الخدمة المدنية توقف مرتبات الموظفين غير المطابقين أو مزدوجي الوظيفة بدءا من نوفمبر    انتقادات حادة على اداء محمد صلاح أمام مانشستر سيتي    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    صدام وشيك في رأس العارة بين العمالقة ودرع الوطن اليمنية الموالية لولي الأمر رشاد العليمي    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    دائرة الرعاية الاجتماعية تنظم فعالية ثقافية بالذكرى السنوية للشهيد    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    عين الوطن الساهرة (1)    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرص على انتزاع المكاسب دون تنازلات
الحوثي ولعبة الأيام القادمة.. يرفض الاعتراف بقضية صعدة، ويبحث عن غطاء سياسي
نشر في مأرب برس يوم 20 - 02 - 2012

على امتداد السنوات الماضية وجماعة الحوثي تعرف بأنها جماعة مسلحة يقول خصومها إنها حركة طائفية تسعى إلى استعادة مملكة الأئمة القائمة على المبادئ السلالية والطائفية والمذهبية، ويدعي مؤسسوها أنها جماعة مظلومة اضطرت للدفاع عن نفسها.
وتشهده البلاد تغيرات كبرى يفترض منها أحد أمرين: أن تقضي على جميع المشاريع الصغيرة ومنها مشروع الحوثية في حال صدق خصومه في اتهامهم المشار إليه سابقا، أو إنصاف الحوثية من الظلم الذي كان يدعيه في الفترة السابقة في حال صدقوا هم في المظلومية التي يدعونها والمشار إليها أيضا. والنتيجة النهائية التي تهمنا الآن هي إنهاء مبرر وجود جماعة الحوثي.
ومن هنا، رأى الحوثي أنه لا من المسارعة إلى جملة من التدابير لاستباق هذا المستقبل، بما يحفظ لجماعته البقاء أولا، ثم بما يمكنها من التوسع والتمدد ثانيا. وأهم ما يراه الحوثي ضروريا للمستقبل هو أن يوجد لجماعته صيغة قانونية، سواء كان ذلك استجابة لواقع ما بعد سقوط صالح والتوجه نحو الدولة المدنية الذي ستفرضه الثورة، أو لغيره من الأسباب.
إنه مضطر –مستقبلا- لتشكيل حزب سياسي على غرار حزب الله في لبنان، لكنه لا يحتاج –في الوقت الحالي- لأكثر من حزب سياسي يدعمه بشكل غير رسمي مع الحفاظ على صيغته الحالية كجماعة مسلحة.
وفي هذا السياق، يتطلب الأمر من الحوثي نقض القديم المتمثل في حزب الحق الخارج عن سيطرته والمستند إلى صفة الأقدمية التي تجعل تبعيته للحوثي أمرا غير مقبول ولا ممكن. ولنقض هذا القديم لا بد من البحث عن شكل سياسي جديد يفي بهذا الغرض، وربما يكون حزب الأمة قد ولد مؤخرا من رحم هذه الحاجة الحوثية.
هذه هي المرحلة الثانية من المشروع بعد المرحلة التي عرفناها في السنوات السابقة، فيما سيظهر الحوثي في المرحلة الثالثة رئيسا مباشرا لحزب يؤسسه هو. وكما يتنكر في الوقت الحالي لحزب الحق رغم أنه موجود على أرض الواقع وإطار جاهز ويرحب بحزب الأمة المولود والمخلوق من عدم، فإنه سيعود مستقبلا للتنكر لحزب الأمة بعد أن يستخدمه في هذه المرحلة ويقضي منه وطره!!
الحوثي ومشائخ بالمنطقة.. التوافق والاختلاف
كانت مدينة عدن مركز إشعاع مدني خلال حقبة الاستعمار، ولهذا اندفعت المناطق المجاورة لها في محاولات حثيثة للتحول نحو المدنية وبشكل أسرع من المناطق البعيدة.
ولم تتوقف هذه المناطق عن بذل المحاولات في تحقيق هذا التحول، بل اتسعت رقعة المحاولة في الوقت الراهن لتشمل اليمن كله، ولكن بعيدا عن تأثير مدينة عدن التي حلت محلها وتلعب دورها التنويري -في الوقت الحاضر ومنذ عقود- قنوات الفضاء ونوافذ الإعلام والثقافة الحديثة. وما هذه الثورة التي نعيش أحداثها إلا محاولة كبرى للتحول نحو المدنية، وثمرة لهذا التطور في وسائل الإعلام والثقافة فضلا عن ارتفاع مستوى التفاعل الاجتماعي بين مختلف مناطق اليمن أولا، ثم ارتفاع نسبة الاحتكاك مع الشعوب الأخرى وعبر الوسائل المختلفة.
إنه تحول إجباري لا مناص منه يجدر بكل القوى في اليمن أن تستفيد منه وتدفع به إلى الأمام، وبالنسبة لمن يرونه تحولا في غير مصلحتهم فعليهم التفكير جديا في التعامل المرن معه ومجاراته بدلا من الوقوف في طريقه، والحديث –في هذه الأسطر- عن الحوثي والمشائخ في صعدة وما حولها لعلهم يعيدون حساباتهم وتصورهم عن المستقبل.
بل ربما أن الحوثي قد حدد هدفه ولا يحتاج إلى إعادة صياغة لما لديه من مفاهيم وتصورات وأهداف، ووحدهم المشائخ ومن إليهم من الوجهاء هم المعنيون بهذا السطر إذ يتوجب عليهم إعادة صياغة علاقتهم بمناطقهم وقبائلهم بحيث تغدو شرعية الوجاهة قائمة على خدمة الناس والإسهام في تطوير حياتهم لا استغلال بؤسهم وجهلهم وفقرهم.
إن مشروع الحوثي السلالي الطائفي الذي يصطدم مع الناس في المناطق التي يتواجد فيها، إنما يتوسع مستفيدا من جملة أسباب ومن أهمها مستوى التدني العلمي والثقافي في تلك المنطقة، وشأن الحوثي –في ذلك- شأن كثير من مشائخ القبائل هناك، فرغم المليارات التي لديه والنفوذ الكبير الذي يتمتع به في عدد من مديريات صعدة وبعض المديريات في ما حولها لم يبن في أي من تلك البلاد مدرسة ولا مستوصفا ولا شق طريقا إلا أن يشقها لأهداف عسكرية بعيدا عن حاجة الناس. وعند هذه النقطة يلتقي مع كثير من مشائخ تلك المناطق.
ويبدو الطرفان هناك أشبه ما يكونون بسباع في غابة يتنافسون على الطرائد المجردة من أسباب القوة ويتعاونون على الإيقاع بها، ويجمع بينهم القناعة بوجوب قتلها من أجل أكلها.. يتفقون عليها عند الصيد، ثم عند الأكل يتنازعونها ويختلفون عليها اختلاف الضباع مع سائر السباع.
ربما أن هذا واحدا من مبررات التقارب الحالي بين الحوثي وبين الشيخ حسين الأحمر وغيره من مشائخ تلك المناطق، مع إغفال عوامل اللقاء الأخرى إذ لا مناسبة للحديث عنها في هذا المقام. ويبدو التحالف بين الحوثي وبين أي من المشائخ مثيرا للتعجب، إذ كيف يقبل أي من هؤلاء المشائخ لفكرة التقارب مع الحوثي -فضلا عن التحالف معه- فيما هو يرى سابقيه من نظرائه مشردين منفيين من قبل الحوثي؟
أن يشكل حزبا سياسيا أو لا، فهذا شأنه.. وإنما السؤال:
هل يتخلى الحوثي عن السلاح!؟
تتزايد الدعوات التي تطالب الحوثي بالانخراط في الحياة السياسية المدنية من خلال حزب سياسي، ويتساءل كثيرون عن إمكانية حدوث هذا، وتظهر للعيان عدة مؤشرات عن تفكير عبدالملك الحوثي في صيغة سياسية حديثة كتأسيس حزب الأمة وترحيب الحوثي به وقوله لجمال بن عمر إنه "قد يشكل حزبا سياسيا" في المستقبل، وغيرها من المؤشرات. ولا يبدو أن أمام الحوثي –على المدى المنظور- إلا أن ينخرط في الحياة السياسية عبر حزب سياسي، سواء كان حزب الأمة أو غيره.
وكل هذه المؤشرات وغيرها، وحتى لو أعلن الحوثي رسميا تأسيسه لحزب سياسي، ليست باعثا على التفاؤل. وما يبعث على التفاؤل -فقط- هو أن يعلن الحوثي تخليه عن السلاح، ثم إن شاء أن يشكل حزبا سياسيا –بعد التخلي عن السلاح- فذلك أمر جيد، وإن شاء أن لا يشكل حزبا –بعد التخلي عن السلاح أيضا- فهذا شأنه وقراره. أما أن يشكل حزبا سياسيا مع احتفاظه بالسلاح وتمسكه بمبدأ العنف واستخدام القوة، فهذا يزيد الطين بلة، ويفترض أن يزيد من مستوى التشاؤم في عموم المجتمع اليمني الذي خرج عن بكرة أبيه اليوم مطالبا بدولة مدنية حديثة. ومن يرفض استخدام الجماعات للسلاح كأداة للعيش والتوسع، فهو يرفض –من باب أولى- حصول هذه الجماعة المسلحة على غطاء سياسي.
والخلاصة: السؤال الذي يتردد كثيرا على الألسنة ومفاده: هل سيؤسس الحوثي حزبا سياسيا؟ سؤال يفتقر إلى الدقة وموافقة المعنى المطلوب التساؤل عنه، ويجب أن يكون السؤال: هل سيتخلى الحوثي عن السلاح!؟
لقد تأسس حزب الله في لبنان وقام على شعار المقاومة نظرا لقربه من إسرائيل التي تحتل قطعة غالية من الشام، ثم صنع لنفسه صيغة حزبية سياسية رديفة لدواع أخرى مذهبية وفكرية ولممارسة أنواع النشاط الثقافي وإصدار الصحف وبناء المنابر الإعلامية ولافتة للتواصل مع المجتمع والخارج.
وذات الأمر حدث مع حركة حماس في فلسطين. ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي هي المبرر الأول والأخير لأجنحتهم العسكرية، وهي سبب ما تلقاه هذه الجماعات من قبول لدى المجتمعات العربية والإسلامية. وهذا واضح ممّا نعرفه عن هاتين الجماعتين، وواضح –قبل هذا- من الدلالة المباشرة لتسمية حماس: حركة "المقاومة" الإسلامية.
وكان الحوثي يدرك من البداية أنه يحتاج دون تأسيس جماعة مسلحة إلى لافتة مماثلة لتلك التي لحماس وحزب الله، فرفع شعار "الموت لإسرائيل". ولأنه بعيد عن إسرائيل ولا يمكن بناء قناعة لدى الناس بصدق هذا الشعار، أضاف إليها أمريكا ليعطيه صفة الرمزية من خلال الإيحاء بتعمده لصياغته رغم البعد الجغرافي بينه وبين إسرائيل، وليوحي أن مقاومته لإسرائيل تبدأ من هنا.
ومن الطبيعي أن لا يتسبب الحوثي في أي ضرر بإسرائيل أو أمريكا حتى الآن، أو يحاول ذلك على الأقل، وأن يكتفي بمهاجمتهم في إعلامه وأدبياته، ذلك أن شعاره ضدهم ليس إلا لافتة وغطاء لتملك السلاح وانتهاج العنف. وإنما غير الطبيعي -بالمقابل- هو أن لا يتعرض ولو حتى في إعلامه وأدبياته للأطراف الدولية الأخرى الراعية والداعمة لإسرائيل وفي مقدمتها روسيا التي لا تقل حنانا بإسرائيل من أمريكا. أم ترى أن التحالف القائم بين إيران وروسيا سبب كاف لإسقاط الأخيرة من قائمة داعمي إسرائيل!؟
وعودة إلى موضوع الفقرة: الأصل أن تبدأ أي جماعة من الجماعات كجماعة مدنية (سياسية، ثقافية، فكرية، مذهبية، ..إلخ)، ثم يمكن للناس النظر في توجهها التالي نحو بناء جناح مسلح وتقدير مدى احتياجها للسلاح وما الضرورات التي تفرض عليها ذلك؟ لكن الحوثي فعل العكس، إذ بدأ بتأسيس جماعة مسلحة، وها هو يشعر اليوم بحاجة إلى جناح سياسي.
وإذ يبدي رغبة في إنشاء جناح سياسي ويقول إنه قد يشكل حزبا في المستقبل ويرحب بتأسيس أحزاب على الساحة اليمنية.. فإن هذا التحول –إن حصل- ليس تحولا من صفة الجماعة المسلحة إلى الكيان السياسي بقدر ما هو بحث عن غطاء سياسي للجناح المسلح ومنهج العنف وحرفة جديدة ينجو بها من الفقر المحتمل ويزداد بها غنى. وحتى لو شكل حزبا سياسيا فإنما سيفعل ذلك لمرحلة معينة، وهكذا سيتنقل –وفق تصوره للمستقبل- من جماعة مسلحة، إلى جماعة مسلحة تدعم حزبا سياسيا وتهتف للدولة المدنية، إلى حزب سياسي يرأسه الحوثي نفسه، ومنه إلى الوقوف على رأس الدولة السلالية الطائفية التي ينشدها. وفي كل هذه المراحل سيظل محتفظا بجناحه العسكري كأساس لوجوده وأداة لمشروعه وهدفه الأخير.
لماذا لا يعترف الحوثي ب"قضية صعدة"؟
للجنوبيين قضية يطالبون بحلها ويطلقون عليها "القضية الجنوبية"، وهي عندهم قضية مقدسة ومتفق عليها بين عامتهم وخاصتهم من الأشخاص ومن التيارات والكيانات المختلفة، بينما قضية صعدة لم تظهر كمصطلح إلا في أدبيات الأحزاب وتحديدا أحزاب اللقاء المشترك، وكأن ابتداع هذه التسمية من قبل أحزاب المشترك ناشئ من حاجة هذه الأحزاب للإشارة إلى صفة العمومية في المشكلة اليمنية، وكنوع من الاسترضاء السياسي لأبناء هذه المناطق، ونزولا عند رغبة بعض الأطراف في المشترك ممن تريد أن تظهر متبنية لقضية تماثل القضية الجنوبية لاستخدامها كقواعد لكرسي في صالات التحاور واستخدامها ورقة تفاوضية.. إلخ، ولإنهاء الاحتراب هناك قبل ذلك وبعده وما يتعلق بإنهاء هذه الحرب من تفاصيل تابعة كتعويض المتضررين وما إلى ذلك.
هذه هي قضية صعدة، ومن الإجحاف ومن غير المنطق ولا الصواب اعتبار قضية صعدة موازية للقضية الجنوبية، وإنما قضيتها كقضايا غيرها من المحافظات التي نشأت في عهد علي عبدالله صالح. ولهذا فتح المجال لمناطق أخرى لتوليد ذات المصطلح ك"القضية التهامية" على سبيل المثال. وحتى الحوثي نفسه لم يتبنّ مصطلح "قضية صعدة" ولا يطالب بحل "قضية صعدة" في حين يفترض أنه هو المطالب بها والمتحدث باسمها لو كان لها وجود حقيقي.
بل ربما إن الحوثي أكثر من يرفض هذا المصطلح، إذ لا يريد لأحد أن يفتح معه باب للنقاش ثم الحل السياسي لقضية صعدة، ذلك أن حل قضية صعدة (بمعنى معالجتها) سيعني حل جماعة الحوثي (بمعنى إنهائها)!!
الرفض المبكر لمؤتمر الحوار الوطني
يحرص الحوثي في التعبير عن موقفه من المبادرة الخليجية بأنه يرفضها "جملة وتفصيلا"، وكلمة "جملة وتفصيلا" هنا تعني تجاوز الرفض للانتخابات الرئاسية إلى رفض المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، ورفض إعادة هيكلة الجيش.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده السفير الأمريكي بصنعاء الخميس الماضي، قلل من شأن مقاطعة الحوثي للانتخابات، ولم يعبر عن أمله في عدول الحوثي عن مقاطعة الانتخابات إلى المشاركة. بل عبر عن أمله في مشاركة الحوثي بمؤتمر الحوار الوطني الذي يعد من أهم أعمال الفترة الانتقالية المحددة بسنتين.
وكأن السفير يشير إلى عدم وجود مشكلة في مقاطعة الحوثي للانتخابات، وإنما المشكلة في مقاطعته لمؤتمر الحوار الوطني.
وربما أن زيارة بن عمر لصعدة ولقائه بالحوثي كانت بهدف التباحث حول مؤتمر الحوار لا حول الانتخابات الرئاسية.
وأتصور أن خلاصة خطة الحوثي في هذا الشأن تتمثل في أنه سيستفيد من مؤتمر الحوار من خلال مشاركة أطراف أخرى تتبنى مطالبه كحزب الحق وحزب الأمة، وستنتزع له المكاسب التي سينتزعها في حال شارك بنفسه، لكنه –بالمقابل- لن يقدم أي تنازلات من جانبه، ولن يكون ملزما بأي مقررات يفرزها هذا المؤتمر، وذلك تبعا لكونه غير مشارك في مؤتمر الحوار ولا يعترف به.
الحوثي يرفض إعادة هيكلة الجيش
إعادة هيكلة الجيش ومأسسته وإلحاقه بوزارة الدفاع، إلى آخر المفردات التي تعنيها إعادة الهيكلة.. مطلب وطني بحت، وهدف من أهداف الثورة السلمية التي تنص على "إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية على أسس وطنية حديثة وبما يضمن حياديتها".
وهذا المطلب لصالح الوطن ولصالح الجيش إذ ينتزع السلاح والقوة العسكرية من الملكية الخاصة للرئيس أو العائلة أو القبيلة ويعيده إلى موضعه الطبيعي ملكا للوطن وللشعب. وهو مطلب سبق أن طرحته أحزاب المعارضة وغيرها كالأستاذ سالم صالح، وإن كان طرح وجهة نظره بمصطلحات مختلفة.
والحوثي الذي لا يزال يدعي أنه ضحية الجيش، سواء الذي يقوده علي محسن أو الذي يقوده أحمد علي ومحمد صالح، يفترض أنه أول الداعين إلى إعادة هيكلة الجيش حتى تنتهي معاناته من هذا الجيش الذي ستنتقل قيادته من يد علي محسن وأولاد صالح وإخوانه إلى وزارة الدفاع ورئيس الوزراء، لكن الغريب أن يأتي موقف الحوثي رافضا لإعادة هيكلة الجيش.
لقد برر الحوثي رفضه هذا الأمر بقوله إن إعادة هيكلة الجيش خطة أمريكية. وهذه في الحقيقة ذريعة ولافتة لا تختلف كثيرا عن شعاره المكذوب "الموت لأمريكا". ذلك أن إعادة هيكلة الجيش هي الهدف الثوري الذي اقتضى من الأمريكان الاستمرار في الانحياز إلى صالح وعائلته طيلة أشهر الثورة، وكان الأمريكان يريدون أن يعتبروا خروج صالح في يوليو للعلاج في السعودية بمثابة خروج نهائي ويصور على أنه نجاح للثورة، وكانت رؤيتهم أن يجري تشكيل مجلس وطني في تلك الفترة يشمل في عضويته أحمد علي عبدالله صالح وعددا من أفراد عائلة صالح، إلا أن الطرف الآخر المفاوض باسم الثورة رفض بقاءهم وأصر على رحيلهم، فجاء –بناء على هذا- موضوع إعادة الهيكلة.
وليس هذا الرفض الحوثي لإعادة هيكلة الجيش إلا تبنيا واضحا لواحدة من أهم المفردات التي يتبناها نظام صالح، وفي ذلك ما يشي بالتحالف الخفي بينهما.
وإلى ذلك: أسس علي عبدالله صالح وضعا مثاليا للحكم الأسري غير المؤسسي، ويرى الحوثي أن استمرار هذا الوضع سيسهل له مهمته في الوصول إلى السلطة وفي سرعة التحكم بالأمور بعد ذلك. فيما التحول إلى المؤسسية والمدنية سيزيل العوامل التي تساعده على الوصول والسيطرة.
* [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.