جرعة قاتلة في سعر الغاز المنزلي وعودة الطوابير الطويلة    العثور على جثة ''الحجوري'' مرمية على قارعة الطريق في أبين!!    كوريا الجنوبية المحطة الجديدة لسلسلة بطولات أرامكو للفرق المقدمة من صندوق الاستثمارات العامة    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    صاعقة كهربائية تخطف روح شاب وسط اليمن في غمضة عين    الهلال يهزم الأهلي ويقترب من التتويج بطلا للدوري السعودي    رئيس مجلس القيادة الرئاسي يعود إلى العاصمة المؤقتة عدن    مليشيا الحوثي توقف مستحقات 80 عاملا بصندوق النظافة بإب بهدف السطو عليها    انهيار جنوني متسارع للريال اليمني .. والعملات الأجنبية تصل إلى مستوى قياسي (أسعار الصرف)    تهامة.. والطائفيون القتلة!    الرئيس الزُبيدي يبحث مع مسئول هندي التعاون العسكري والأمني    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    أول تعليق أمريكي على الهجوم الإسرائيلي في مدينة رفح "فيديو"    وتستمر الفضايح.. 4 قيادات حوثية تجني شهريا 19 مليون دولار من مؤسسة الاتصالات!    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد.. صور لعدد من أبناء قرية الدقاونة بمحافظة الحديدة بينهم أطفال وهم في سجون الحوثي    قيادي حوثي يفتتح مشروعًا جديدًا في عمران: ذبح أغنام المواطنين!    العثور على مؤذن الجامع الكبير مقتولا داخل غرفة مهجورة في حبيل الريدة بالحج (صور)    حقيقة فرض رسوم على القبور في صنعاء    بأمر من رئيس مجلس القيادة الرئاسي ...الاعدام بحق قاتل في محافظة شبوة    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    الرئيس الزُبيدي يطالب بخطط لتطوير قطاع الاتصالات    فتيات مأرب تدرب نساء قياديات على مفاهيم السلام في مخيمات النزوح    أبطال أوروبا: باريس سان جيرمان يستضيف بوروسيا دورتموند والريال يواجه بايرن في إياب الدور قبل النهائي    البرلمان العربي يحذر من اجتياح رفح جنوب قطاع غزة    الذهب يصعد متأثراً بآمال خفض اسعار الفائدة الأميركية    فارس الصلابة يترجل    السياسي الوحيد الذي حزن لموته الجميع ولم يشمت بوفاته شامت    عودة نجم بايرن للتدريبات.. وحسم موقفه من صدام الريال    التشكيل المتوقع لمعركة الهلال وأهلي جدة    مسيره لطلاب جامعات ومدارس تعز نصرة لغزة ودعما لطلاب الجامعات في العالم    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    «كلاسيكو» الأهلي والهلال.. صراع بين المجد والمركز الآسيوي    ضعوا القمامة أمام منازل المسئولين الكبار .. ولكم العبرة من وزير بريطاني    رشاد العليمي وعصابته المتحكمة في نفط حضرموت تمنع تزويد كهرباء عدن    سلطات الشرعية التي لا ترد على اتهامات الفساد تفقد كل سند أخلاقي وقانوني    صنعاء.. اعتقال خبير في المواصفات والمقاييس بعد ساعات من متابعته بلاغ في هيئة مكافحة الفساد    تغاريد حرة.. رشفة حرية تخثر الدم    ليلة دامية في رفح والاحتلال يبدأ ترحيل السكان تمهيدا لاجتياحها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    هل يستطيع وزير المالية اصدار كشف بمرتبات رئيس الوزراء وكبار المسئولين    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عميل سابق عابر للحدود
نشر في مأرب برس يوم 14 - 02 - 2009

ب ن معيلي يكشف عن علاقته المزدوجة بالمباحث السعودية وجهاز المخابرات اليمني، ويتحدث عن المهمة "الحساسة" التي أوكلت له في العراق
بالنسبة ل أحمد بن معيلي كان ينبغي أن يكون السبت الفائت يوماً بهيجاً: لقد تم الإفراج عنه بعد 9 سنوات من الجحيم في السجن، ذاق خلالها مرارة الألم وحيداً، ومحروما تماماً حتى من زيارة عابرة لأشقائه في مأرب الذين تبرؤوا منه، أو من أولاده وزوجته المقيمين قسراً في مصر، وزوجة أخرى اختفت في ظروف مجهولة لا يعلم هو ولا أبناؤها القاطنون في العراق عنها شيئاً. بل وأسوأ من ذلك كله: فالرجل السبعيني بلا هوية أو وطن، وظل يحاكم كفاقد للجنسية اليمنية، بتهمة التورط في عمليات تزوير جوازات سفر ووثائق رسمية.
الفرحة التي كان ينبغي أن تكون لم تكتمل بعد. فعدا أنه غادر السجن المركزي بصنعاء، إلى سجن أكبر في هذا العالم، فإنه ما يزال يشعر بأن حياته كلها لم تتغير.
إنه منزوع الجنسية والهوية الشخصية. الأمر الذي يعيق حركته كلياًً، فهو لا يستطيع تجاوز نقاط العاصمة، بل لا يستطيع الحركة داخل صنعاء نفسها، إلى حد أن كل الأبواب باتت أمامه موصدة، حتى تلك الفنادق التي يمكنه أن يأوي إلى أحدها مضطراً لعدم امتلاكه أي منزل أو صديق يأوي إليه. كما ليس في مقدوره مزاولة أي عمل أو القيام بأي شيء يشعره بإنسانيته المفقودة على أعتاب مصلحة الهجرة والجوازات منذ العام 1998.
وباختصار: الحرية الذي حظي بها أحمد بن معيلي بضمانة حضورية، لا تعدو كونها انتقالاً إلى مرحلة جديدة من مراحل التمزق والعذاب اللذين يعصفان بحياته، مع امتياز أن مكوثه في السجن المركزي بصنعاء كان يؤمن له حق السكن على الأقل، فيما هو الآن لا يستطيع الحركة سوى برفقة عبد الرحمن برمان، الوحيد الذي يعرفه على ما يبدو، وهو ذاته المحامي الذي حاول جاهداً منذ البدء الانتصار لقضيته المؤلمة.
كما يمكننا تسجيل نقطة لصالح خروجه من السجن المركزي، تتمثل في استطاعتي لقاء الرجل في منزل المحامي عبد الرحمن برمان عصر الأحد الفائت، والاستماع بنوع من الدهشة والذهول إلى قصته التراجيدية والمثيرة، والمحاطة بالغموض، وملابسات سجنه ونزع الجنسية عنه، والأسباب الحقيقية التي تكمن خلف المؤامرة التي حبكت ضد الرجل ببراعة، بدءاً من الأسباب الحقيقة التي أدت إلى تخلي أخوته " آل معيلي " عنه، وهم مشايخ بمحافظة مأرب – وهي الأسباب التي لم يستطع معها مقاومة البكاء مرتين بحرقة، أثناء حديثه إليّ: رجل مسن لا تزال لعنة اليتم تطارده حتى الآن، علاوة على الظروف المأساوية لأفراد عائلته المشردة بين العراق ومصر خلال كل هذه السنوات. وحتى الكشف عن طبيعة عمله السابق في المملكة العربية السعودية كعقيد في المباحث العامة، قبل عودته إلى اليمن مطلع التسعينات، والاهتمام الذي لاقاه من قبل جهاز الأمن السياسي حينها إلى حد توفير كل الأغراض المنزلية يومياً له وأسرته، فضلاً عن المنزل والسيارة والشغالة والأموال التي ظل يتلقاها على مدى عام، قبل أن يرسله جهاز الأمن السياسي إلى العراق في مهمة رسمية أثناء أزمة الخليج، والعمل هناك لصالح المخابرات العراقية ولقائه بصدام حسين.
وتكشف هذا القصة عن علاقات بن معيلي مع بعض الزعماء العرب حينها، كمعمر القذافي، وجعفر النميري، وأحمد بن بيلا، وكذا الشيخ حمد بن جاسم بن جبر رئيس الوزراء القطري، وكبار مسئولي دولة عمان، وزياراته لكل دول العالم عدا روسيا، والاشتغال في تجارة الذهب الخام. ولسوف يتبين لي بأن أحمد بن معيلي يجيد 5 لغات هي التركية والفارسية والألمانية والأوردية والإنجليزية، ناهيك عن إجادته لجميع اللهجات العربية. ومن الطرائف في خضم مأساته بالسجن، أن المحكمة استعانت به ذات مرة أثناء محاكمة سجناء إيرانيين بتهمة تهريب المخدرات لتولي ترجمة إحدى الجلسات من الفارسية إلى العربية والعكس.
بصدام حسين وبن بيلا ومعمر القذافي ورئيس وزراء قطر
قصة أحمد بن معيلي الرجل السبعيني، يكتنفها الكثير من الملابسات والغموض، لكنها في النهاية لا يمكن إلا أن توضح حجم الظلم، الذي لحق بالرجل، وفداحته. فهو على أية حال لم يعرف ما هي الجرائم التي اقترفها وتستحق أن يدفع بسببها هذا الثمن المكلف، يصل إلى حد أن تسحب منه جنسيته على أيدي المخابرات اليمنية التي عمل لصالحها منذ بواكير عمره.
وإذا كانت الظروف الإنسانية الصعبة التي يمر بها جديرة وحدها بأن تتصدر سلم اهتمامنا، إلا أن ثمة تفاصيل مثيرة ومعلومات تروى على لسان الرجل لأول مرة تحتم علينا عدم تجاوزها. وأكثر هذه المعلومات إثارة هي تلك التي تتعلق بعمله في الاستخبارات العابرة للحدود على مدى سنوات طويلة.
كان عمره 15 عاماً، حينما بدأ أحمد بن معيلي حياته مغترباً في المملكة العربية السعودية سنة 1959، وتحديداً في منطقة الخبر. ففي تلك الفترة قرر أشقاؤه التخلص منه، عندما استخرجوا له جواز سفر باسم مستعار أحمد عيسى بن معيلي بدلاً عن اسمه الحقيقي أحمد علي بن معيلي. وعلى ما يبدو أن المغزى من تعديل اسمه لم يكن بريئاً كما قال له أخوته حينها، إذ برروا تغيير الاسم بأنه مجرد تمويه لحمايته من ثأر قبلي.
"إخواني، وأنا صغير، استخرجوا لي جواز سفر باسم أحمد عيسى بن معيلي، وقالوا لي وقتها إنهم فعلوا ذلك حتى لا يتعرض لي أحد بسبب أننا مطلوبين دم للقبائل "، هكذا يقول أحمد بن معيلي. كانت والدته تنتمي إلى عائلة يعتبرها العرف الاجتماعي السائد أقل مرتبة من أن يتم الارتباط معها بعلاقة مصاهرة، وكان إخوته يشعرون بأنها لا ترقى إلى مكانتهم كمشايخ. حينها لم يدرك أحمد بن معيلي حقيقة ما كان ينسج له من مآل أصبح الآن ماثلاً له. يقول بشيء من المرارة: "أمي كانت ملقبة بحسناء الغويبية وأبي تزوجها عندما كان رهينة لدى الأشراف، لكن إخواني امتعضوا منها لأنهم مشايخ مأرب وأبي كان شيخ مشايخ مأرب ". ويضيف: "لم أكن أتوقع أنها مخطط لها للمستقبل نتيجة لظروف والدتي ووضعها كونها من أسرة غير أصول قبيلية معروفة".
هذا الأمر اتضح لاحقاً. وقد رفض كل أشقائه الحضور إلى المحكمة للشهادة بأنه أخوهم طيلة التسع السنوات التي قضاها في السجن بتهمة عدم ثبوت جنسيته اليمنية، وتنصلوا عن ذلك، الأمر الذي سهل للمحكمة أن تنال من كرامته وإنسانيته كما تشاء، إن لم تكن عائلته طرفاً رئيسياً وراء ما يتعرض له الآن من تنكيل.
في بادئ الأمر كان بن معيلي يتحدث إليّ بإصرار وشكيمة عالية رغم الظروف التي مر بها. لكن عندما يتعلق الأمر بوالدته ونسبه سرعان ما كانت قواه تخور ويجهش بالبكاء: "عرضت عدة مرات في المحكمة أن أفحص دمي لمقارنته بدم إخواني للتأكد من DNA ، كما أرسلت رسالة لمحافظ مأرب الشيخ ناجي الزايدي أن يتدخل بيني وبين إخواني وأعرض نفسي للفحص أو يضعوني مع إخواني ويلاحظوا وجود الشبه بيننا ولن يجدوا فروقاً، بل إنني أكثر من يشبه والدي ". وأخذ ينتحب. ثم ناولني صورة لوالده لتأكيد كلامه.
في العام 1970 التحق بن معيلي بالمباحث العامة في المملكة العربية السعودية. واستمر في العمل هناك حتى عام 1990. ويبدو أن الرجل كانت له ارتباطات أمنية مع المخابرات اليمنية حتى أثناء عمله لصالح الأمن السعودي بشكل رسمي، الذي ترقى فيه إلى رتبة عقيد.
"كان لي ارتباط قديم مع الحكام والمسئولين في اليمن على مراحل. كان لي تواصل معهم كمواطن وكحريص على بناء الدولة وإعادة الجزء اليمني المسلوب آنذاك، لكن كله طلع تعب بس "، قال. كان يشغل وظيفة أمنية مزدوجة. فهو إن كان يتظاهر بالعمل لصالح المباحث السعودية بشكل معلن، فقد كان في الوقت نفسه، لكن سرا، يعمل لصالح الأمن اليمني ويحمل الرتبة ذاتها (عقيد) في الضفتين. يقول: "ما كنت أحصل عليه من قبل السلطات السعودية كنت أحصل عليه من قبل اليمن ".
من خلال حديثه، يتضح أن الرجل (المغامر جدا) كان يشغل منصبا مرموقا في المباحث السعودية. "الأمور المهمة جداً في السفارات كانت توكل مهامها إليّ، وعملت في الشُعب من الدرجة الثالثة حتى الثالثة والثلاثين خارجياً، وداخلياً من الثالثة وحتى الثانية عشرة "، يقول. وفيما لم يفصح عن ما إن كان يغادر السعودية إلى اليمن للتنسيق وتلقي التعليمات، إلا أن الدلائل تشير إلى أن (الجنرال) كان قد نفذ ما أوكل إليه من مهمة أثناء فترة عمله لعشرين عاماً. والراجح أنه يملك الآن معلومات سرية حساسة عن السعودية تمكن من جمعها أثناء عمله خلال تلك الفترة.
لكن ثمة مفارقة. ففي الوقت الذي يزعم فيه بن معيلي عمله لصالح المخابرات اليمنية، فقد تضمنت التهم التي وجهت له في وقت لاحق أثناء محاكمته الارتباط بالنظام السعودية والعمل لصالحه. بيد أنه ينفي ذلك نفيا قاطعا:" لم أدخل السعودية منذ أن خرجت منها، ولم أعمل لصالحهم على الإطلاق، ولم يتم بيني وبينهم أي اتصال، ومرة حصلوني في نيويورك ورفضت أن أرجع رغم أنهم طلبوا مني ذلك ".
ذات يوم، لسبب ما، قرر بن معيلي مغادرة المملكة. ففي مطلع التسعينات استقل بمعية زملاء سعوديين باخرة إلى بور سودان للنزهة، وفقاً لروايته ل " المصدر ". قال إنه طلب مرافقتهم واعداً بالعودة معهم. غير أنه ما إن وصل بور سودان، وعلى حين غرة تملص منهم وراح يتنقل عبر مراحل، إذ مر ب عكبرة حتى حمد ووادي حربة، ومنه استقل باخرة مصرية صغيرة أوصلته إلى مصر عبر البحر.
يقول بن معيلي إنه عندما وصل مصر التقى بشخص يدعى " الحضروم"، عرفه منذ زمن. وحينما سأله الحضروم: هل أنت من المباحث السعودية؟ رد عليه بن معيلي: لا أنا يمني. لم يقل لنا بن معيلي ما هي وظيفة الحضروم تحديداً، لكنه قال إنه طلب منه مساعدته في الحصول على جواز سفر يمني. ولما لم يستطع تلبية طلبه هذا للمرور إلى الأردن، فقد استطاع الحصول على جواز سفر سعودي. وتم الاتصال بعدها بالسفارة الأردنية التي أعطته فيزا للعبور إلى الأردن.
عندما وصل الأردن، كان في استقباله شملان علي شملان، مسئول الأمن السياسي بالقنصلية اليمنية بعمان. ومن هناك أجرى اتصالات مع ضابطين من المخابرات اليمنية في صنعاء هما عبدالله علي محرم وكيل جهاز الامن السياسي، ومحمد علي محسن الوكيل العام للأمن الداخلي، (هكذا وصف وظائفهم). شملان ساعده في الحصول على جواز سفر يمني جديد له تحسباً لأي توقيف قد يتعرض له في مطار صنعاء، فيكون عليه أن يعرض جوازه اليمني. يقول: " شملان أمر كاتباً مصري الجنسية كان يعمل لديه بتعبئة بيانات بن معيلي في الجواز، وأمر في نفس الوقت بعدم تعبئة البيانات في السجلات".
شملان رافق بن معيلي إلى مطار صنعاء. "وصلت مطار صنعاء وجوازاتي القديمة كلها معي. وفي المطار استقبلني محمد علي محسن، ولم استعمل أي من الجوازات لا اليمني ولا السعودي، بل أخذوني إلى مكتبهم مباشرة، قبل أن يعطوني بيتاً في شارع الستين أمام جامع الأوقاف".
هذه الأحداث دارت كلها في وقت قياسي. بعد ذلك بدأ يستقر به الحال في اليمن. وقد لاقى حفاوة بالغة من قبل جهاز الأمن السياسي حينها وقياداته. وعما إذا جمعته أية لقاءات بالرئيس علي عبد الله صالح، أكد إنه لم يقابله سوى مرة واحدة وبطريقة عابرة مطلع التسعينات أيضاً.
لا بد أنه أخذ يلعب دوراً أمنياً خطيراً منذ ذلك الحين. فمع وصوله اليمن، لم يقف الأمر عند إعطائه بيتاً وحسب، فهو يقول إن الأمن اليمني زوده بسيارة خاصة، وسائقاً برتبة نقيب يدعى (ع.ق)، بالإضافة إلى شغالة أجنبية اسمها (ش.ح). وحتى الأغراض المنزلية يؤكد بن معيلي أن الأمن كان يوفرها له بشكل يومي "من الآيسكريم وحتى اللحوم والقات ".
استمرت الأمور على هذا الحال لمدة عام. كان سائقه الخاص يحمل رتبة نقيب وقتها. وكانت اليمن في تلك الفترة تمر باضطرابات سياسية واغتيالات وتصفيات. أكمل بن معيلي عامه الأول داخل اليمن، وبحلول شهر سبتمبر 1991 تقريباً، قصده ضباط من الأمن اليمني رفقة السفير العراقي في صنعاء آنذاك. يقول إن السفير العراقي بدأ كلامه بهذه الطريقة: "جئنا لنقدم لك تحيات صدام حسين"، وقال له "نحن بحاجة إليك في بغداد، تنقصنا بعض المعلومات التي تمتلكها". المؤكد أن المعلومات تتعلق بالسعودية. ولذا طلب منهم إعطاءه مهلة للتفكير، فقد تم ترتيب سفره إلى بغداد في غضون 15 يوماً.
يوم 19 – 9 - 1991. إنه يوم مفصلي في حياة أحمد بن معيلي. فقد غادر بمعية السفير العراقي إلى الأردن ومن ثم العراق. وهناك استقبلته قيادات الأمن الخاص، وجهاز المخابرات العراقي، وبدأ فعلياً تنفيذ مهمته الموكلة إليه، والتي جاءت في أعقاب أزمة الخليج وكانت مهمته هناك في غاية الخطورة إلى درجة أنه رفض الحديث بشأنها لحساسيتها الشديدة.
أثناء عمله في العراق، خضع لعملية اختبار من قبل الأمن الخاص وجهاز المخابرات العراقي لقياس مدى ولائه لعمله وتحفظه على الأسرار باستخدام التنويم مغناطيسي. وهذه العملية وفق ما يقول "اتعبوني فيها، وحصل عندي قرحة في الاثنى عشر، لكنهم عالجوني سنتين بعدها، رغم أنني زعلت وفضلت أن أغادر العراق". وبالفعل قدم رسالة للرئيس العراقي صدام حسين يطلب فيها الإذن بالمغادرة، وإذ استجاب صام للرسالة بسرعة شديدة، استدعاه إلى المجلس الوطني.
لم يتوان بن معيلي الذهاب إلى صدام حسين ومقابلته. ولا يزال حتى اللحظة يحتفظ بذكرى طيبة عن الرجل ويتحدث عن صدام بإيجابية. ولذلك بالرغم من أنه كان رافضا البقاء نهائياً في العراق عقب تعرضه لتلك العملية، إلا أن صدام حسين تمكن من إقناعه بالاستقرار بعد أن قال له "من الآن ليس لهم علاقة بك -يقصد المخابرات العراقية- اعمل بمفردك، وسياراتك لوحدك وبدون سائق، واتصرف بكيفك داخل العراق"، حسبما قال. ويفيد بن معيلي بأن صدام حسين أعطاه سيارتين في ذلك الوقت، وأحد منازله للسكن فيه بجوار طارق عزيز ومسئولين عراقيين آخرين. قال بن معيلي إن صدام حسين لو كان ما يزال على قيد الحياة لما تعرض للتنكل من قبل السلطات اليمنية، إذ كان سيطلب منه التدخل لدى اليمن لمعالجة قضيته. وعندما سألناه لماذا صدام بالذات قال: "صدام كان داري بموضوع تكليفي من اليمن إليه، وما راح يرضى بالإهانة لي، هو عارف أني أرسلت من قبل الدولة اليمنية إلى دولته، وكنت في ضيافته وأعطاني بيتاً من بيوته جلست فيه ".
في 12-12- 1995 قرر أحمد بن معيلي مغادرة العراق. وفي حين اعترض صدام حسين، طرأت لابن معيلي فكرة الاتصال بالرئيس الجزائري أحمد بن بله، الذي بدوره تدخل لدى صدام، فأمر الأخير بالتالي: السماح له بالسفر مع أسرته لفترة قصيرة ومن ثم العودة إلى العراق.
كان يفترض أن يعود إلى الأمن السياسي اليمني وهو الجهة التي قال بن معيلي أنه ذهب إلى العراق بتكليف رسمي منها في 19-9-1991. غير أن ذلك لم يحدث. لقد نقل أسرته إلى القاهرة، فيما توجه هو إلى نيويورك، وبدأ يخوض تجربة جديدة: الاشتغال في تجارة الذهب الخام، الذي قال إنهم كانوا يغطوه ب "الفلفل الأسود "، وهو أمر لا يعرف ما يعني سوى المخابرات، حد قوله. كما أنه يعزو قرار عدم عودته إلى العراق إلى أن "العمل الذي كلفت به مش صحيح، فيه عملية افتراء ".
إذاً، مكث في العراق 5 سنوات تقريباً، ولم يعد إلى اليمن. انتقل إلى نيويورك. فقد اتصاله بالمخابرات اليمنية. لهذا فهو يعتقد بان ثمة علاقة بين عدم عودته إلى اليمن وما تعرض له لاحقاً من محاكمة. "شعر الأمن اليمني بالقلق، حسب قوله. وراودهم الشك ربما بأنه تحول للعمل لصالح جهات أخرى، مع ذلك فهو يؤكد أنه لم يعمل لأي جهة على الإطلاق. كل ما في الأمر أنه بدأ العمل في تجارة الذهب الخام حتى عودته في العام 1998 إلى اليمن.
من هنا يبدأ فصل جديد، فيه من المعاناة الإنسانية أكثر مما فيه من المغامرات. إنه فصل أقبية السجون. حال عودته إلى اليمن واجه أمرين اثنين. الأمر الأول: عدم رغبة إخوته في الاعتراف به بسبب نسب والدته التي لم تكن تنتمي إلى أصول قبلية معروفة، بعد لجوئهم منذ طفولته إلى تزوير اسمه. والأمر الثاني: الشبهات التي أثيرت بسبب انتقاله إلى نيويورك بدلاً من التزامه بالعودة إلى بغداد أو الأمن السياسي في اليمن.
يعتقد بن معيلي أن هذين الأمرين كانا سببين كافيين لتجريعه العذابات على أيدي الأمن، وتنكيله حد نزع جنسيته اليمنية عنه، وهو الأول والوحيد الذي تعرض لهذا الإجراء. يقول حول سر ما تعرض له: "السر أنني كلفت بعمل، وبعد انتهائه لم يكن لدي رغبة في العودة إلى صنعاء. الأخ القمش وأخي محسن سبب في هذا الموضوع، ولكنني أناشد الرئيس أن يتحرى من غير إخواني ويعرف الحقيقة وأن لا يكتفي بأقوالهم ".
أما كيف كانت بداية جرجرته وإهانته في السجون، فيعود الأمر إلى العام 1998. يقول: " فكرت أستقر مع أولادي وأجدد جواز سفري، لكن تمت إعاقتي في صنعاء". وصل بن معيلي في 19-9-1998 صنعاء، وتمكن من استخراج جواز سفر لإحدى زوجاته. وفي المرة التالية حاول تجديد جواز سفره، لكن رئيس مصلحة الهجرة والجوازات، حسب قوله، أبلغه بأنه مطلوب لوزير الداخلية آنذاك حسين عرب، وعندما التقى حسين عرب بادره بالقول: "أنا جئت من عند الرئيس وطلب أن آخذ عنك نبذة قصيرة حسب ادعائه حينها".
ثم سأله الوزير: "وين رحت، ولماذا لم ترجع إلى اليمن"؟ كان بن معيلي يمتلك أموالاً لا بأس بها، فسأله الوزير عنها: "هل أتيت بها من السعودية وجيت تخرب في اليمن، تحرض أهل الجوف وأهل مأرب؟ فأجابه بأن هذا غير صحيح. ويشير بن معيلي إلى أن الدولة في ذلك الوقت (1998) قصفت قبائل في مأرب والجوف بزعم أنهم رفعوا العلم السعودي.
كان بن معيلي قد زار عامئذٍ محافظة مأرب والتقى إخوته. وقال ل"المصدر" إن شقيقه الأكبر الشيخ محسن بن معيلي قال له: أنت أخونا لكن لا تتحاكى أمام الناس. وأردف: "قالوا لي تحتاج أي شيء؟ عندك مشاكل مالية؟ لكني كنت سأقول لهم لست بحاجة للمال". لكن التلميحات المهينة بسبب أن والدته "قروية" لم تتوقف. " أبي تزوج أمي بالحلال وتشهد الناس كلها، وكان رهينة عند الأشراف وتزوجها بالحلال مش بالحرام، وعقد الزواج موجود عند ابن أخي". وانفجر باكياً للمرة الثانية خلال هذا اللقاء.
في نفس العام 1998 اعتقل بن معيلي لأول مرة. يقول: "حجزوني سنة بدون أي كلام في داخل الأمن السياسي. لا أدري ما تهمتي ولم أتلق أي سؤال أو إحالة للنيابة ". وفي سجن الأمن السياسي التقى بن معيلي عبدالله محرم وكيل جهاز الأمن السياسي حينها، و قال إنه لم يتعرف عليه إلا من خلال صوته لأن هيئته كانت قد تغيرت تماماً عما تركه قبل سنوات.
في اليوم التالي زاره محمد علي محسن، "وكان محترم ورجل مؤدب وعملي يفهم أصول عمله" وفقاً لحديث بن معيلي عنه. وقال أن محسن سلم عليه وأدى له التحية، ودار الحوار الآتي: "أين ذهبت ولماذا لم تعد إلى اليمن؟ قلت له: ما حبيت أرجع، ثم سأله عن مكان أطفاله فأجاب: في القاهرة. يقول بن معيلي، سألني أيضاً: أيش اشتغلت؟ قلت له في الذهب الخام. فقال: كيف كنت تفعل؟ قلت: كنت أضربه بالفلفل الأسود، قال صحيح؟ طيب خلاص، قلت له: كيف خلاص لي حوالي شهرين في السجن. فرد بالقول: سهل. قلت له: يعني أسبوع هكذا؟ فضحك ومشى".
عاد بن معيلي إلى غرفته في سجن الأمن السياسي. "كانت غرفة كويسة تسمى الغرفة الخشبية" قال. أمضى بن معيلي عامه الأول في السجن تحت ظروف غامضة. لم توجه له أية تهم خلال هذه الفترة. وفوجئ بالإفراج عنه بعد ذلك. غير أنه ما لبث أن عاد إلى السجن مرة ثانية وظل 4 أشهر ثم أطلق سراحه بنفس الطريقة السابقة، أي دون إبداء سبب تواجده في السجن.
بعد إطلاقه راح يحاول مرة أخرى استعادة جوازاته التي صودرت أثناء اعتقاله للمرة الأولى في مصلحة الهجرة، حيث يؤكد أن محامي المصلحة استلمها منه وهي حوالي 8 جوازات صادرة من صنعاء ومن الخارج ومن ضمنها الجواز الذي قطعه له إخوته في عهد الإمام 1959.
لم يتمكن من استعادة جوازاته. يواصل بن معيلي حديثه: " اتصلوا أصحابنا – يقصد أصحاب مأرب – بمحمد صالح نجاد رئيس مصلحة الجوازات، وقالوا له يكفينا مشاكل في مأرب ما عاد نشتي مشاكل في صنعاء، جيب له جوازاته، خلي الراجل يسافر". فوافق نجاد على ذلك ووعدهم إلى اليوم التالي.
كانت الساعة الحادية عشرة، يوم الأحد، بتاريخ 6-5-2001 حينما وصل أحمد بن معيلي إلى مكتب رئيس مصلحة الجوازات، لكنه فوجئ بدخول 6 ضباط ينتمون للأمن السياسي قال إنه يعرفهم شخصياً، واقتادوه إلى سجن الأمن السياسي، إذ أودعوه زنزانة تحت لمدة أسبوع، قبل أن ينقلوه بتاريخ 15-5-2001 إلى السجن المركزي بصنعاء، بمذكرة حبس تحت اسم وديعة لديكم بدون قضية على ذمة رئيس جهاز الأمن السياسي.
هذه المرة اتهمته مصلحة الجوازات ب "الإدلاء ببيانات غير صحيحة» وأنه غير يمني. لكنها لم تقدم أي دليل مادي يسند ادعاءها. ولأنها كذلك فقد صدر قرار بتاريخ 18يناير 2003 من نيابة الجوازات والأحوال المدنية يقضي بالإفراج الفوري عن المتهم، حيث "وأن الثابت في الأوراق خلو التهمة من أي دليل مادي ولم تقدم المدعية (مصلحة الجوازات) ما يثبت دعواها بدليل لإسناد التهمة، لذلك السبب، واستناداً إلى تقديم المتهم (أحمد بن معيلي) ما يثبت جنسيته اليمنية: بطاقة شخصية، عائلية، جوازات سفر يمنية؛ قررت النيابة إسقاط الدعوى بالتقادم". بل وأكدت: "الثابت اكتساب المذكور للجنسية ". هذا القرار من النيابة المختصة عُزِّز بتوجيه خطي من وكيلها، فؤاد النجار، إلى مدير السجن المركزي بالإفراج الفوري عن أحمد بن معيلي «تنفيذاً لقرار النيابة ونحملكم مسؤولية تأخير تنفيذ هذا".
كان بن معيلي يظن أنه وديعة عابرة لن تدوم طويلاً في السجن. ولذلك يقول إنه ظل يضرب عن الطعام ويرقع فمه احتجاجاً على سجنه، معتقداً أنه سينظر إليه ويفرج عنه في وقت قصير. ظل بن معيلي على هذه الحال لمدة عام، وكانت ردود رئيس الجمهورية ورئيس جهاز الأمن السياسي أيضاً ب " خلوه يموت " تبعث على الإحباط.
وعندما انقضى عام كامل على سجنه دون بوادر انفراج أحس أنه لن يفلت من هذه القبضة الخشنة. "بعد العام جهزت دوافير، وكبرت فراشي ونزلت من على الكرسي إلى مساحة أرض كبيرة، أدركت أن المسألة طويلة".
خلال تلك الفترة أيضاً كانت الكثير من لجان حقوق الإنسان تزور السجن. ولم يكن بن معيلي ليفوت فرصة قد تفضي إلى انتزاع حريته. كان يعرض قضيته عليهم، وكان الجميع يتهرب عنه بحجة "قضيتك سياسية". ويروي أنه طلب من الأمم المتحدة زيارته، وقد زاره شخص يدعى زكي في العام 2003، وكتب له نبذة عن نفسه وعمله، وعندما عاد " زكي" في اليوم التالي ليأخذ له صورة رفض مدير السجن ذلك ومنعه.
وظل بن معيلي على هذا الحال. وبعد مضي 6 سنوات على سجنه تمكن من توكيل منظمة «هود» للدفاع عنه، والتي بدورها توجهت فوراً برفع دعوى قضائية (طلب تعويض) إلى محكمة جنوب غرب الأمانة ضد رئيس الجمهورية باعتباره مسؤولاً عن جهاز الأمن السياسي. وتعتبر أول دعوى قضائية مدنية ضد الرئيس.
المحكمة، التي قبلت الدعوى بتردد، أصدرت حكما في 27 أغسطس 2006 يقضي برفض الدعوى المرفوعة ضد الرئيس ل"قيامها على غير أساس من القانون"، ولكون "أحد المتداعين ليس خصماً شرعياً له ولاية التقاضي عن الغير". وأيضاً "المسار الذي اتبعته كان خاطئاً من أوله" كما جاء في الحكم.
وقالت المحكمة، التي "اشترطت أن يسلك الطرق المرسومة قانوناً "، إنها وجدت في هذه الدعوى ما يوجب التوقف عنده ملياً "فحجز الحريات وتقييدها بغير مسوغ قانوني جريمة جسيمة تستحق العقاب لمرتكبها كائناً من كان ".
إضافة إلى ذلك، فإن بن معيلي قرر أن يلفت نظر الرئيس إليه، حد قوله، عندما أعلن ترشحه للرئاسة في انتخابات 2006 الفائتة، وقال إنه سلم برنامجاً انتخابياً لبعض الصحف المحلية في حينه ونشرتها تلك الصحف.
وقد تبع ذلك، أن زارته وزيرة حقوق الإنسان وسألته نفس الأسئلة المملة والتي تكرر توجيهها له: لماذا محبوس؟ وما هي قضيتك؟ ثم مضت كغيرها دونما نتيجة تذكر. وهكذا ظل مسجوناً ل 7 سنوات في مخالفة قانونية، ودون أن أي محاكمة. لكن قضيته كانت قد خرجت إلى العلن، وتناولتها الصحافة. مما أثار لغطاً كبيراً، حتى جاء يوم 7 – 4- 2007، إذ زاره رئيس النيابة الجزائية المتخصصة سعيد العاقل.
يقول بن معيلي إن العاقل قال له: "جئتك من أجل أن نجد مخرجاً لنا ولك، بحيث تخرج الدولة بماء الوجه أمام الرأي العام نتيجة لأن الصحف بدأت تتكلم علينا". وقدم له هذه العرض: "سنحاكمك ونصدر عليك أي حكم سجن، وعندك سنوات قد مضت وهذا اعتبره اتفاق بيننا وسنعوضك بعد خروجك ".
لم يكن أمام بن معيلي من خيار سوى أن يوافق. وهكذا فقد جرت جلسات المحاكمة بالشكل الذي خُطط لها، إلى أن أصدرت المحكمة الجزائية‏ المتخصصة حكمها الابتدائي مطلع 2008، وقضى منطوق الحكم بحبس بن معيلي سبع سنوات وترحيله من اليمن كونه على حد قول النيابة غير يمني.‏ اعترض محامو الدفاع في تلك الجلسة (المشئومة) على طلب النيابة بترحيل بن معيلي، واستخدموا منطقاً قانونياً في ذلك: إذا افترضنا انه عديم الجنسية، فاليمن‏ وقعت اتفاقية دولية بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية لا تجيز طرد أي شخص وفقا لهذه الاتفاقية.
كان بن معيلي يواجه تهمتين. أولاهما، تزويره جوازات سفر. وثانيهما، وهو ما لفت انتباه المتابعين، الادعاء بأنه غير يمني ويجب ترحيلة من البلاد.
ولم تخل المحاكمة التي خضع لها من المخالفات. فمن عدم إبراز أدلة الاتهام، إلى تهديد الشهود، وصولا إلى مقايضة أقارب له كانوا قد اعتزموا الإدلاء بشهادتهم لإثبات أن بن معيلي يمني وأن مأرب هي موطنه الأصلي. ذلك ما لاحظه المحامي عبد الرحمن برمان من منظمة هود. والأخير بذل جهوداً مضنية في الدفاع عن بن معيلي حتى تم الإفراج عنه. يقول برمان: " إن من بين الشهود ابنة شقيق بن معيلي التي كان لها ابن أيضاً مسجون بتهمة قتل في السجن المركزي، لكنهم قايضوا الأم بابنها، على أن ترفض الشهادة مقابل الإفراج عنه".
يثق بن معيلي من أن قضيته تم فبركتها. "كل أوراقي يمنية، لكن رئيس جهاز الأمن السياسي يريد أن ينتقم مني". مطلع نوفمبر الماضي، أيدت استئنافية الجزائية المتخصصة الحكم الابتدائي الصادر ضد أحمد بن معيلي، الذي قضى بترحيلة من اليمن بعد إدانته بتهمة تزوير وثائق هوية وجواز سفر من أجل الحصول على الجنسية اليمنية. وقضت هيئة المحكمة برئاسة القاضي محمد الحكيمي رئيس الشعبة الاستئنافية بسجن بن معيلي، الذي يعد أول مواطن يرفع دعوى ضد رئيس الجمهورية بشأن إثبات جنسية بحبسه 5 سنوات.
وقد علق المحامي عبد الرحمن برمان على الحكم في حينه بالقول: "لم تتوافر الضمانات القانونية لمحاكمة عادلة لابن معيلي، حيث حرم من أبسط حق له كمتهم وهو تقديم أدلة براءته".
وعلى إثرها تم نقله إلى سجن مصلحة الهجرة والجوازات. واستمر قرابة ثلاثة شهور في حبس إضافي دون أي مبرر، بعد توجيهات النائب العام منتصف يناير الماضي بالإفراج عنه، إلا أن مصلحة الجوازات ظلت تماطل في إطلاقه حتى السبت الماضي بعد أن لجأ إلى الإضراب عن الطعام 5 أيام على التوالي داخل سجن المصلحة.
بعد كل هذا العناء الذي لاقاه بن معيلي، إلا أنه الآن لا زال يعيش بلا هوية ولا يملك أي حيلة. ولذلك فهو يطالب عبر "المصدر" رئيس الجمهورية التدخل وحل قضيته بالتعويض عن ما لحقه من خسائر مادية ونفسية جراء مكوثه داخل السجن. وهو الوعد الذي التزم له به رئيس المحكمة الجزائية، وكذلك النائب العام. "وعدوني، فلماذا لا يعوضوني! أنا خارج الآن لا أقدر أعيش ومحاكمتي باطلة من أولها لا آخرها" قال.
بن معيلي يتشبث بكونه يمنياً بإصرار منقطع النظير. ورغم أنه يتمتع بعلاقات مع بعض زعماء الدول من شأنها أن تسمح له باللجوء إلا أنه يرفض العيش في غير بلده: " أنا لا أريد غير بلدي، وإلا ما اقدرش اتصل على الشيخ حمد بن جاسم بن جبر رئيس الوزراء القطري، ما اقدرش اتصل على عمان، منهم كثيرين تربوا علي يدي، أقلهم أريد ارجع عندكم، اقدر أروح عندهم، لكن أنا رجل كبير في السن وفي آخر العمر وعندي بنات ما اقدرش أروح الغربة بهم، حتى جاؤوا ناس مصريين يتقدموا للخطوبة أنا رفضت ". وأضاف منفعلاً " قبل أن يحمل رئيس الجمهورية بطاقته الشخصية أنا أحمل جواز اليمن ". وطبقا لروايته، فقد كان معمر القذافي صديقاً له.
ثمة أمر آخر يتعلق بأسرته المشردة، إذ إن لدية زوجة تعاني من ضعف في النظر، وتعيش في القاهرة مع أولادها الثلاثة: أسعد(31عاماً)، دعاء (22)، ولهيب البالغ عمرها 16 عاماً مصابة بمرض السكر. "أولادي حرموا من التعليم بسبب أن السفارة اليمنية هناك وقفت تجديد جوازاتهم بحجة طلب جواز سفري الجديد، وجوازي القديم محجوز لدى مصلحة الجوازات " يقول.
إلى ذلك، فالرجل لديه زوجة أخرى عادت معه إلى اليمن من العراق قبل أن يسجن. وقد ظلت تزوره إلى سجنه بين فترة وأخرى، إلى تاريخ 4-3-2002، إذ انقطعت عن الزيارة بعد ذلك فجأة. وعقب ذلك يفيد بن معيلي أن مدير السجن ظل يبلغه بأنها كانت تتصل تسأل عنه حتى العام 2005، ثم لم يعد يسمع عنها شيئاً حتى الآن.
لا يستبعد أن يكون الأمن وراء اختفاء زوجته. حتى أبناؤها في العراق لا يعرفون عنها شيئاً، وقد تمكن بن معيلي من الاتصال بهم بعد إطلاق سراحه وحين سألهم عنها اكتشف أنهم أيضا لا يعرفون ملابسات اختفائها. وتلك مأساة إنسانية أخرى تضاف إلى مسلسل الآلام التي غرقت فيها هذه الأسرة المنكوبة.
عن كيفية تلقيه قرار الإفراج عنه قال: "في الحقيقة كانت فرحة كبيرة ولست مصدق بخروجي، وأشعر بالفرحة لكن ما يهدم ذلك هو خروجي كما لو أنني محبوس". وأضاف: "لا أستطيع التحرك بحرية، كما أن سعيد العاقل أوصاني بعدم استعمال هويتي رغم أنني أحملها، وقال لو استعملها وضبطت سأتعرض لمسائلة ومحاكمة مرة أخرى لأني استخدمت شيئاً مسحوباً مني" حسب قوله.
وزاد متحسراً: "أنا مستغرب كيف تسحب جنسيتي وأنا مواطن يمني، مع أني معروف لدى الجميع وحتى أكبر دوائر الدولة الرسمية أنا معروف لديها، بما فيها مصلحة الجوازات وهي بوابة العبور تعرفني، ولي ملفات سابقة عندها ".
فهل يفعلها الرئيس ويعيد للرجل اعتباره كمواطن يمني فقط!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.