على العكس تماما مما جرى في تونس ومصر ، تبدو اليمن الآن منقسم شارعها إلى محورين رئيسيين تتفرع من تلك المحاور قوى وتجمعات مختلفة الوجهة والمآرب ، وان جمعها آنياً المصلحة المتمثلة بإسقاط النظام أو بقاءه . فعلى الجانب المطالب بإسقاط النظام برز اللقاء المشترك – وهو تحالف معارض في اليمن لم يكن ينادي باسقاط النظام قبيل ما جرى في تونس ومصر ، وقوة غائبة الملامح والوجهة تسمى الشباب الثائر نشأت بالتزامن مع نهاية الثورة المصرية، وقوة أخرى كانت تعتبر في خانة التمرد وهي الحركة الحوثية شمال اليمن خاضت معها السلطات ستة حروب ، تلك ابرز القوى البارزة على الساحة بالإضافة إلى تجمعات قبلية دعتها المصلحة والاختلالات الادارية والمالية في البلاد. على الجانب الآخر يبرز المؤتمر الشعبي العام – الحزب الحاكم في اليمن – وصاحب الشعبية الأعلى التي منحته الأغلبية في مقاعد السلطة المحلية والتشريعية وحلفاؤه من أحزاب وقوى سياسية وقبلية وفعاليات ومنظمات مدنية . ومؤخراً ، شهدت الساحة اليمنية انشقاقا لجزء من الجيش اليمني بقيادة اللواء علي محسن الأحمر – الأخ غير الشقيق للرئيس اليمني الذي ظلت انباء تباين توجهه وآرائه مع صالح محل لغط استمر عقدا من الزمن ، وهو ما اثبتته فعلا التطورات الأخيرة. وباستثناء الشباب المعتصم الغير منطوي تحت أي قالب سياسي ، المطالب بظروف معيشية وحياة أفضل ، تبدو الأجندة للقوى الأخرى المطالبة بإسقاط النظام أجندة صراع سياسي بحت لم تسعفها التجربة الديمقراطية في البلاد من البلوغ إلى مآربها ، فالتيار الاخواني الذي يمثله حزب الإصلاح – وهو الأبرز في مشهد السعي لاسقاط النظام – كان شريكا فاعلا في الحياة السياسية اليمنية منذ عام 1990م ، لكن تضاؤل شعبيته الذي نجم عنها تناقص مقاعدة في المحليات والبرلمان اليمني دفع به إلى التفكير في حلولا أخرى قد تقوض غريمه اللدود – المؤتمر الحاكم – وتتيح المجال لبلوغة إلى الحكم، وكانت فرصة – الشعب يريد إسقاط النظام – التي يأمل بها إسقاط الحاكم وربما اجتثاثه ، لن تتكرر. لقد عزز من مساعي التيار الاخواني الشق الملتحق به من الجيش اليمني بقيادة علي محسن صاحب الاجندة الاسلامية المتوافقة تماما مع منهجية الاخوان المسلمين واكبر الداعمين لهم على مدى عقود ، عزز من نوايا اسقاط النظام بمعاونة هامشية تمنحه شرعية ما يسميه الاجماع بانضمام بعض قيادات الحزب الاشتراكي المتهاوي بقوة ، والاستفادة من مطالب الشباب المعتصم بالإضافة إلى الحركة الحوثية في الشمال المعارضة للنظام وفق أجندتها الخاصة. وبالرغم من وجود اكثر من حركة في قائمة المطالبين باسقاط النظام الا ان المتابع للشأن اليمني يجد ان الاغلبية من الشعب لا تؤمن بتلك الأجندة وتؤيد التغيير بالطرق السلمية عبر الانتخابات . ومن هنا يسقط مفهوم الثورة بمعناها السامي والكامل لعدة أسباب ، لعل اهمها هو سيطرة الصراع السياسي على المعايير الثورية بالاضافة إلى انقسام الشارع اليمني بشكل واضح. كما ان انظمام اي قوة عسكرية نحو المطالبين باسقاط النظام على تلك الشاكلة وانخراطها في اي تصعيد مسلح قد يقود بها إلى سقوط النظام يعد معياريا انقلابا على مفهوم حيادية الجيش كما انه انقلابا على رأي غالبية الشعب وثوابت التغيير الديمقراطي ، ناهيك عن تداعياته الدامية التي ستجر بالبلد إلى حرب اهلية غير معلوم عواقبها . ووفق تلك الحيثيات التي قد تتجسد على الواقع لا قدر الله ، فان لا بوادر تطمينات تلوح في الافق في المضي باليمن على هذا الطريق ، بل بات العودة إلى طاولة الحوار مطلبا شعبيا ودينيا وانسانيا .