذي كان يعتبر الفيدرالية خطوة أولى نحو الانفصال حسب تصريحات له لواشنطن بوست العام 2009م ،لكنه تحول في الفترة الأخيرة الى احد المروجين لها . -فريق ثاني يؤيد الفيدرالية رغبة منه في تغيير شكل النظام السياسي الحالي لاعتقاده ان استمرار العمل به امتداد لنظام الرئيس السابق ،ويأتي في مقدمة هذا الفريق أحزاب في المشترك وشباب الساحات ،لكن هذا الفريق يخلط بين النظام الرئاسي وبين نظام الفرد والحاكم المستبد المحتكر لغالبية السلطات والصلاحيات ،ويتناسى هؤلاء حقيقة ان غياب دولة المؤسسات كان السبب الذي أدى الى تحول النظام الرئاسي الى نظام استبدادي،كما يتجاهل هؤلاء حقيقة أن غالبية الدول الفيدرالية تنتهج النظام الرئاسي كونه الأنسب لها . -فريق ثالث يؤيد الفيدرالية رغبة منه في تغيير الوضع الراهن بكل سلبياته ،على أمل أن يؤدي تطبيقها الى تحسن الوضع في مختلف المجالات خاصة الأمل في تحسن الظروف المعيشية للمواطن ورفع مستوى الخدمات الحكومية ، و مكافحة حقيقية للفساد ومعالجة مشكلة البطالة وإنها المعاناة اليومية للمواطنين في المحافظات الأخرى جراء العراقيل الناشئة عن المركزية والروتين وغير ذلك. -هذا الفريق غالبيته من السياسيين المبتدئين ومن العامة وبالذات من أبناء المحافظات الأخرى ،وغالبية هؤلاء يؤيدون الفيدرالية دون إدراك حقيقي لمخاطرها المستقبلية على أمن واستقرار ووحدة البلاد ،ولايفرق هؤلاء بين الفيدرالية باعتبارها لامركزية سياسية وبين اللامركزية المالية والإدارية ،وأن الأخيرة في حال طبقت بشكل كامل كافية لتلبية مطالبهم وتطلعاتهم ،وليس كما حصل بالنسبة لقانون السلطة المحلية ،الذي تعامل معه النظام السابق بانتقائية ولم يطبق الا بعض بنوده مما افشل التجربة ،ولم تسفر تجربة انتخاب المحافظين والمجالس المحلية عن أي نتائج ايجابية ،بل أنها تسببت في توسيع رقعة الفساد وزيادة عدد الناهبين للمال العام . -فريق رابع يدعم الفيدرالية كالحوثيين وقوى في الحراك كونها ستمكنهم من تعزيز سيطرتهم على المناطق التي ينتشر فيها أنصارهم ،وإضفاء شيء من الشرعية على تلك السيطرة . -فريق خامس يدعم الفيدرالية لتحقيق مصالح شخصية حتى وأن كانت على حساب المصلحة العليا لليمن ، هذا الفريق عبارة عن سياسيين ثانويين ومهمشين ومن رجال المال والإعمال ممن تعود أصولهم الى المحافظات الأخرى أو يقطنون فيها وبالذات المحافظات الغنية بثرواتها الطبيعية أو البشرية ،ويعتقد هؤلاء أن الفيدرالية ستعزز من حظوظهم لتصدر المشهد السياسي والاقتصادي في أقاليمهم ومن ثم التحول الى فاعلين سياسيين واقتصاديين على مستوى الوطن بأكمله . -طبعاً يطمح رجال المال والإعمال في تلك المحافظات في حصول شركاتهم على مزايا لا تمنح لمنافسيهم من الأقاليم الأخرى بحيث تعزز من قدرتهم في الاستحواذ على غالبية النشاط التجاري ،أما الجزء الآخر من هذا الفريق فهم من أبناء تلك المحافظات،ويرى هؤلاء أن الفيدرالية ستمكنهم من الاستفادة بصورة اكبر من ثروات مناطقهم و تحسين ظروفهم المعيشية . أسباب تدني فرص نجاح الفيدرالية : - هناك شريحة واسعة من اليمنيين ترفض الفيدرالية لقناعتهم أنها ليست العلاج الصحيح لإمراض البلاد ،حتى لو افترضنا جدلاً أنها دواء قد يقضي على بعض تلك الإمراض ،الا أن كمية الجرعة المقترحة كبيرة جدا،وفي كلتا الحالتين سواء كان علاج خاطئ او جرعة زائدة وفي ظل حالة المريض الحرجة ،فأنها ستؤدي في نهاية المطاف الى موت اليمن لاقدر الله . -هذا الرفض نابع عن نظرة واقعية للوضع في البلاد خاصة مع وجود أسباب مختلفة تجعل من فرص نجاح الفيدرالية في بلادنا ضئيلة جدا ومن ذلك : 1-الكم الهائل من المشاكل والخلافات المرجح بروزها بين المركز والاقاليم بسبب ضعف قدرة القيادات السياسية والادارية في المركز على تسيير مهام الوزارات والهيئات التي يتولون ادارتها وفق التعديلات الجوهرية التي سيتم ادخالها على القوانيين المنظمة للعمل،والتي ستؤدي الى سحب جزء كبير من سلطاتهم وصلاحياتهم لصالح سلطات الأقاليم ،إضافة الى التجاوزات العديدة لكبار قيادات ومسئولي الدولة للنظام والقانون وكأنهم فوق القانون . -لا شك إن الذهاب الى الفيدرالية بمثل هذه العقلية سيؤدي الى تفجر المشاكل والأزمات بين المركز والأقاليم الأخرى وبين الأقاليم فيما بينها بل وداخل الإقليم نفسه،وذلك بسبب التجاوزات القانونية العديدة المتوقع ارتكابها من قبل كبار مسئولي وقيادة الدولة والأقاليم للقوانين المنظمة للعلاقات بين المركز والأقاليم ،مما يعنى ان حالة من الخلافات والتوتر ستكون سمة العلاقة بين المركز والأقاليم ، وبصورة اكبر من حالة عدم الاستقرار إلى عانت منها تعز لأشهر جراء انتهاك رئيس حكومة الوفاق لقانون السلطة المحلية على خلفية الخلاف الذي حصل بين شوقي هائل محافظ تعز وبين أحزاب المشترك بشأن تعيين مدير عام لكهرباء تعز . - فقانون السلطة المحلية يعطي الحق للمحافظ بتعيين مدراء عموم في المحافظة الا ان عدم رضا الإصلاح على الشخص المعين من قبل المحافظ دفع بالإصلاح للضغط على باسندوة لتعيين شخص من قبله منتهكاً القانون ،ولم تنته الأزمة الا بعد التوصل الى حل وسط خارج إطار القانون بين المحافظ شوقي و أحزاب المشترك ،فكيف سيكون حالنا أذا ذهبنا الى الفيدرالية بمثل هذه العقليات البدائية التي تعتقد انها عيش في عصر ما قبل القانون ،لذا فالمرجح طغيان التنازع على الصلاحيات والخلافات القانونية على أداء الجهاز الإداري للدولة خاصة في السنوات الاولى من بدء تطبيق الفيدرالية. 2-عدم توفر الشروط الأساسية لنجاح الفيدرالية في بلادنا مثل : أ- وجود دولة قوية قادرة على الحفاظ على تماسكها واستقرارها مهما كانت الصعوبات والتحديات التي تواجهها،وهو شرط ضروري لنجاح الفيدرالية وعدم تسببها في تفكيك الدولة،،فقوة الدولة تكمن أساسا في وجود مؤسسات قوية يحترم فيها النظام ،ويكون الجميع متساوون إمام القانون ،لكن ما نجده في واقعنا مختلف تماما، فالدولة اليمنية تعاني من ضعف شديد وفقدان لسيطرتها وهيبتها ليس في المحافظات البعيدة والمناطق النائية بل وصل الامر الى فقدان الدولة هيبتها داخل العاصمة والمدن الرئيسية ،والقانون هو آخر ما يحترم في البلاد ،كما ان الانتماء للقبيلة وللمذهب ولبعض المناطق ارتفعت وتيرته لدى بعض اليمنيين في الفترة الأخيرة على حساب انتمائهم لليمن. ب- وجود قضاء عادل ونزيه شرط ضروري لنجاح الفيدرالية ،وذلك لان التداخل الكبير في الاختصاصات والصلاحيات بين المركز والأقاليم تسبب في بروز الكثير من الخلافات والتنازع القانوني بين المركز والاقاليم أو الأقاليم فيما بينها وحتى داخل الإقليم الواحد،ولا يمكن حل تلك الخلافات الا عن طريق قضاء مستقل ونزيه يحظى بسمعة طيبة لدى مختلف الإطراف ،ولعلنا نتذكر ان المحكمة العليا في أمريكا هى من حسمت نتائج الانتخابات لمصلحة الرئيس السابق جورج بوش الابن على منافسه ال غور رغم ان الفارق كان 537 صوتا فقط ،ولولا إيمان الأمريكيين بنزاهة القضاء لما تجاوزوا تلك الأزمة . ج -لنجاح الفيدرالية لابد ان تتمتع الدولة باقتصاد قوي قادر على تحمل النفقات الكبيرة لتغطية تكاليف وجود برلمان بغرفتيه وحكومة ومؤسسات عديدة في كل من المركز والأقاليم ما يجعلنا بحاجة الى أضعاف ميزانية اليمن الحالية لضمان نجاح الفيدرالية،مع العلم أن أي إخفاق من قبل حكومات الأقاليم في تحسين الأوضاع المعيشية لسكان الإقليم سيتم تحميل الحكومة المركزية مسئوليته ،بحيث يؤدي ذلك الى تأليب مواطني الاقليم ضد المركز ،ويعزز من حالة التمترس المناطقي ويهيئ الأجواء في الإقليم للانفصال عن الوطن الأم. 3-من غير المنطقي اتخاذ نجاح الفيدرالية في بعض الدول كالأمارات مثلاً سبباً للتحمس للفيدرالية والاعتقاد بإمكانية نجاحها في بلادنا ،وذلك لوجود اختلاف جوهري بين الحالتين وكمايلي :- أ-نجاح الفيدرالية في الأمارات راجع بدرجة كبيرة الى كون أمارة ابوظبي – التي تمثل 85% من إجمالي مساحة دولة الأمارات وتتركز فيها معظم الثروة النفطية في البلاد – هي من قاد ودعم وحدة الأمارات السبع ، في حين ان الوضع في بلادنا عكس ذلك فالجنوب هو من يمتلك المساحة الأوسع ويحتضن في باطنه النسبة الأكبر من الثروات الطبيعية ،وهو من تنشط في بعض مناطقه الدعوات الانفصالية. ب-تزامن قيام دولة الأمارات المتحدة مع اكتشاف النفط فيها أدى الى تحسن الظروف المعيشية للمواطنين خلال سنوات بسيطة من عمر الدولة الوليدة ، بصورة لمس فيها المواطنين في الأمارات السبع خيرات دولتهم الموحدة ،كما ان الوفرة الاقتصادية الكبيرة للبلاد ساهمت بقوة في وأد التوجهات الانفصالية داخل أمارة دبي، وحولت التنافس بين الأمارتين من المجال السياسي إلى المجال الاقتصادي بصورة صبت لمصلحة الدولة الاتحادية وليس العكس، ولولا تلك الوفرة لما نجحت الأمارات السبع في تجاوز بعض الإشكالات ،والصعوبات التي واجهت مسيرة الاتحاد كالتنازع السابق بين ابوظبيودبي على مسألة عاصمة الدولة الاتحادية ، حيث قضت اتفاقية الوحدة على إنشاء عاصمة للاتحاد في منطقة حدودية بين الأمارتين تسمى الكرامة ، وتم اعتماد ابوظبي عاصمة مؤقتة للاتحاد، ولم يتم إعلانها كعاصمة دائمة للإمارات من قبل المجلس الوطني الا قبل نحو عقد من الزمان...يتبع عبدالعزيز ظافر معياد [email protected]