طالما تميز المصريون بخفة الظل، لدرجة أن الأسابيع الأخيرة وما شهدته من حوادث قتل بشعة خلال المظاهرات، لم تستطع أن تهدد روحهم المرحة. فعلى الرغم من الأجواء المتوترة التي تعيشها مصر ودماء الشهداء والجرحى الذين سقطوا خلال الاحتجاجات، يحاول المتظاهرون والمعتصمون في ميدان التحرير التغلب على حزنهم بكتابة لافتات، وإلقاء شعارات يجوبون بها الميدان حصدا للابتسامات من قلوب المعتصمين. على الأطراف البعيدة للميدان توجد تلال مكدسة من القمامة، كُتب عليها 'مقر الحزب الوطني الجديد'، حيث يتطوع شباب المتظاهرين بجمعها يوميا حفاظا على صحة المعتصمين، ومظهرهم الحضاري، ويرددون عبارات ساخرة أثناء عملهم لحث المتظاهرين على وضع القمامة في الأكياس المخصصة لذلك، مثل 'تبرعوا للحزب الوطني' و'عبّر عن رأيك في الحزب الحاكم'. وردا على مزاعم الإعلام الرسمي بتبعية المتظاهرين لجهات أجنبية تدفع لهم بالدولارات واليورو، يقف أحمد عبدالرحمن (23 عاما) ممسكاً بأوراق صحافية مُزقت لتكون في حجم الأوراق النقدية، ويوزعها على الموجودين بالميدان قائلا: 'تفضلوا نصيبكم من دولارات الثورة، مطالبا الشباب العاطلين بالحضور إلى ميدان التحرير لتأمين مستقبلهم'. وعلى طريقة شركات الهاتف الجوال، استخدم أحد شباب المتظاهرين جملة: 'إلى الرئيس مبارك عفوا لقد نفد رصيدكم'، بينما استخدم آخر عبارات تحذيرية تستخدمها شركات السجائر للتحذير من خطورة التدخين، قائلاً: 'الحزب الوطني يُدمر الصحة ويسبب الوفاة'. ويبدو أن أحدهم اخترع شائعة عن تلقي المتظاهرين في الميدان 3 وجبات أطعمة جاهزة يوميا من مطعم 'كنتاكي'، رغم توقف أنشطتها بالقاهرة منذ اندلاع أحداث الغضب، ما دعا الطفلة آية أسامة (10 أعوام) إلى رفع لافتة غاضبة كتبت عليها: 'كنتاكي قافلة يا غبي'. وفي محاكاة لثورة تونس يطالب أسامة عبدالظاهر (35 عاماً) الرئيس مبارك بالرحيل الفوري عن الرئاسة، والتوجه إلى المملكة العربية السعودية، وفي حال رفضه، يتمنى عبدالظاهر من مبارك توفير 80 مليون فرصة عمل في السعودية للمصريين حتى يرحلوا هم. وفي ما بدا سخرية بالغة السواد من الوضع القائم في مصر حمل شريف (31 عاماً) لافتة كُتب عليها: 'ياريت مبارك كان ضرب مصر بالطيران سنة 1973، وحكم إسرائيل 30 سنة'. محمود باهي (21 عاماً)، معتصم في الميدان منذ 25 يناير الماضي، ويعاني كثافة شعر رأسه ولحيته، يوجه خطابا عاجلا على لافتته إلى الرئيس مطالبا إياه بالرحيل سريعا، حتى يتمكن من تشذيب وتهذيب شعره، بينما طلب صديقه أيمن رحيل مبارك حتى يتمكن من الاستحمام وغسل ملابسه. أبناء الصعيد كان لهم حضور لافت في التظاهرات، وعبروا عن موقفهم من الرئيس مبارك، ولكن بلهجتهم الخاصة والمميزة، فكتب أحدهم 'لع يا مبارك'، بينما عبر أحمد نصر (45 عاما) عن استغرابه تمسك الرئيس مبارك بسدة الحكم بهتافات تقول: 'لازق ليه في الكرسي يا خال... نسينا نجبلك كرسي تيفال'، مشيرا إلى أحد أنواع أواني الطهي التي لا تلتصق بها الأطعمة.