لجأ البنك المركزي اليمني مؤخرا إلى النقود التالفة لدفع رواتب الموظفين، لتعود هذه الأموال إلى التداول في السوق بعد سحبها على فترات خلال الأشهر الماضية لعدم صلاحيتها، في مؤشر خطير على الأزمة المالية في هذا البلد. ويعاني القطاع المصرفي اليمني أزمة حادة في السيولة النقدية من العملة المحلية منذ يونيو الماضي، أدت إلى عجز البنك المركزي عن تأمين رواتب موظفي الدولة للشهر الثاني على التوالي، كما فاقمت المعاناة المعيشية للناس. وقال تقرير حديث لوزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية صدر نهاية الشهر الماضي، إن نقص السيولة النقدية في التداول يرجع إلى ضعف ثقة الأفراد والتجار في القطاع المصرفي، ما أدى إلى امتناع المصارف عن تسديد استحقاقات المودعين لديها وإلى تعميق الأزمة. وتأثر القطاع النقدي في اليمن بشكل كبير بعدم الاستقرار الناتج عن الحرب، وانكمشت موازنة النظام المصرفي، نظرا لسحب الودائع على نحو كبير سواء الودائع بالعملة المحلية أو بالأجنبية. واعتاد الموظفون على تقاضي رواتبهم الحكومية من فئة ألف ريال يمني (4 دولارات)، لكن في الأشهر القليلة الماضية، كان البنك المركزي يصرف الرواتب بنقود تالفة من فئتي 100 ريال و250 ريالا. وقال نجيب الشرعبي، ويعمل موظفا حكوميا للأناضول إن “النقود التالفة خلقت لنا أزمة كبيرة.. التجار يرفضون التعامل بها، والجهات الحكومية تقول إنها لا تستطيع توفير غيرها فنضطر إلى قبولها”. وأضاف “كنا نتسلم الرواتب بحدود 80 ورقة من فئة ألف ريال، والآن نتسلم ثمان رُزم من فئة 100 ريال وأغلبها تالفة غير صالحة للتداول.. لم نشهد مثل هذا الانهيار”. نقص السيولة النقدية يرجع إلى ضعف ثقة الأفراد والتجار في المصارف ويواجه اليمنيون صعوبة في تصريف الأوراق النقدية التالفة والممزقة التي أصبحت مصدر إزعاج مستمر في التعاملات وأنتجت مشاكل بين المتعاملين بها والتجار في أسواق التجزئة. وترفض العديد من محلات بيع السلع الغذائية وكذلك وسائل النقل وشركات الصرافة والتحويلات التعامل بالنقود التالفة التي أصدرها البنك المركزي. ويقول مصرفيون إن عدم قبول تلك العملات التالفة يرجع إلى كونها ممزقة وغير قابلة للعد بآلات عد النقود الإلكترونية، وتستدعي زيادة عدد الموظفين من أجل عدها يدويا، وهذا غير ممكن في ظل الظروف الحالية.
وتعرض الاقتصاد اليمني لعدد من الهزات منذ اندلاع الحرب في أواخر مارس العام الماضي، أبرزها تهاوي قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية واستنزاف الاحتياطي المالي الأجنبي. واعتبر الخبير المصرفي اليمني طارق عبدالرشيد، أنه في ظل صعوبة طباعة أوراق نقدية جديدة، فإن أحد الحلول العاجلة يتمثل في خفض قيمة العملة المحلية مجددا. وقال عبدالرشيد “ليس أمام السياسة النقدية غير مدخل تخفيض السعر الرسمي للريال اليمني، إلى مستوى سعره في السوق الموازية وهو 300 ريال للدولار الواحد”، مقارنة مع 251 ريالا في السوق الرسمية. واعتبر أن مثل هذا القرار يأتي ضمن السياسة النقدية، ويهدف إلى ردم الفجوة القائمة بين سعري الصرف الرسمي وفي السوق السوداء. ويتراوح سعر الريال اليمني في السوق الموازية بين 300 و320 ريالا للدولار الواحد، ولا يتم التعامل بسعر البنك المركزي ويتحكم المضاربون في سعر الصرف داخل السوق المحلية. وقرر البنك المركزي اليمني في الحادي والعشرين من مارس الماضي، خفض سعر العملة المحلية إلى 250 ريالا من 215 ريالا للدولار الواحد. وعلى الرغم من مساوئ تخفيض السعر الرسمي للريال بموازاة السوق السوداء، إلا أن عبدالرشيد يرى أنه يمثل “الخطوة الأولى في طريق إعادة إنعاش البنوك المعطلة حاليا كي تقوم بدورها المأمول ولو بأدنى مستوياته”. 1.1مليار دولار الاحتياطي الأجنبي لليمن في مايو الماضي، بعد أن كان 4 مليارات دولار قبل الحرب ويرى أن مواجهة الضائقة المالية الحالية، تتطلب أولا بدء عملية إنعاش الاقتصاد المحلي من خلال إعادة تأهيل القطاع المصرفي اليمني بغرض استعادة ثقة المتعاملين، خصوصا التجار وعودة تعاملاتهم النقدية مع المصارف. ومن شأن خفض سعر العملة المحلية أن يصعد بأسعار المستهلك (التضخم)، إلى مستويات مرتفعة، تزامنا مع معاناة السكان من تراجع في توفر فرص العمل وارتفاع نسب الفقر وعدم قدرة العاملين على تقاضي رواتبهم بانتظام. وتتهم الحكومة الشرعية، الحوثيين، الذين يسيطرون على البنك المركزي في صنعاء، باستنزاف الاحتياطي الأجنبي لليمن، والذي تراجع من 4 مليارات دولار قبل الحرب إلى 1.1 مليار دولار في مايو الماضي. وأعلن رئيس الحكومة اليمنية، مطلع أغسطس الماضي، وقف التعامل مع البنك المركزي بعد فترة وجيزة من قرار يتضمن الاحتفاظ بإيرادات المحافظات المحررة الخاضعة لسيطرة الحكومة ووقف توريدها للبنك المركزي الخاضع للحوثيين. ودخل اليمن، وهو منتج صغير للنفط، في ضائقة مالية بسبب الحرب وتوقف إنتاج وتصدير النفط والإيرادات الجمركية، وتفاقم استنزاف الحوثيين لما تبقى من موارد البلاد وتسخيرها للمجهود الحربي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض وتراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي للبلاد.