قيادي إصلاحي يترحم على "علي عبدالله صالح" ويذكر موقف بينه و عبدالمجيد الزنداني وقصة المزحة التي أضحكت الجميع    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عاجل: الحوثيون يعلنون قصف سفينة نفط بريطانية في البحر الأحمر وإسقاط طائرة أمريكية    دوري ابطال افريقيا: الاهلي المصري يجدد الفوز على مازيمبي ويتاهل للنهائي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر    أجواء ما قبل اتفاق الرياض تخيم على علاقة الشرعية اليمنية بالانتقالي الجنوبي    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرة تشي جيفارا، وقبضة أنجِلا ديفِس
نشر في حشد يوم 23 - 10 - 2010


السبت، 20 فبراير 1999، أوستن.
ليلاً مشاهدة فيلم «اليوم الذي ستحبونني فيه» لليَندرو كاتز المتضمن تأملات بعضها لا يخلو من العمق حول الصورة الفوتوغرافية الشهيرة التي يظهر فيها تشي جيفاراً الصريع مسجَّى بين قاتليه، والتي لا تزال رائجة إعلامياً بعد أكثر من ثلاثين سنة على إعدام الثائر الأسطوري في نهاية حملته البوليفية وعرض جثمانه على الملأ درساً بليغاً وإثباتاً بالغاً.
في الصورة ثمة مفارقات غريبة فعلاً من قبيل ان أحد الجنود لا يزال يصوِّب بندقيته إلى صدر الجثمان المُسجَّى وكأنه غير مصدِّق بعد ان تشي جيفارا قد مات!، بينما يدخن جندي آخر لفافته رائقاً وهو يعبث شامتاً بشعر رأس الشهيد الهائل (لم أعد أتذكر من هو الذي مازحته قائلاً انه حتى منهجية ستورت هول العتيدة في تحليل الصورة الفوتوغرافية لا تصلح لتحليل هذه الصورة!).
ويتضمن الفيلم حواراً مع المصور الفوتوغرافي الذي التقط الصورة عن مشاعره في تلك اللحظة التاريخية والعاطفية الكبرى، وأظن أن هذا كان أفضل ما في الفيلم وأقواه.
في الفيلم هدوء غريب عتَّقه الزمن كما يحدث للنبيذ ازاء الحدث الكوني الصاعق (وقد ارتبكتُ لوهلة لأن ذلك الهدوء ذكرني بالهدوء «الجماعي» في أفلام «الويسترن» الأمريكية بعد تنفيذ المجزرة التي يُقتل فيها كل «الهنود الحمر» الأشرار) – هدوء مصقول وفاتن وصمت كصمت المقابر يزيِّنه وجه تشي الذي يبدو في الصورة التاريخية مثل وجه قديس (في الحقيقة فإن الفلاحين البوليفيين المعروفين بمسيحيتهم العميقة، والذين أُجبروا على مشاهدة الجثمان «لِيَتَّعظوا» و»يتعلموا» ان هذا هو مصير كل من يثور ويتمرد، أطلقوا على صاحب الجثمان اسم «القديس تشي» لأنه كما قالوا بكل كاثوليكيَّة عفوية وعميقة: «كان ثمة نور غريب يظهر من وجهه وعينيه وهو ميت»!).
إنه بصورة ما هدوء موتيٌّ يحاول أن يستخلص الحياة كما ينبغي أن تكون الحياة من تلك اللحظة الفاجعة لكن الهادئة والرزينة مع ذلك. وقد أحببت ذلك الهدوء في البداية كثيراً.
لكن الفيلم الذي يتأمل في «نظرة» (بمعنى gaze) تشي جيفارا وهو ميت فيه للمفارقة – مع مضيِّه في التأمل -- ما يشبه «النظرة الإثنوغرافيَّة» (بمعنى gaze أيضاً) التي صرت أخشى منها كثيراً. لسبب ما غَزَتْني فاطمة توبنج روني بنظريتها حول «النظرة الإثنوغرافية المحنَّطَة» التي فصَّلتها ببراعة في كتابها المبصر البصير البديع «العين الثالثة: العِرق، السينما، والمشهدانيَّة الإثنوغرافيَّة» الذي كم أتمنى أن يكون متاحاً بالعربية خاصة لجهة خلفية مؤلفته. وقد تسبب ذلك في شعور غير مريح لدي؛ وهو شعور لم أكن مُتَجَنِّيَاً فيه، بل أكَّدَته حيثيات المخرج – الذي بصراحة لم يكن من صالحه أبداً أنه بدا متغطرساً بعض الشيء -- في الحديث الذي أدلى به قبل وبعد عرض الفيلم. بالنسبة لي فإن المخرج بصورة ما قد «شَيَّأَ» [من «شيء»] غيفارا، وجمَّده، وحنَّطه في لحظة مُتْحَفيَّة من التاريخ؛ فأساء إليه أيما إساءة.
كما أن تشي جيفارا في نظرته في الفيلم (بالأحرى، في التأملات التي دارت حولها) يبدو بطريقة ما – في «سَرْدَنَة» [من «السَّرد»] (1) المخرج غريباً وأجنبياً وكأنه من سكَّان كوكب آخر جاء لإنقاذ هذا الكوكب، هو الذي جاء من ماء وطين هذه الأرض، ودخل قلوب ملايين البشر على الأرض هنا من دون استئذان، وانضم بكل طيب خاطر وكل ترحيب وفخر مع الواقفين خلف المتاريس الثورية في كل قارات العالم بدءاً من خفوق رايته على مظاهرات الطلبة في مايو 1968 في فرنسا والولايات المتحدة وغيرهما، والتي كانت تردد هتافاتها بإيقاعيَّة موسيقيَّة آسرة: «تشي.. تشي.. غيفارا.. هْوْ .. هْوْ.. هْوْشي مِنْ [نسبة إلى القائد الثوري الفيتنامي الشهير] – المظاهرات التي غيرت وجه العالم ولا تزال تغيره حتى الآن (2).
أظن أن البطل على هذه الأرض هو الإنسان الذي يشبهنا، من لحم، وشحم، وأفكار، وأحلام، ودموع. وإن جاء «سوبرمان» من الخارج فأظن أن عليه التوجه لتحرير عطارد، أو المريخ، أو زحل؛ فنحن لا علاقة لنا به ما دمنا لا نقطن تلك الكواكب (لغاية الآن في الأقل على الرغم من المحاولات والتجارب الفئرانيَّة الأمريكية الباسلة!).
لكن عليَّ قول شيء أود أن أصر على قوله في عجالة اليوميات، وهي ان «أجنبيَّة» أو «غربة» تشي غيفارا هذه التي تبدَّت في الفيلم للأسف الشديد لشيءٌ مختلف تماماً عما صار يثار الآن في الأدبيات الجيفاريَّة الرصينة من كلام مقنِع حول ان المناضل الأسطوري الذي دخل «سانتا كلارا» بعدد محدود من المقاتلين بعد معركة أشبه بما يحدث في الأفلام السينمائية وهو ما مهَّد لسقوط «هافانا»، والمقاتل الشجاع، والمبدع الذي أدخل الشِّعر إلى جوهر العملية الثوريَّة، إلخ، إنما كان في عمق أعماقه مسكوناً بهاجس رومانسي انتحاري لم تكن الحملة البوليفيَّة الحتفيَّة سوى وسيلة لتحقيقه. في الحقيقة كل من يتتبع تاريخ الخلافات المستترة والمعلنة بين فيديل كاسترو وتشي جيفارا باستقراء عميق سيدرك أن الأخير كان يريد أن ينتحر انتحاراً رجولياً لكن بصورة ثورية نبيلة. وفيديل كاسترو نفسه قال في مقابلة شهيرة معاتِباً (إن كانت الكلمة صحيحة) ان تشي منذ معارك «السييرا ماسترا» كان دوماً «متهوراً» بعض الشيء، وانه كان عليه أن يدرك – في معركته الأخيرة -- انه واقع في كمين استدراجي («أخبره فريق الاستطلاع بقيادة «بينينو» ان القرية شبه خالية، وهذا دليل ما كان له أن يخطئه على وجود كمين استدراجي»)، لكنه مع ذلك آثر المضي قدماً مع رجاله القلائل، وكان ما كان. هذا هو الحس الانتحاري بالضبط: كمين؟، نعم!. لكن علينا أن نذهب إليه مع ذلك، ولنا أن نموت برجولة وشرف هناك. (3).
وفي الواقع فإن مخرج الفيلم قد أسقط في يده أمام الأسئلة التي وُجِّهَت له في وقت الأسئلة والتعقيبات. ومع احترامي له لا أظن انه كان ينبغي أن يضيق ذرعاً إلى تلك الدرجة بالملاحظات التي أبديتها له في حديث جانبي بعد العرض، وهي ملاحظات تتعلق ب»علم جمال السينما» وليس ب»نظرية السينما» (حيث تعلمت من التجربة ان المخرجين السينمائيين غالباً ما يتقاطعون معك في الأولى، لكنهم ولأسباب وجيهة غرباء عن الثانية).
في أية حال أظن ان المخرج كان يعتقد انه لمجرد انه أنجز فيلماً يتعلق بتشي غيفارا فإن ذلك كان كافياً لأن يجعله بمنجاة من أي نقد وحلٍّ من أي تحفظ، وهذا أمر غير ديمقراطي ومؤسف للغاية. لكن البشر بشر، وثمة أمواج تريد أن تركب أمواجاً.
إسماعيل ناشف لم يحب الفيلم لأسباب أخرى تتعلق بما يظن انه «أَوْرَبَة» [من «أوروبا»] لثقافة أمريكا اللاتينية الفريدة. وموقفه من الفيلم هو «السخط» وليس «اللاإرتياح» كما في حالتي. أظن انه قد قال شيئاً من قبيل انه لا ينبغي عمل أفلام من هذا النوع عن شخص مثل تشي جيفارا.
غير ان إسماعيل حين رأى لاحقاً في سياق آخر، وبكل ثقة وتأكيد، في LOVEJOYS ان «إسرائيل ستزول من الوجود بعد خمس عشرة سنة بالكثير» بسبب «تناقضاتها الداخلية» سخطت عليه أكثر من استيائي من الفيلم، وأكثر من سخطه هو على الفيلم، واعتذرت عن إكمال السهرة الواثقة من نفسها أكثر مما ينبغي!.
الأحد، 21 فبراير 1999، أوستن.
(3) [1 ليس للنشر راهناً، و2 كان قد نشر في «تشظيات أشكال ومضامين»]
أقود السيارة بأقصى اتزان ممكن وأنا عائد إلى الشقة في الثانية والنصف صباحاً بعد سهرة الل LOVEJOYS مع إسماعيل ناشف. سيارة شرطة خلفي تضيء أنوارها الآمرة بالتوقف وأنا أسوق في [شارع] «جوادالوبي» لأنني عبرت الضوء الأحمر المتقطع في [شارع] «دين كيتُن». كان الشارع قليل الحركة في تلك الساعة من الصباح الباكر، وقد خفضت السرعة (التي لم تكن عالية أصلاً) إلى الحد الذي توقفت فيه السيارة تقريباً أمام الإشارة الكهربائية المتقطعة، ثم واصلت القيادة بحذر. لكن «تقريباً» هذه لا تروق للشرطة: الشرطة يريدون منك أن تتوقف «تماماً» وليس «تقريباً»، لأن هذا ما هو مطلوب في كتابهم المقدَّس – «توقف كامل» وليس «توقفا تقريبيا» كما يقول النص.
لأن «جوادالوبي» [الشارع الأنشط في المدينة على مدار الساعة] لم يكن خالياً من الحركة بحيث أني لو توقفت ما إن رأيت الأضواء الآمرة لسيارة الشرطة خلفي لكان ذلك قد أعاق حركة السير إن لم يكن قد تسبب في حادث، فقد أشرت بضوء إشارة السيارة إلى اليمين ودخلت بسرعة بطيئة لا تنم بأي شكل إنني إنما كنت بصدد البدء في مناورة هروب طريقاً جانبياً لا حركة سيارات به. ولا شك أن هذا التصرف الرزين والحكيم قد راق للشرطة وأبعد عني الشك بأني أقود السيارة تحت «تأثيرٍ» ما. كذلك فإني أثناءها كنت أدخن كثيراً. وحين توقفت وترجل أحد رجال الشرطة من السيارة الواقفة خلفي تماماً فقد تعمدت أن أنفث الدخان عبر زاوية منحرفة ليس إلى وجهه تماماً وإنما في اتجاهه. قلت له فوراً انني أفهم لماذا أوقفني، ولكنني بالفعل توقفت عمليَّاً عند النقطة التي انبغى مني أن أتوقف عندها. غير ان صاحبنا قال ان الأمر لم يكن كذلك في الحقيقة؛ فما جرى هو انني ضغطت على المكابح ضغطاً تثقيلياً مُحْكَمَاً حتى «كادت» السيارة أن تتوقف لكنها – مع ذلك – لم تتوقف «تماماً» كما يقتضي النظام. قلت له انني آسف فعلاً، وان ذلك لم يكن مقصوداً البتة، وان تاريخ قيادتي للسيارة في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا وبعض بلدان أوروبا يثبت لو كان يدري انني لم أتورط في حادث سير واحد. فابتسم بثقة وطمأَنَة وقال انه يدرك تلك الحقيقة فيما يخص تاريخي قيادتي للسيارة في الولايات المتحدة لأنه استأنس بجهاز الحاسوب في سيارته المرتبط مباشرة بمركز المعطيات المركزية!. أما فيما يخص تاريخ قيادتي في المكسيك وكندا وبعض بلدان أوروبا فلا علم له به، وان الأمر لا يعنيه في اية حال!. حرر لي مخالفة العبور غير المشروع.
قدت السيارة في بقية الطريق إلى الشقة كمن يسوق على البيض.
الإثنين، 22 فبراير، 1999، أوستن.
كثير مما يستحق الذكر. لكن لا قليل من الوقت لما يستحق الكثير من الذكر.
الثلاثاء، 23 فبراير 1999، أوستن.
طوال اليوم وطوال الليل تقريباً في LOVEJOYS. لقد أصبح هذا كثيراً جداً بالفعل. لا داعي أبداً لوجودي على هذه الأرض. لا أنا أليق بها ولا هي تليق بي. يجب أن أرحل. جئت إلى هنا بالغلط، وبما أمكن من الصواب سأرحل. حتى اسمي وهويتي إنما هما استبدال لعبدالله حبيب الذي مات في طفولته. لقد ضيعت الفرصة في 1986 و1990، وخذلتني الشجاعة مُذذاك. إنني شخص جبان للغاية. إنني لا أحبني أبداً.
الأربعاء، 24 فبراير 1999، أوستن.
(1)
حضور محاضرتي دِنِسْ هاليدي و فِلِس بِنِس عن الآثار الإنسانية المريعة للحصار المفروض على العراق. محاضرتان معقولتان (أكثر من «معقولتين» في الحقيقة عموماً، وأظن أن على المرء أن يحاور راديكاليته المفرطة في هذا الزمن الذي على البشر أن يتفقوا فيه على الحد الأدنى فحسب) وليس أدل على ذلك من حضور ما لا يقل عن خمسمائة شخص في هذه المدينة التِّكسسيَّة أولاً وأخيراً (وهذا عدد لا بأس به على الإطلاق؛ فنحن في نهاية المطاف لسنا في مدينة نيويورك ذات التقاليد اليسارية والعمَّاليَّة أكثر تاريخياً. واستطراداً: أنا ضد تمجيد نيويورك سياسياً؛ فأسوأ الدعوات المحافظة في المجتمع الأمريكي صارت تنطلق اليوم منها).
لكن هاليدي انطلق ضمنياً من حساسية مسيحية غربيَّة وتصور مثالي غريب لقيادة أخلاقية غربية للعالم تتزعمها الولايات المتحدة التي يرى أن ما يحدث في العراق من موت وجوع لا يستقيم مع جوهرها!. حاولت أن أجد له عذراً في ان الجمهور الموجهة له المحاضرة (وهي محاضرة توعويَّة وتعبويَّة وليست ذات طابع تحليلي أصلاً) جمهور أمريكي عام. والحقيقة ان مثل هذه المحاججة من قبل أطياف معينة من معسكر رفض الحصار مألوف لديَّ لجهة ان هذا المعسكر يضم تحت عباءته مجموعات شتى غير متجانسة بما في ذلك مجموعات يمينية في الواقع بما في ذلك تيارات دينية تعارض الحصار من باب «العطف والرحمة» وليس من باب «الحق والعدالة». لكن لا أدري إن كنت قد اقتنعت بهذا التبرير. يبدأ الغلط عادة حين يبدأ تسويغ التبرير.
أما بِنِس فقد كانت أعمق في الطرح لأنها رأت إلى المأساة في سياق تاريخي وسياسي اشمل، وكانت أكثر جرأة كذلك – ربما لأنها باحثة اكاديمية ذات موقف سياسي معارض أصلاً وليست موظفة سابقة من موظفي الأمم المتحدة.
(2)
كم هو مؤلم، ومضيع للوقت والصوت والسُّعرات الحرارية، أن تقضي ساعات ثقيلة عقيمة في مجادلة إحداهن ([...]، التي هي «صديقة عائلتنا الصغيرة»، للمفارقة) في LOVEJOYS في مسَلَّمة من المُسَلَّمات.
الحوار شيء، والقناعات شيء آخر، والرأي شيء ثالث، واحترام الآخر بكل ما يقوله شيء رابع، و...، و...، وعاشراً: الحياة مستحيلة.
الخميس، 25 فبراير 1999، أوستن.
(1)
الحب مستحيل، لأنه لا يبدو مثل المستحيل.
(2)
ظهور نتائج الفحوص الأخيرة: أشعة الصدر ممتازة وهذا ما جعلني أرقص فرحاً تقريباً لأنني حوَّلت هذا الصدر إلى مزرعة للتبغ منذ أن كنت في الرابعة عشرة، ومع ذلك فهو صامد صموداً حديدياً. شكراً لصدري الذي تحملني كثيراً!. لكن هناك مشكلة صغيرة ويقول الطبيب انه «ممكن حلها عبر التغذية ولا داعي للدواء» في نسب تشكيلات الدم («لديك تفاوتات غير طبيعية»). «في الحقيقة سيدي لست متعجباً من ذلك لأنه لم يخطر ببالي أبداً ان دمي متَّسق مع ذاته أو مع أي شيء آخر!». لا أعتقد أن الطبيب قد فهمني.
(3)
قراءة مجموعات وترجمات إيتيل عدنان الشعرية التي أرسلتها مؤخراً – هادئة حتى في مرارتها. مقالتها التي تعرج فيها على لورنس العرب كذلك جيدة.
الجمعة، 26 فبراير 1999، أوستن.
كثيرٌ مما يَسْحَقُ في التَّذكر.
السبت، 27 فبراير 1999، أوستن.
(2) [1 ليس للنشر راهناً]
لأول مرة أشاهد أنجِلا ديفِس وهي تتكلم عوضاً عن قراءة أعمالها فقط (وكان ذلك في محاضرة ألقتها في نيويورك وبثتها محطة C-SPAN في وقت مبكر من الصباح كالعادة لضمان أن لا أحد سيشاهدها سوى المصابين بالأرق الحاد المزمن أمثالي!). انها إمرأة سوداء جميلة (هي نفسها تصر على «سوداء» هذه)، جميلة حقاً (ولا أدري لماذا يعتقد البعض انه لا يحق للمفكرين والمفكرات أن يكونوا وسيمين وأن يكنَّ جميلات)، وفتيَّة الظهور والحضور، ونشطة وحيوية الروح، بعد كل سنوات التعب والمعاناة منذ انتمائها لمنظمة «الفهود السود» المحظورة، وسجنها، وانتهاء بأن أصبحت أكاديمية لامعة تُدَرِّس في برنامج الدكتوراة النخبوي والفريد من نوعه في العالم «تاريخ الوعي» في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز (أما مسألة ان خريجي ذلك البرنامج يجدون صعوبة كبيرة في التوظيف الأكاديمي فتلك مسألة أخرى!). إنها امرأة فاتنة فعلاً وبكل معاني الكلمة.
قبل مشاهدتي لهذه المحاضرة المتلفزة ارتبطت أنجِلا ديفِس بصرياً في ذاكرتي بصورتها الشهيرة بالأبيض والأسود وهي تمد ذراعها الأيمن وتطوي قبضتها بالتحية الثورية لمنظمة الفهود السود وتسريحة شعرها «الأفرو» في سياق المحاكمات – صورة مليئة بالكبرياء، والعنفوان، والعناد، والشجاعة. أظن انه اعتباراً من الليلة ستحل في ذاكرتي الصورة المتلفزة الملوَّنة محل الصورة الفوتوغرافية القديمة.
كان موضوع محاضرتها ما أسمته ال «المُجَمَّع السِّجني الصناعي» وذلك في استعارة عبقرية من مألوف العبارة في السياسة الأمريكية المعارِضة «المُجَمَّع العسكري الصناعي» الذي من المعروف انه يحكم الولايات المتحدة عبر دُمَاهُ «المُنتَخَبَة ديمقراطياً» في البيت الأبيض. في الولايات المتحدة هناك مليونا سجين ينتمون إلى فئات عرقيَّة، وإثنيَّة، واقتصادية معيَّنة. وديفِس – السجينة السياسيَّة السابقة حيث أشارت إلى تجربتها في السجن– تكشف بصورة مبدعة عن أوجه علاقات الاستغلال البشعة التي يشترك فيها النظام السِّجني مع النظام الصناعي والنظام الأمني. مذهلة حقاً هذه المرأة في قوتها وإصرارها على موقف جذري ترى ان عليه الدأب والاستمرار بمفردات وأفكار جديدة حتى في هذا «الزمان الرخو».
(3)
ليلاً في LOVEJOYS، أفضل منتبذ ليلي في العالم. قررت أن أجيء إلى هنا في الغد أيضاً حتى أقفل الأسبوع مع نهايته، وبعد ذلك سأتوقف عن LOVEJOYS لفترة، فقد أهملت كل شيء تقريباً في الفترة الفائتة، ويجب أن أعود لكتابة الأطروحة. حتى حبي لل LOVEJOYS أصبح محتاجاً – مثل أي حب حقيقي آخر – لبعض المسافة.
الأحد، 28 فبراير 1999، أوستن.
(1)
ظهراً: حضور العرض الفني الراقص «مشروع الحركة المُنَصْنَصَة» [من «نَص»] الذي قدمته مجموعة STILLPOINT Dance برفقة [...] وآني وإسماعيل. كان العرض محبِطاً إذ لم تكن هناك علاقة بنيوية بين الكلمات والرقصات، بين الكلمات والجسد؛ بمعنى ان الأمر لم يخرج عن كونه إسقاطاً فوقياً، ومصطنعاً، ومفتعلاً، وديكوراً خارجياً. أستثني فقرة الأطفال التي أعجبتني فيها النظرات أكثر من أي شيء آخر (وقد دهشت فعلاً لأن النظرات عادة ما تأخذ المرء في السينما – في اللقطات المقَرَّبة جداً مثلاً – وليس في عمل مُمَسْرَح): نظرات الأطفال وهم يبتعدون راقصين برشاقة عن عالم الكبار ويتبرأون منه.
إنني أتوق منذ مدة طويلة لمشاهدة/ قراءة/ الاستماع إلى عمل تنهار فيه المسافات بين الفنون بصورة مقنعة، ومن الداخل لا الخارج. هذا هو بالضبط السبب الذي يدفعني إلى احترام تلك المسافة والخوف منها وفيها. أظن أن تحفظاتي على «النص المفتوح» وجيهة مع انني أحاوله من غير قصد تقريباً.
(2)
ليلاً: LOVEJOYS. آه، لقد تعبت فعلاً من LOVEJOYS. لقد صرت أكره .LOVEJOYS
------------------------------
(1). «سَرْدَنَة» هي اجتهادي الشخصي في تعريب مفهوم ال «narrativization». التعريب السائد هو «تسريد» (هامش أضيف إلى الأصل في يوم الخميس، 21 أكتوبر 2010، مسقط).
(2). انضمام طلبة الثانويات والجامعات الفرنسيين إلى المظاهرات المطالبة حالياً بإلغاء مشروع رفع سن عمر التقاعد من 60 إلى 62 سنة دليل على عودة «روح 68» إلى فرنسا حسب التقارير والتحليلات الإخبارية. (هامش أضيف إلى الأصل في يوم الخميس، 21 أكتوبر 2010، مسقط).
(3). لكن هذه تبقى مجرد تفاصيل. سيتذكر التاريخ ما قاله فيديل كاسترو في خطاب التشييع الرسمي لتشي غيفارا بعد اكتشاف رفاته في القبر الجماعي في بوليفيا وإعادتها للدفن في كوبا بناء على إصرار كاسترو: «شكراً لك لأنك تعود إلينا في هذا الزمن الصعب الذي نحتاج إليك فيه!» (هامش أضيف إلى الأصل في يوم الخميس، 21 أكتوبر 2010، مسقط).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.