بقلم - ستيفن داي عقدت اليمن الحفل الختامي لمؤتمر الحوار الوطني يوم السبت الموافق 25 يناير. جاء ذلك بعد 10 أشهر من المحادثات بين أكثر من 500 عضو من جميع أنحاء البلاد. التقى المندوبون لحسم نتيجة التحول السياسي في اليمن بعد احتجاجات حاشدة أجبرت الرئيس السابق علي عبد الله صالح على الاستقالة في نوفمبر تشرين الثاني 2011. وفي حين تمت الإشادة بنجاح المؤتمر من قبل القيادات الداخلية وبعض الجهات الراعية الخارجية، إلا أن المؤتمر اختتم أعماله من دون خطط واضحة لتشكيل حكومة المستقبل أو حتى تقديم أفكار عامة من الحكم البرلماني الفيدرالي. ونتيجة لذلك، هناك سبب وجيهة للنظر إلى الحفل الختامي للحوار باعتباره حوارًا "غير منتهٍ" أو في أحسن الأحوال، نهاية جزئية فقط. إن النتيجة الفقيرة التي تمخضت في العاصمة صنعاء غير مستغربة بالنظر إلى عدد كبير من المشاكل التي تواجه البلاد على مدى العقدين الماضيين؛ حيث أدت الوحدة الوطنية في عام 1990 وأول انتخابات في عام 1993 إلى الحرب الأهلية في عام 1994. اليمنيون هم أفقر أناس في العالم العربي، ويعانون من ضائقة اقتصادية شديدة على مدى السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك البطالة والفقر، ومستويات سوء التغذية التي تصل إلى أكثر من 50%. كما تعاني اليمن من أزمة بيئية حادة ونقص في المخزون المائي والعنف السياسي أسفر عن تقسيم البلاد حالياً على أسس إقليمية متعددة. وقال الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي السبت في حفل اختتام مؤتمر الحوار الوطني: "أنا لم أستلم دولة. استلمت العاصمة والأعيرة النارية مستمرة ليلاً ونهارًا، حيث المتاريس في كل الشوارع. توليت بنكًا فارغًا لا يوجد لديه الأجور الشهرية وكذلك استلمت الأجهزة الأمنية والجيش منقسمين". ومن أجل فهم المأزق الحالي في اليمن في مؤتمر الحوار ال "غير المنتهي"، فإنه من الضروري فهم ثلاث نقاط ذات صلة: أولاً على عكس الدول العربية التي فوجئت باندلاع احتجاجات شاملة في الشوارع في عام 2011، شهدت اليمن بالفعل سنوات مفتوحة من التمرد قبل 2011. في الواقع، بين عامي 2008 و 2010، والمجتمع الدولي ينظر إلى اليمن بحذر باعتبارها دولة فاشلة محتملة، تمامًا على عكس الظروف في تونس ومصر، وغيرها من دول "الربيع العربي". لهذا السبب، عندما وصلت الموجات الأولى من أحداث صناعة التاريخ إلى شواطئ اليمن في عام 2011، وصلت ليس بوصفها بداية جديدة محتملة، كما في أماكن أخرى في العالم العربي. بدلاً من ذلك، بل أنها وصلت كخاتمة محتملة لمجموعة من المشاكل القديمة تعود إلى عام 1990 على الأقل، أو حتى قبل، إلى ستينات القرن الماضي. ثانياً على مؤتمر الحوار الوطني معالجة مجموعة من الصراعات التي لم تُحلّ، والتي أضعفت بشدة الحكومة قبل 2011. وظهرت هذه الصراعات في مناطق متعددة من البلاد، وخلقت سلطات منافسة للدولة. ومن أجل تحقيق النجاح، كان مؤتمر الحوار الوطني يحتاج إلى جذب مشاركين يمثلون جميع الفئات المشروعة في البلاد. وهذا ما أدى إلى تأخر بدء الحوار لمدة عام كامل، وفي الوقت نفسه، قرر القادة الرئيسيون للحراك في جنوبصنعاء - حركة الاحتجاج الجنوبية - مقاطعة المؤتمر، في حين تسعى إلى الاستقلال الكامل عن الشمال. وقد تمكن مؤتمر الحوار الوطني من تجنيد بضع عشرات من الجنوبيين للتصرف باسم الحراك. ولكن هذا لا يزال نقطة ضعف رئيسية في الحوار الوطني. فهناك جماعات احتجاجية إقليمية أخرى شرقًا وغربًا من العاصمة صنعاء لم يتم النظر إليها للقبول بمؤتمر الحوار الوطني. ثالثاً بعد بدء مؤتمر الحوار الوطني، شارك المشاركون في تسع لجان فرعية مصممة للوصول إلى توافق في الآراء بشأن عددٍ متساوٍ من مخاوف الحكومة في المستقبل، بما في ذلك التنمية الاقتصادية والحقوق المدنية. فكانت لجنتان فرعيتان وهما فريق بناء الدولة والقضية الجنوبية يمكن القول إنهما أكثر أهمية من غيرها؛ لأنها سوف تشارك في تحديد الهياكل الأساسية للحكومة، والتي من شأنها أن تؤثر بالضرورة على كل نتائج مؤتمر الحوار الوطني الأخرى. على سبيل المثال، إذا كان حل القضية الجنوبية أدى إلى أسس دولة جديدة مشابهة لتقسيم اليمن قبل عام 1990 وفقًا لخطوط الشمال والجنوب، فإنها ستغير مجموعة من النتائج المحتملة في مجالات الاقتصاد والحقوق المدنية. وهذه المعضلة عملت على إبطاء أعمال المؤتمر بالكامل، مما أدى إلى تأخر المؤتمر في اختتام أعماله عن الوقت المقرر في أواخر سبتمبر 2013. وقد حذر المؤتمر من خطر الفشل الكامل بدون توافق في الآراء بشأن القضية الجنوبية. وبالتالي، ناشد قادة الحوار الوطني المانحين الدوليين للتمويل تمديده لمدة أربعة أشهر إضافية. ولكن حتى بعد هذا التمديد لم ينتج عن الحوار في نهاية المطاف سوى نهاية "غير مكتملة." إن الأهمية الكامنة وراء هذه النقاط الثلاث واضحة – وهي ان هناك خط مباشر يمتد بين كل منهم، مما يدل على أن المشكلة الأساسية منذ بداية مؤتمر الحوار الوطني هي فشله في إشراك جميع الجماعات الإقليمية المنخرطة في الصراع مع النظام قبل عام 2011. وهذه الحقيقة من السهل أن يتم تجاهلها عندما تم الاحتفال باعتبار أن مؤتمر الحوار الوطني ناجح. فأولئك المسؤولون عن تنظيم المؤتمر كانوا يريدون في كثير من الأحيان مضاهاة الانتقال السياسي في البلاد، منذ عام 2011، مع ما حدث في تونس ومصر وليبيا، والبحرين، وسوريا، وعبر نفس الفترة الزمنية. ويزعمون أن العملية الانتقالية في اليمن هي الأفضل لأنه اعتمد على الحوار السلمي، بدلاً من الانتخابات المتنازع عليها والنزاع المسلح. ولكن هذه فرضية خاطئة أن يتم اعتبار لحظة التحول في اليمن هي نفس الدول العربية الأخرى. فقد تجاهلوا حقيقة أن مؤتمر الحوار الوطني كان بداية جديدة، وفرتها لحظة غير متوقعة من الأزمات، أقل مما كان فرصة لحل مجموعة من المشاكل القديمة، التي كانت قد ولدت أزمة دائمة لعدة سنوات. لفهم الآثار الكاملة للحوار الوطني غير المنتهي، من الضروري مراجعة ما حدث بعد سبتمبر عام 2013، عندما وافقت الجهات المانحة الدولية لتمويل امتداده حتى يناير كانون الثاني عام 2014. وعندما وافقت الجهات المانحة، تم اختيار مجموعة صغيرة مكونة من 16 شخصًا (وتسمى "لجنة فرعية 8 +8 للقضية الجنوبية"، التي تتكون من ثمانية شماليين وثمانية جنوبيين)، لحسم نتيجة القضية الجنوبية. وقد ترأس هذه اللجنة الفرعية "8 +8"، محمد علي أحمد، باعتباره رئيس فريق القضية الجنوبية كحليف للسيد هادي، الذي يأتي من نفس الإقليم الجنوبي. وفي الأصل فقد عين هادي أحمد ليحل محل رئيس اللجنة الفرعية السابقة من قضية الجنوب، وهو شيخ قبلي مؤثر جدًا والذي استقال في ابريل 2013 بسبب شكاوى حول سوء التمثيل للجنوبيين في الحوار، ولا سيما مصالح الحراك. في هذه الأثناء، اضطر أحمد وممثلون جنوبيون آخرون لاتخاذ موقف مساومة قوى لصالح طلب الحراك باستقلال الجنوب. وفي اللجنة الفرعية "8 +8"، واصل أحمد وحلفاؤه الدفع نحو دولة جنوبية حدودية على قدم المساواة في السلطة مع المناطق الشمالية. (أراضي الجنوب هي أكثر ثراء، وأكثر من ضعف حجم الأراضي الشمالية، ومع ذلك سكان الشمال هم أكثر من أربعة أضعاف من عدد سكان الجنوب). وهو ما دفع أعضاء لجنة ال "8 +8" لاقتراح تشكيل دولة اتحادية جديدة تتألف من منطقتين في الجنوب وأربع مناطق في الشمال. وبسبب عدم قدرته على كسر هذا الجمود، بدأ أحمد وحلفاؤه يقاطعون مؤتمر الحوار الوطني. وفي نهاية المطاف حل هادي وقيادة المؤتمر محل أحمد لقيادة لجنة "8 +8"، في حين تم تجنيد حتى الآن مجموعة جديدة أخرى من الجنوبيين الذين عبروا عن استعدادهم لقبول مقترح الدولة الاتحادية من ستة أقاليم. ومع ذلك، فإن لجنة "8 +8" لم تتوصل قط إلى توصية نهائية. وبدلاً من ذلك، فقد تجاوزت خلافاتها باقتراح أن يقوم هادي بتشكيل لجنة فنية للاختيار بين الخيارين الأخيرين اللذين هما قيد النظر: إما دولة فيدرالية من إقليمين (الشمال والجنوب)، أو ستة أقاليم. وكان هادي قادراً على إجراء الحفل الختامي لمؤتمر الحوار الوطني فقط بسبب تأجيل القرار المتعلق بعدد الأقاليم التي يمكن أن تتواجد في دولة اليمن الفيدرالية.. تمكنت كل لجنة فرعية للحوار الوطني من إكمال عملها، وتقديم التقرير النهائي، باستثناء اللجنة الفرعية بشأن القضية الجنوبية. حتى فريق بناء الدولة وافق على فكرة اعتماد اليمن دولة فيدرالية تحت شكل يتم تحديده في وقت لاحق. وقبل الحفل الختامي لمؤتمر الحوار، مدد هادي فترة ولايته كرئيس لفترة انتقالية لمدة سنة واحدة، من أجل تعيين ومراقبة لجنتين جديدة. واحدة، لجنة من الخبراء الفنيين ستقوم باختيار بين دولة فيدرالية من اثنين أو ستة أقاليم؛ والأخرى لجنة من الخبراء القانونيين لصياغة دستور جديد يستند إلى توصيات مؤتمر الحوار. وبعد انتهاء هاتين اللجنتين من أعمالهما، سيتم إجراء استفتاء للحصول على موافقة الجمهور بشأن النتيجة. وأخيرًا، سوف يتم انتخاب رئيس جديد. إن الجدول الزمني لاستكمال جميع الخطوات المذكورة أعلاه هي سنة واحدة، أو في أي وقت قبل نهاية يناير كانون الثاني عام 2015. وهذا سيكون جدولاً زمنيًا معقولاً، إذا كان مؤتمر الحوار الوطني قد أجمع على رؤية بشأن الاتجاه المستقبلي للبلاد. ولكن لم يكن هناك توافق في الآراء في الحوار أبدًا. ونتيجة لذلك، لا تزال المسألة مفتوحة ما إذا كان بإمكان البلد تحقيق كل هذه الأجندة خلال العام المقبل. لا يزال هناك قدر كبير فيما يتعلق بقرار يحدد عدد الأقاليم، وعناء متأصل في رسم خطوط الحدود بين المناطق. إن من شأن ذلك أن يخل بأكثر من دائرة انتخابية واحدة في البلاد. وفي الحقيقة، نتائج التحول السياسي في اليمن تعتمد حالياً على قرارات اللجنة الفنية التي تعمل تحت إشراف هادي. وقد تم مؤخرًا النقل عن هادي قوله: "كل مشاكل اليمن يمكن حلها من خلال تصميم دولة اتحادية. إذا تم تحديد عدد وموقع الأقاليم في دولة فيدرالية بهدف التخلص من المناطقية والطائفية". لا تراهن على ذلك. في جميع أنحاء البلاد، هناك أعضاء ساخطون من الجماعات الإقليمية المختلفة التي لم تشارك في مؤتمر الحوار الوطني. وتستمر هذه الجماعات في التمرد عبر وسائل متنوعة. وهذا ما جرى في محافظة حضرموت الشرقية، حيث شن تحالف قبلي في الآونة الأخيرة حملة مسلحة لتحرير أراضيهم، وفي المنطقة الغربية من تهامة، تم استخدام العصيان المدني لتأكيد الحكم الذاتي المحلي للمرة الأولى منذ ما يقرب من القرن. وفي جنوبصنعاء، يجسد الحراك الجنوبي من أجل مقاومة أقوى، بينما لا تزال الحرب الطائفية شمال صنعاء تنتشر، وأنصار الحوثي يسعون إلى توسيع الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم. وفي الوقت نفسه، داخل العاصمة، ما يزال فلول النظام القديم موجودين. فقد انسحبوا من نتائج مؤتمر الحوار، متهمين القوى الأجنبية بالسيطرة على البلاد وفرض الوصاية عليها. وقد لجؤوا أيضًا على نحو متزايد إلى الخطابة الدينية، والتي سوف تؤدي إلى تفاقم التوترات الطائفية. وبحلول هذا الوقت من العام المقبل، فإنه من الصعب التكهن بشأن شكل اليمن الجديد لأن الاتجاهات الحالية تسير في الاتجاه المعاكس، بعيدًا عن المستقبل واتجاه الماضي. بحلول عام 2015، ربما من المرجح أن تشبه الظروف السياسية ظروف خمسينات القرن الماضي. وهي فترة من حكم الأئمة والسلاطين قبل الثورات اليمنية الحديثة، كما في الثمانينات، والتي سبقت الوحدة الوطنية بين جمهوريتي الشمال والجنوب.