يؤكد الكثير من شباب التغيير في ساحات الثورة أن سيطرة المؤسسة العسكرية على الحكم قد ولت إلى غير رجعة، ويرى أكثر منهم أن خيار توريث الحكم قد سقط في كل المراحل القادمة. وبحسب استطلاع الرأي الذي أعدته مؤسسة "تمكين للتمنية من أجل حقوق الإنسان"، فإن ذلك يعني قناعة الشباب بقيام نظام سياسي مدني ديمقراطي لا مركزي قائم على التعددية السياسية والقبول بالآخر المختلف. وأظهرت نتائج الاستطلاع الذي أجرته المؤسسة خلال الشهرين الماضيين في خمس محافظات تشهد ساحاتها ثورة شعبية لإسقاط النظام، وعرض صباح الأربعاء في إحدى خيام ساحة التغيير بصنعاء؛ أظهرت أن رؤى الشباب اليمني تتفق في النظر إلى مستقبل جديد للبلد في ظل دولة مدنية ديمقراطية تسودها العدالة الاجتماعية والقانون، وتقوم على أسس اقتصادية متينة وتطبيق اللامركزية. واعتبر 63.4 % من أفراد العينة المستهدفة ما يحدث في اليمن "ثورة شعبية، تهدف إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تسير وفقا لخطوات وخطط وبرامج من قبل شباب الثورة" ووصف ما نسبته 9.6 % ما يجري بال"أحداث ثورية"، و72.8% يتعاملون معه على أساس أنه إيجابي. وكشفت الدراسة التي استطلعت رؤى الشباب في محافظات (صنعاء- تعز-عدن–الحديدة- آب) حول الاتجاهات السياسية للشباب ورؤيتهم للانتقال الديمقراطي، وبنسب متفاوتة من حجم العينات لكل محافظة، عن نظرة تفاؤلية وثقة في نفوس الشباب بنحو 89%، يؤكدون أن المستقبل سيشهد تحسناً للأوضاع المعيشية، وتعزيز المشاركة السياسية،وتطور العملية التعليمية، وتعزيز الولاء الوطني. كما أكد المستجيبون أن ممارساتهم الثورية الجارية أثبتت مسئولية الشباب، وأتاحت لهم الفرصة في التعبير عن قضايا مصيرية تتعلق بمستقبل بناء الدولة، الأمر الذي يدلل على أن أهم القضايا والممارسات تتمثل بالحق في حرية التعبير والرأي، بما يؤدي إلى تحقيق كافة متطلبات التحول الديمقراطي الأخرى مثل الديمقراطية ومكافحة الفساد وبناء الدولة المدنية ونبذ العنف، وهذا لا يكون إلا بتعزيز الثقة والانتماء لدى الشباب، وهي ما يشعر الشباب بأن ذلك يشكل راس الأوليات ذات التأثيرات الايجابية التي تتطلبها المرحلة القادمة نتيجة مشاركتهم في هذه الثورة بحسب تقرير الدراسة. وذكرت الدراسة أنه: "ينبغي التأكيد على أن أهم تحول لدى الشباب في هذه الثورة هو تلاشي الانتماءات المذهبية والفئوية والقبلية والمناطقية". وتقارب وصف معظم الشباب لموقف الأحزاب السياسية مما يحدث في اليمن ما بين متوسط وقوي على التوالي، وظهرت نسبة من وصف موقفها بالضعيف 25.8 % ويعزى ذلك-بحسب المبحوثين الذين قالوا أنها متوسطة أو ضعيفة- إلى عدد من الأسباب، كضعف تواصلها مع مختلف فئات الشباب، وجمود برامجها السياسية وعدم تماشيها مع تطلعات الشارع، وعدم تمثيلها في البرلمان. ويرى أكثر من نصف المبحوثين بقليل أن المرحلة الحالية والمرحلة القادمة تستوجب تأطير الشباب في أشكال تنظيمية جديدة كالأحزاب والمؤسسات المدنية والثقافية والسياسية، بينما أفاد حوالي 25.2 % منهم قبولهم الانخراط في أشكال تنظيمية قائمة أما 16.4% فيفضلون العمل في إطار منظم. وقد تشكلت هياكل شبابية كبيرة في ساحات الاعتصام تنشط بصورة مستقلة – في الغالب- عبر تكويناتها المسماة من قبل أعضائها، كما أن هناك بنى مؤسسية سياسية جديدة نشأت من قبل عدد ممن كانوا مؤطرين في أحزاب سياسية قائمة، وهذا يعني –بحسب الدراسة- أن المرحلة القادمة تتطلب تأسيس أطر مؤسسية جديدة أو ربما إعادة النظر في التكوينات القائمة حاليا، مع الأخذ بعين الاعتبار كسب تأييد الفئة التي لا تفضل الأطر المنظمة، ويعود ذلك حسب آراء المستجيبين بنسبة 73% إلى أن الأحزاب السياسية لم تستطع أن تشكل الإطار المؤسسي المناسب لتفعيل مشاركة الشباب السياسية . وبالرغم من وجود شباب منتمين لأحزاب سياسية إلا أنهم لا يشاركوا بفاعلية في أحزابهم، حيث بلغت نسبتهم 75.7% ، واعتبر الباقون أن مشاركتهم الفاعلة مؤثرة 97% في أحزابهم، 59.4% من المستجيبين أن التعددية السياسية الحالية انعكست سلبا في الواقع لكونها تعددية شكلية غير متوازنة من نواحي عديدة، وأعاد المستجيبين حسب نتائج الاستطلاع أن معوقات التعددية السياسية في اليمن تتمثل في عدد من الأسباب وضعت في التسلسل السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وتم التركيز فيها على الجوانب السياسية لعوامل تتعلق بضعف الأحزاب وسيطرة الحزب الحاكم على كل مقاليد السلطة وأمور البلاد وكذلك بسبب تزوير الانتخابات واستخدام النفوذ والمال العام والإعلام من قبل الحزب الحاكم لتسيير أموره، وهذا يعني أنه في ظل نظام الحكم غير المتعدد لا يوجد بيئة مناسبة للتعددية الحزبية. أما في المرتبة الثانية تأتي الأسباب الثقافية لعوامل تعنى بغياب الحريات وارتفاع نسبة الأمية وغياب القانون وشيوع الثقافة التقليدية القائمة في المجتمع وضعف الوعي المجتمعي بأهمية دور المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني غير الحكومية في تطوير نظام تعددي. وأظهرت النتائج بنسبة 78.9 % من آراء المستجيبين أن الأحزاب السياسية لم تدرك جيدا أهمية دور الشباب في الحياة السياسية، نظرا لأسباب داخلية أو ذاتية خاصة بالأحزاب إضافة إلى أنها لا تمكن الشباب من تولي المراكز القيادية ، وتوقع البعض أن مستوى إدراك الأحزاب لأهمية دور الشباب ربما تزداد بعد الثورة عندما يدركون قدرة الشباب على قيادة مؤسسات سياسية ومدنية ولهم تأثير في الشأن العام من واقع المؤشرات التي أظهرتها مرحلة ما بعد الثورة الحالية وتفاعل الشباب في أحداث التغيير، ويبدو أن نسبة آراء المستجيبين المتفقة مع إدراك الأحزاب لدور الشباب تفاوتت في رأيها حول مستوى هذا الإدراك. وعن مدى استفادة الأحزاب السياسية من الأحداث السياسية على المستويين المحلي والإقليمي أفاد ما نسبته 85% من المستجيبين ب "نعم" وقدموا اقتراحات عملية لتحسين الاستفادة تمثلت أهمها في ضرورة استجابة الأحزاب للمطالب الشبابية، والاستفادة من الثورات الشعبية الشبابية في المنطقة وأن تساهم في مكافحة الفساد، وتعمل للقضاء على البطالة بين الشباب وبالتالي الاعتماد عليهم بدلا من الركض وراء فتات دعم السلطة وغيرها، وأخيرا أن عليها مراجعة تصرفاتها وممارساتها تجاه الوطن والشباب، وحتى تكون قادرة على إحداث تطور مجتمعي عام في حالة وصولها إلى السلطة عليها أن تسلم القيادة إلى الشباب لتحقيق التغيير بأنفسهم ، كما أن عليها أن تساهم في حل المشاكل القائمة في البلد للانتقال إلى الديمقراطية والتوافق في القضايا ذات الشأن العام. وأوضحت النتائج إمكانية تجاوز الخلافات الحزبية بين الشباب بنسبة 84% من أراء المستجيبين الذين يرون عدم تحقق ذلك إلا من خلال نبذ الخلافات بين الشباب وابتعادهم عن الاملاءات والتعصب الحزبي والبقاء في الساحات والعمل في اطار موحد كشباب ضمن مسار الثورة كصف واحد حتى سقوط النظام ، كما ينبغي أن تبتعد الأحزاب عن شباب الثورة التي بوجودها قد تؤدي إلى خلق انقسامات داخل صفوف الشباب سواء بمحاولات الاتفاق مع النظام أو من خلال الممارسات التي تجري في ساحات الثورة بمحاولة السيطرة على قيادة الثورة الشبابية ، ويرى نسبة 55% أن تلك الممارسات والمحاولات تعود إلى المحافظة على مصالحها والى ضمان إستمراريتها وهي محاولة لاحتواء الشباب الآن أو بعد الثورة . وفي هذا السياق رأى المستجيبين بنسبة 55% أن هذا صراع مصالح بين القيادات الشبابية والتاريخية المنضوية في الأحزاب، ومنهم من وضع صراع الأجيال كأحد الأسباب الرئيسية للخلافات بين الشباب والأحزاب، فضلا عن ذلك اعتبر بعض الشباب أن هذا الصراع ربما يعود إلى تخوفهم من الانحراف بمسار الثورة. بينما أفادت آراء عدد من المستجيبين بنسبة 31% أن بعض الشباب لا يزال في حدود المتلقي السلبي ويعود ذلك إلى ابتعاد الشباب عن السياسة ويأسهم من حصول تطور في العمل الفكري السياسي العام والتنظيمي في الأحزاب فضلا عن انشغالاتهم اليومية. وأعطت نسبة 49.5%% منهم تأييدها للنظام البرلماني كنظام حكم في المستقبل، وهو ما يناسب الدولة المدنية الديمقراطية، لكن 26.1% منهم اقترحوا النظام المختلط بين الرئاسي والبرلماني، أي كما يفترض انه قائم حاليا، وأفاد البقية ب (لا أعلم)؛ الأمر الذي عدّته الدراسة قصور لدى الشباب في معرفة النظام الأنسب لهم وللبلد، مما يتطلب معه ضرورة تكثيف التوعية والتدريب في التنمية السياسية للشباب والمواضيع المرتبطة به ويترك بعدها الاختيار للشباب لرسم شكل الدولة ونظامها السياسي. ويفضل الأغلبية نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات باعتباره الأنسب لواقع اليمن، وهو الأمر الذي يعزز وجود قناعة بضرورة تطبيق اللامركزية الإدارية والسياسية والمالية بصورة كاملة سواء من خلال تطوير نظام السلطة المحلية القائم أو بإعادة النظر فيه بما يتناسب مع مبدأ اللامركزية وواقع اليمن، في حين يرغب 48% من المستجيبين في تغيير الدستور أي إعادة مراجعته بما يتناسب مع النظام المدني والديمقراطي، وشكل نظام الحكم السياسي والنظام المحلي المطلوب، بينما أفاد 42.6% منهم برغبتهم في تعديل الدستور أي مراجعة جزئية لبعض مواده المعنية بنظام الحكم السياسي لليمن ومدته. ويعتقد 80.5% أن الأحداث السياسية الحالية سوف تساهم في مكافحة الفساد وتعزيز ثقافة المساءلة، وبينت آراء المستجيبين أن المجالات (الاقتصادي ثم السياسي ثم محاربة الفساد ثم التعليم) مثلت أعلى نسبة في قائمة الإصلاحات العاجلة.