بالاضافة لجملة السمات والأبعاد العسكرية والإنسانية والبيئية الخطيرة التي أفرزتها جولة الحرب السادسة ضد الحوثيين المتمردين على سلطة الدولة والقانون ظهرت في أفق هذه الحرب بعض الأبعاد والتداعيات السياسية الداخلية والخارجية تنذر بعواقب خطيرة على علاقات الحكومة والسلطة اليمنية بباقي القوى والأحزاب المعارضة من جانب ومع بعض دول الجوار والعالم الخارجي من جانب آخر. وقبل أن نتعرض لبعض هذه المعطيات المستجدة لابد من توضيح الأساس الذي نبني عليه تقويمنا للوصول لاستنتاجات تطول النتائج السياسية المنعكسة في أوضاع ستؤثر في مستقبل اليمن لفترة ليست قصيرة، هذا الأساس يرتبط وينبني على نتائج هذه الحرب الدامية وتداعياتها الإنسانية والاجتماعية بما في ذلك تماسك البنية المكونة لحلقات السلطة والبناء المجتمعي الذي يشكل الحاضنة الاجتماعية والبناء التحتي لكل الحالة السياسية اليمنية المفتقدة لمقومات الحداثة والبناء الديمقراطي المتين والقادر على إنهاء التمرد وأشباهه في الشمال والجنوب دون إراقة المزيد من الدماء ودون أن نصل بالتناقض لمستوى يصبح فيه الحل شبه مستحيل. لقد أنتجت هذه الجولة من الحرب آلاف الضحايا بين مصابين وقتلى وأضعافهم من المشردين واللاجئين في وطنهم، كما أنتجت مزيد من التعرض للسياح الأجانب وضيوف البلد من القادمين إليه للإطلال على عراقة الحضارة اليمنية القديمة وآثارها الباقية في أنحاء متفرقة من البلاد. وفي سياق النتائج المباشرة لهذه الجولة من الحرب يبرز التحدي الواضح لسلطة الدولة في جملة التصريحات والمشاهد التي بثتها الفضائيات المختلفة حول معارك هنا وهناك وبالتالي الإقرار الواقعي بوجود جهة أخرى مقررة داخل اليمن بخلاف الحكومة تقدم السلطات اليمنية شروطها بشكل علني من أجل وقف القتال معها ويرد ذلك الطرف وتلك الجهة والتي تصفها السلطة ذاتها بالخارجة عن القانون بمبادرة تعتمد إتفاق الدوحة أساساً لوقف القتال والحل الذي ينشده الجميع. إن ميزة هذه النتيجة أنها تظهر المتمردين في بعض الأوقات أكثر عقلانية من الحكومة وأكثر حرصاً على مصلحة اليمن، ويزيد الأمر سوءً أن هؤلاء يرفعون بشكل مستمر شعارات العداء لأمريكا ولإسرائيل وينتهزون كل فرصة مواتية لإظهار هذه الشعارات الجذابة جداً للمواطن العربي داخل اليمن وخارجه. إن قدرة الحوثيين على الرد العسكري والتهديد بتوسيع مجالها لتشمل مناطق أخرى وسيطرتهم على مراكز العديد من المدن في صعدة وتواجدهم في محافظات أخرى بنسبة أقل لكن واضحة يعطي لادعاءاتهم بعض الهيبة والمصداقية، يضاف لذلك فشل الجيش في الانتصار النهائي على التمرد واضطرار الدولة للقبول في النهاية بوقف اطلاق النار، وهي التي استخدمت على مدار هذه الحرب تكتيك الأرض المحروقة التي ألحقت الكثير من الضرر بالمدنيين العزل من أجل تسجيل انتصار جدي عليهم دون جدوى. أما النتيجة الثالثة المباشرة لهذه الجولة فهي اتساع شقة الخلاف بين الحكومة والمعارضة بحيث وجدنا تناقضاً صارخاً بين دعوات أحزاب اللقاء المشترك لقبول الحكومة بوقف القتال ومعالجة الوضع الاجتماعي والاقتصادي لمناطق التمرد والذي يعني الإقرار بصوابية الدعوات الحوثية لاقامة عدالة اجتماعية في مناطقهم ومنحهم حرية ممارسة معتقداتهم ومذهبهم وبين ما تقوله الحكومة عن خروج هؤلاء المتمردين عن جادة الحكمة والصواب وكذلك على القانون من أجل امتيازات ليست من حقهم ولا يجوز منحها لهم تحت أي ظروف وأن أية قضايا تتعلق بطلباتهم يجب أن تأتي في سياق الإقرار بالعقد الاجتماعي والتسليم بنهائية الدولة اليمنية بصيغتها الحالية والعمل من خلال مؤسساتها الشرعية، وأن إلقاء السلاح والنضال المطلبي من خلال ما شرعه الدستور يجب ان يكون الناظم لحركة الحوثيين وغيرهم في اليمن، وهذه لم يصل فيها طرفا الحكومة والمعارضة لاتفاق قواسم مشتركة، ولا توجد مفاهيم ثابتة حول مدى الحرية التي يجب أن تعطى للناس من أجل التعبير عن مظالمهم ومتطلبات عيشهم الكريم، وبالمحصلة فهناك رأي عام يقول أن الحكومة عجزت عن معالجة هذه الحالة المنتجة لحروب ستبقى على الأرجح لفترة طويلة قادمة وهذه النتيجة كارثية بالنسبة لاستقرار اليمن الذي يحتاج حقاً لوجود نظام أكثر عدالة وأقل فساداً وحيث لابد من اعتراف الحزب الحاكم بوجود مشكلة حقيقية تحتاج لخطوات جريئة وحاسمة تجاه توسيع المشاركة الشعبية وقوى المعارضة وغيرها في القرار السياسي والإقرار بحقوق المواطنين على أسس المساواة والمواطنة. إن تساؤلات هامة طرأت بخصوص هذه الحرب تتعلق بدور الدولة والحكومة مثل من أين تأتي تكاليف هذه الحرب الدامية والحكومة تعجز عن توفير فروق أسعار القمح الذي يصنع منه الخبز وغيره من السلع الضرورية؟ وذات الأمر فيما يخص الحوثيين. النتيجة المتوقعة لاستمرار المعارك واتساع ابعادها وكثرة ضحاياها هي التدخل الخارجي من أجل البحث عن حل بدعاوى انسانية وغير ذلك وهذا ما لا تريده الحكومة ولا المعارضة والذي يضع اليمن تحت وصاية أو شبه وصاية كما يحدث في قصة دارفور بالسودان. كما أن اقتراب اليمن من الولاياتالمتحدة بشكل أكبر هو أحد نتائج هذه الحرب. صحيح أن هناك علاقات مميزة قبل ذلك وهناك تنسيق أمني بخصوص ما يطلق عليه محاربة الإرهاب لكن نتائج القتال غير المبشرة تجعل اللجوء لأمريكا وحلفائها في المنطقة أمراً منطقياً ومحتوماً بخلاف رغبة كل الشعب اليمني الذي يرى في الولاياتالمتحدة عدواً وحليفاً للكيان الصهيوني. وفي الشأن الخارجي يبرز احتداد النبرة تجاه إيران والاتهامات الموجهة لها على أساس دعمها المفترض للحوثيين وهي ذات التهمة التي وجهت لليبيا في السابق وبعض الغمز فيما يخص قطر أيضاً وفي هذا العنوان بالذات، كما أن القلق السعودي بدأ يتزايد فيما يتعلق باقتراب المعارك من أراضي المملكةا...الخ. لكن أخطر ما في نتائج هذه الحرب الضروس هو ظهور تناقض جديد وصراع أخذ شكلاً مذهبياً للتعمية على هذه الحرب التي أساسها تمرد قسم من اليمنيين نتيجة شعورهم بالظلم. إن الحديث الدائر منذ فترة عن صراع بين السنة والشيعة الزيديين وبأن الزيديين يرغبون في استعادة الامامة في اليمن وميلهم للتطرف على أرضية التزامهم بمذهب الإثنى عشريين المؤمنين بالإمام الغائب وبولاية الفقيه، ووقوع بعض الاشتباكات بينهم وبين السلفيين السنة، كل هذا يضع اليمن في مواجهة أزمة جديدة خطيرة إلى أبعد الحدود، ناهيك عن انتقادات خارجية ومواقف دولية تدين الافراط في استخدام القوة والذي تمارسه الحكومة ضد مناطق المتمردين حيث تطول مدنيين. الوضع اليوم يحتاج لمبادرات شجاعة من الحكومة والرئيس على عبد الله صالح على أساس إنهاء التمرد وإعادة صياغة الدولة ونظام الحكم فيها لاستيعاب كل قضايا الشعب اليمني بالمزيد من الحرية والديمقراطية والمشاركة من الكل والتوقف عن القمع والاعتقال وفتح الطريق أمام حلول عادلة تعطي كل ذي حق حقه.....وللحديث بقية. [email protected]