ماأن تزف إليهم البشرى بقروب خروجهم من الأسر، والنفاذ من بين قضبان زنزانة باتت جدرانها تئن من وقع تعذيبهم ،فهذه اللحظة لوحدها تساوي حياة من الفرح و ميلاد جديد مختوم عليه بختم الكرامة والعزة والشموخ . فخرجوا حاملين بصدورهم صك حريتهم المعمد بدمائهم بعد كاد الأمل بالحياة يتضائل ويضمحل نظراً لطول تلك الفترات التي قضوها في سجون العدوان ومرتزقته وهم يشاهدون الموت يلاحقهم فقط قضاء الرصاص هو من يفصله عنهم . ربما كانت مدة الأسر خمس سنوات أو أقل وهكذا نحن نحسبها، لكنها بالنسبة إليهم تساوي عمرا بأكمله فالساعة فيها شهراً واليوم منها دهراً تحت وطأة سوط السجان الذي تجرد من كل أخلاقه وقيمه ومبادئه وأستبدلها بالثقافة الوهابية الصهيونية. رأيناهم يخرجون وكل ملامح الفرح تغمر أفئدتهم وتملأ محياهم الشاحب والأبتسامة تعتلي شفاههم وكلاً منهم يحمل في قلبه قصة مؤلمة تشهد عليها الجروح وأثار التعذيب التي تملأ أجسادهم ، وربما منهم من فقد جزء من جسده وحواسه . وبالرغم من تلك السعادة التي بدت عليهم إلا ممالاشك منه أن ذواكرهم تضج بالكثير من المواقف والذكريات الأليمة لذلك التوحش الذي أحاط بأيامهم ولياليها وعندها روَّضوا أرواحهم على تحمل ذاك الكم الهائل من العنف من قبل أولئك الذين طلقوا إنسانيتهم وأستبدلوها بثقافة القطيع لا البشر ،، ساعتها ربما ظن الكثير منا أنهم سيخرجون بروح إنتقامية وعدوانية تسحق كل من يقع أمامهم من سجانيهم إذا ماسخرت لهم الأقدار مثل هذه الفرصة ،وهاهي تأتي اليهم الفرص ليتفاجأ الجميع بتلك الروح الإيمانية التي تعاملت مع السجان وقد أصبح أسيراً بكل ماتحمله الإنسانية من معنى وبكل المبادئ والأخلاق القرآنية ومن منطلق قوله تعالى : ( فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولياً حميم ). خابت ظنونا ونحن نرى الأسير المحرر يحتضن سجانه الأسير بعد أن وقع في يده وله كل القدرة على الإنتقام والنيل منه لكنه أحتوى خوفه وهدّأ من هلعه ورعشته قائلاً: “مسيرتنا قرآنية وليست إنتقامية”!! فيالعظمة هذه المسيرة التي غرست في أبنائها هذه القيم والأخلاق المحمدية وفيهم تتجلى الهوية الإيمانية اليمانية بمعناها الحقيقي. هنا نتقين جميعنا ويتيقن الأعداء من قبلنا أن إختيار “النبي المصطفىصلوات ربي عليه وعلى آله” لأهل اليمن ليُتّوجهم بهوية الإيمان لم يأتي جزافاً أو مصادفة! إنما لعلمه اليقين أنهم يستحقون هذه المنحة وأنهم أجدر بها واهلاً لها ! ولعل مانعرفه عن المجاهدين في الجبهات من تلك الشجاعة والإستبسال حين باعوا لله أنفسهم ، ومن خلال تعاملهم القرآني مع الأسرى، وثباتهم على مبادئهم وقيمهم الدينية في حال وقعوا أسرى لهو خير دليل على أننا فعل شعب الإيمان والحكمة وأننا ابداً لن نخذل “النبي المصطفى” أو نفرط في شيء خصنا به دون سوانا وسنحارب كل من يحاول المساس بهويتنا الإيمانية مهما كان الثمن.