انطلقنا ظهراً إلى ريدة حيث منزل القتيل ماشا النهاري ,بدموع وحزن لايمكن وصفه استقبلتنا أسرته , حين تراه تشعر وكأن خبر مصرع ولده أتاه للتو مصدوم سارح بأفكار لانعلمها ,يتحدث بصعوبة وكأنه لم يصدق أن ماشا ولده الوحيد قد رحل دون رجعة تاركا له أمانة أطفاله التسعة وأرملته. يعيش النهاري المفجوع بفلذة كبده والعائد لتوه اليوم الاثنين من عند محافظ عمران الذي وعدهم بمنحهم الحماية وكافة الحقوق وتعويض الذين تعرضوا للأذى من أبناء الطائفة اليهودية في مسيرة الأحد. يقول النهاري لم نعد نريد البقاء هنا نريد أن نرحل لانشعر بالأمان كنا زمان أمنين ونعيش بسلام هنا أما اليوم فنحن مهددون. في الجلسة السابقة في المحكمة هددنا ذوي القاتل انه لو اعدم أو حدث له شيء فإنهم سيقتلون جميع اليهود!ويضيف لم نعد نعلم أيهما أفضل لنا أو أكثر أمنا هنا أو صنعاء لكن لو أتتنا فرصة لمغادرة البلاد سنغادرها. كان ألمنا كبير ولكن ليس اكبر من ألمهم ولا أعمق من جرحهم , لم يرتكب المواطنين اليهود في بلادنا أي جرم وماشا كان محبوب من الناس فلما يقتل؟ فقط لأنه غير مسلم ومنذ متى كانت اعتناق الديانة بالإكراه وقوة السلاح , من أعطانا حق إجبار الناس على اعتناق ما نريد نحن؟ الم يقل القران ان لهم دينهم ولنا دين ؟ الم يتعايش رسول الله مع اليهود؟ لم نستطع محاربة الصهاينة فجئنا لنقتل هؤلاء المواطنين المسالمين فقط لأننا نستقوي على الضعفاء! لم ولن يضروننا بشيء أقلية لاتستطيع فعل شيء مسالمون لايحملون أي نوع من السلاح فهم يظنون أن لا احد يتربص بهم وان الدولة تحميهم ولا عداء لهم مع احد ,على عكس البعض الذين يدَعون الدفاع عن الإسلام في حين هم يشوهون يقدمون صورة مشوهة للإنسان المسلم ولديننا المتسامح بأفعالهم التي لاتمت للدين ولا للأخلاق بصلة. أسرة القتيل ماشا لاتطلب أكثر من حقها القصاص وكما قالوا حكم الله تعالى وحكم نبيه محمد ابن عبد الله فهل تحقق لهم المحكمة ذلك؟ لقد قال سبحانه " أن النفس بالنفس" ولم يحدد إن كانت تلك النفس يهودية أو مسيحية أو مسلمة لأنها عند الله واحدة ودماء وأرواح الناس محرمة بغض النظر عن ديانتهم وعقيدتهم وأبناء الطائفة اليهودية في بلادنا لايقاتلوننا ويعيشون معنا بسلام ولا يشكلون أي خطر. بطرق لا إنسانية ولا دينية حتى 'ونتمنى أن ينصفهم القضاء وتقتص الأسرة من القاتل. في المحكمة وأمام جمع من الناس وأمام القاضي والمحامين والصحفيين ذوي المتهم بالقتل عبد الرزاق العبد يهددون اليهود ذوي القتيل إن حدث له شيء أو اعدم سيقتلون جميع اليهود وكأن دماء اليهود مباحة ولا يحق لهم القصاص ممن قتل ابنهم! وكأنه عليهم أن يسكتوا عن دم ابنهم ومع ذلك التهديد أشعرهم بالخوف والظلم أكثر وهم في خطر حقيقي كيف لاوهم يهددون في المحكمة حيث ينتظرون حكما ينتصر لهم وللعدالة ومن قاعة المحكمة يتعرضون للتهديد؟ قبل سنوات قتل يهودي ولم يقتل القاتل لأنه مجنون وهكذا كلما قتل يهودي فالقاتل مجنون وكأن أرواح ودماء هؤلاء مباحة, الأنهم يهود ولا ظهر ولا قبيلة ولاسند لهم ولادولة تحميهم؟ أنهم مواطنين لهم حقوق مثلنا ويترحمون على الشيخ مجاهد أبو شوارب رحمه الله بعد مقتل يهودي في مديرية خارف قبل ما يقارب ال15 سنة حماهم وكانوا أمنين مطمئنين ولم تحصل حادثة قتل مذاك وحتى مقتل ماشا! في فلسطين تسيل دماء إخوتنا على يد بني صهيون وفي اليمن تسيل دماء مواطنين يهود حددوا موقفهم مما يحصل في غزة ومن احتلال فلسطين لا يعترفون بدولة الكيان الغاصب هم يعترفون بدولة فلسطين ولكن حتى تلامذة المدارس لم يسلم هؤلاء منهم خرج طلاب بمحافظة عمران في مظاهرة تضامناً مع أبناء غزة الجريحة فتوجه جل انتقامهم ضد أبناء الطائفة اليهودية ليعتدوا عليهم ويضربونهم حتى تسيل دماءهم وكأنهم بذلك الفعل قد انتقموا من بني صهيون! لما يفعلون ذلك وقدم اليهود في اليمن أروع نموذج حين تبرعوا بدماءهم وحلي نساءهم في الانتفاضة الثانية تضامنا مع غزة. دمائنا حرام عليهم ودماؤهم حرام علينا وكل من ارتكب جريمة فالقانون يعاقبه كان يهوديا أو مسلما ولايمكن لأحد فرض على دينه وعقيدته لا شرعنا ولا أخلاقنا كل له دينه وعقديته وأفكاره. نعود إلى ماشا المدرس لأبناء الطائفة أب لتسعة أطفال 4 أولاد و5 بنات أكبرهم فتاة في الرابعة عشر من عمرها وأصغرهم جبرائيل "10 أشهر" بعد مقتله كانت الحكومة اليمنية وعدتهم براتب فأسرتهم كبيرة ومعيلهم قتل لكنهم لم يستلموا حتى الآن فلسا واحدا. تقول لوزة زوجة ماشا صعدت في التاسعة صباحا إلى سقف المنزل وسمعت صوت الرصاص فلم اعر ذلك انتباها لأننا دائما في ريدة نسمع أزيز الرصاص ولم أكن اعرف أن تلك الرصاص التي سمعتها قد اخترقت جسد زوجي وانه هناك خلف سيارته مضرجا بدمائه. وواصلت قائلة خرجت أم ماشا وراء احد أبنائي الذي كان يريد الخروج مع والده لتعرف مالذي يبكيه ولم تر ماشا فسألت صاحب الدكان بجوارهم هل رأيت ماشا؟ وانكر ان يكون رآه في حين كان الشاب عند إطارات سيارته مرميا جثة هامدة بعد أن اخترقت رصاصات الغدر جسده! صرخت والدته " قتلوا ابننا.. قتلوا ماشا" وتضيف زوجته نحن ليس لدينا أعداء وماشا محبوب من كل الناس ولم يرتكب أي جريمة فلما يقتلونه.. رحل وترك لي تسعة أبناء لا احد لديهم سوى جدهم الكبير في السن والذي لم يعد يقوى على شيء ونريد من المحكمة العدالة.. نريد قتل من قتل زوجي!
أخته العائدة من الخارج تقول لم اعلم من اتصل بابني وزوج أختي يخبرهم أن أخي قد قتل أتيا إلينا يخبروننا بذلك لم نتوقع ذلك فأخي لا أعداء له. طلبت من ابني حجز تذاكر لنا للعودة إلى اليمن وجئنا مسرعين وكلنا أمل أن يكون ما سمعناه مجرد إشاعة وكابوس , ليس صحيحا أن ماشا قد قتل وزادت والدموع تنهمر بحرقة على خديها هو شقيقنا الوحيد ليس لدينا غيره ومهما كان الثمن لن نقبل بغير القصاص وإعدام قاتله الذي ذهب إلى بيته وقتله دون سبب وتساءلت مالذي فعله لهم أخي حتى يقتلوه ويحرموننا منه؟ وتضيف شقيقة القتيل أبي وأمي كبيران في السن وبقيت أنا هنا لأهتم بهما أمي لاتنام الليل وان نامت تصحى لتصرخ وتبكي وتنادي على ماشا وأبي كذلك كل يوم يبكي أخي فلم استطع تركهم بهذه الحالة. لم نجد أم ماشا لكن ونحن نهم بالخروج من منزلهم رأيناها تدخل وقفنا نتحدث إليها ومجرد أن رأتنا صرخت وبكت وانتحبت كانت تبكي وحيدها وترتجف وتقول" جروا ابني" أي أخذوه ورددتها وهي تنتحب عدة مرات استقبلتنا شقيقته بدموع حرى انهمرت دون توقف وودعتنا أمه بدموع ورحلنا نحن نحمل الحسرة والحزن والألم عجزنا حتى أن نعبر عن تعاطفنا معهم لم يكن بيدنا شيء سوى بضع كلمات " إن شاء الله سيأخذ القاتل جزاء فعلته" وتساءلنا فيما بيننا مالذي فعلته تلك الأسرة لتعاقب بتلك الوحشية.. بقتل وحيدهم ؟ انتقلنا إلى مديرية أخرى مديرية خارف وفي قرية هراش التقينا بأسر من الطائفة اليهودية كانت في غرفة الضيوف نسوة لم استطع أن أميز اليهوديات من المسلمات نفس الزى والعادات والتقاليد .. اسر محافظة.. يتناولن القات وحين سمعت إحداهن تستشهد بحديث لرسول الله ظننتها مسلمة وأخرى تحفظ آيات من القران الكريم فكيف لي إذاً التمييز هنا من المسلمة ومن تنتمى لطائفة اليهود , في قرية هراش يتعايش المسلمون وأبناء الطائفة اليهودية بسلام ,مايقارب ال15 " أسرة يهودية تعيش في هذه القرية ولا يتعرضون للمضايقات ولا للاستفزاز غير انه إذا ما خرج أحدهم إلى السوق أو ريدة تبدأ المضايقات والإستفزازت البعض حين يرونهم يصرخون بوجوههم " ياكلاب.. يايهود.. ياخنازير سنقتلكم" ويتعرضون للرجم بالحجارة والسب والشتم وحين يشكون للمحافظ يعدهم الحماية لكنه لايفعل. سألت بعض النسوة اليهوديات ما إذا كن يرغبن فعلا مغادرة القرية والرحيل إلى صنعاء؟ جميعهن لايردن مغادرة القرية وترك منازلهن لكن الخوف وازدياد المضايقات والتهديدات جعلهن يوافقن مرغمات لا احد هناك سيحميهن لا شيخ ولا محافظ ولا دولة. قلن نحن لانطلب غير الحماية ولم نشأ الرحيل هذه منازلنا وتعودنا على الحياة هنا ونجب جيراننا. بعد حادثة مقتل ماشا في ريدة أبناء الطائفة في مديرية خارف شعروا بالخطر يقترب منهم لم يعد بمقدورهم الخروج إلى الأسواق وشراء حاجياتهم ..إحداهن ترافق زوجها حيثما ذهب لاتفارقه كما تقول خوفا من تعرضه للأذى وتقول انه من العيب مرافقة المرأة للرجل في كل مكان لكن الخوف والخطر الذي يلاحقهم جعلها تفعل ذلك مكرهة فلربما يتعرض زوجها لأذى ولا يعلم به احد أبناءها لايغادرون المنزل وبعض الأسر تستعين بجيرانها المسلمين لشراء حاجياتهم. أنهم يعيشون رعبا حقيقيا ولا يدرون سببا لذلك. حتى المسلمات اللاتي التقيت بهن في منزل أسرة يهودية قلن نحن لانريدهم أن يرحلوا ومنذ علمنا ونحن نبكي لقد عشنا سنوات طويلة مع بعضنا.اليهود هنا ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين وضد ضرب غزة , في الانتفاضة الأخيرة تبرع البعض منهم بدمائه من اجل أبناء فلسطين والنساء منهن من تبرعن بذهبهن لأجلهم فلما يضايقونهم وتقاطعها المرأة من الطائفة اليهودية نعم نحن نشارك المسلمين أفراحهم وأحزانهم وأعيادهم ونساعدهم في الطبخ وفي كل شيء وترين ما يفعل البعض منهم بنا دون سبب! طائفة اليهود في عمران تستعد الآن للرحيل إلى صنعاء مكرهة مرغمة بعد تزايد الاعتداءات والتهديدات وقيل سيذهب إلى العاصمة أربعة أشخاص منهم إلى الشيخ محمد الشائف لمعرفة كل تفاصيل حياتهم ومسكنهم الجديد ويتساءلون هل سيكونون هناك في أمان؟ ويتساءل والد ماشا هل سينصفه القضاء؟! صحيفة الوطني