صنعاء دشن اليمن أمس الفعاليات الثقافية لمدينة تريم بحضرموت كعاصمة للثقافة الإسلامية 2010 بحضور كبير لرجال الثقافة من مختلف دول العالم العربي والإسلامي. وأكد نائب رئيس الجمهورية اليمني عبدربه منصور هادي في حفل الافتتاح لهذه الفعاليات التي ستستمر عاما كاملا، ان اختيار المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الايسيسكو) مدينة تريم عاصمة للثقافة الإسلامية 2010 هو محل فخر واعتزاز ليس فقط لأبناء مدينة تريم، ولا لأبناء محافظة حضرموت التي تقع فيها فحسب ولكن هو فخر لكل أبناء اليمن. وذكر أن مدينة تريم التاريخية في اليمن 'هي مدينة العلم والأدب والثقافة وكان أبناء تريم في طلائع المواكب اليمنية التي حملت راية الدعوة الإسلامية بقيمها ومبادئها السمحاء إلى مشارق الأرض ومغاربها منذ فجر الإسلام وخلال المراحل التاريخية المتعاقبة على الحضارة الإسلامية'. وأكد أن اليمن يولي الجانب الثقافي والحضاري الإسلامي اهتماماً خاصاً ومتميزاً, على اعتبار أن 'هذه المدينة الحضارية التاريخية اليمنية كانت وستبقى منارة ترشد الأجيال إلى قيم الحب والخير والرحمة والتسامح'. وقال 'إن احتفالنا اليوم أمس بهذه المناسبة الثقافية الفكرية الوطنية الإسلامية يجعلنا نقف وقفة إجلال وتقدير لتلك الهامات التي أنجبتها مدارس وأربطة تريم ليكونوا نجوما أضاءت سماء هذه الأمة بما قدموه من أجل وحدتها وعزتها ورفعتها، فقد كان لهم أثر كبير في تعميق روح الإخاء بين أبناء الأمة الإسلامية والحفاظ على وحدتها وتماسكها وتآزرها'. وذكر أن هناك عناصر يمنية من حضرموت 'تسعى في الأرض فساداً وتحاول إعادتنا إلى الفرقة والتمزق بما ترفع من شعارات انفصالية، مقترفة أعمال التخريب والإرهاب مرتكزة على ثقافة الكراهية النتنة التي تتصور أنها ستوصلها إلى مبتغاها في فرض مشروعها التمزيقي على شعبنا اليمني'. وكشف نائب الرئيس اليمني أن شعب اليمن سيكون لتلك العناصر بالمرصاد 'متصدياً لمشروعهم، منتصراً عليهم وسيكون لأبناء هذه المدينة وعلمائها ومثقفيها ومعهم كل حضرموت الساحل والوادي والصحراء الدور الفاعل لإسقاط هذا المشروع التقسيمي الانفصالي والتخريبي'. وتقع مدينة تريم في حضرموت بشرق اليمن، حيث تزدهر بمآثرها الإسلامية، من مدارس دينية، ومراكز علمية ومكاتب ثقافية وتراث عمراني إسلامي وتوجه صوفي، يميّز هذه المدينة عن بقية المدن اليمنية الأخرى. ويأتي تتويج مدينة تريم بمحافظة حضرموت اليمنية عاصمة للثقافة الإسلامية 2010، إثر اختيارها من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (ايسيسكو)، تنفيذاً لقرارات المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة، الذي انعقد في العاصمة الجزائرية في كانون الأول (ديسمبر) 2004، في حين أصبح اليمن عضوا في هذه المنظمة الإسلامية في العام 1983، كأحد الأعضاء الخمسين من الدول المكوّنة لهذه المنظمة الإسلامية الدولية. وكانت منظمة (ايسيسكو) اختارت هذه المدينة التاريخية لتكون حاضرة الثقافة الإسلامية لهذا العام 2010 انطلاقاً من دور أبناء مدينة تريم، الذين أسهموا في نشر الإسلام في أصقاع شتّى من العالم وبالذات في جنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا، عبر رحلاتهم وهجراتهم الدائمة إلى بلدان هذه المناطق في حقب تاريخية متفاوتة. وتشير المصادر التاريخية إلى أنه كان لهجرة الحضارم اليمنيين ومنهم أبناء مدينة تريم أثر كبير في نشر الدين الإسلامي في دول جنوب شرق آسيا وفي مقدمة ذلك الهند واندونيسيا وماليزيا وسنغافورة لتمتد إلى الصين والفلبين وإلى شرق أفريقيا. وذكرت ان المهاجرين اليمنيين من تريم كانوا تجارا بمهنتهم ودعاة للدين الاسلامي بسلوكهم وهو ما أكسب نشاطهم الثقافي والديني قبولا لدى المجتمعات التي كانوا يقيمون فيها، فأسسوا مدارس دينية إسلامية إلى جانب اشتغالهم بأعمال التجارة التي أمّنت لهم العيش الكريم والاستقرار، فيما عاد البعض الآخر منهم للعيش في أحضان وطنهم الأم وفي مسقط رأسهم مدينة تريم. ويعتقد مثقفون يمنيون أن اختيار مدينة تريم عاصمة الثقافة الإسلامية 2010 جاء من منطلق ما تمثّله هذه المدينة العريقة من مرجعية دينية وعلمية قديمة، خاصة وأنها ذات جذور عريقة تمتد إلى عصور تاريخية مختلفة من الوقت الحالي إلى عهود الإسلام الأولى، وكونها أيضا المدينة اليمنية التي احتضنت مناراتٍ وأربطة وزوايا علمية موغلة في القدم، وكان لها دور ريادي ديني كبير وواسع تخرّج منها كثير من علماء الدين واللغة والتراث الشعري والأدبي والفني وكانت مرجعا بارزا لمناهل العلم والمعرفة في العديد من أقطار العالم الإسلامي. واشتهرت مدينة تريم بمدينة المآذن، وعُرفت بمدينة ال(365 مئذنة) جميعها مبنيّة بمادة الطين وفق طراز معماري فريد، تنتشر في كل أرجاء هذه المدينة الطينية بامتياز، أبرزها مئذنة مسجد عمر المحضار، أو مئذنة تريم، التي يبلغ ارتفاعها 170 قدما، أي نحو 57 مترا وتعتبر من أشهر المعالم الثقافية والدينية لمدينة تريم. وذكر المؤرخون أيضا أن تريم كانت تحتضن 300 مفتٍ من علماء الدين، ما جعلها تتبوأ هذه المكانة الثقافية والدينية في العالم الاسلامي، فضلاً عن كونها اشتهرت بمدينة العلم والعلماء، حيث تحتضن تريم مكتبة الأحقاف التاريخية للمخطوطات، كثاني مكتبة للمخطوطات بعد مكتبة الجامع الكبير بصنعاء، وتضم المكتبة أكثر من خمسة آلاف مخطوط من المخطوطات النفيسة والقديمة في علوم الدِّين وشتى العلوم الإنسانية.