كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    عاجل..وفد الحوثيين يفشل مفاوضات اطلاق الاسرى في الأردن ويختلق ذرائع واشتراطات    مليشيا الحوثي تعمم صورة المطلوب (رقم 1) في صنعاء بعد اصطياد قيادي بارز    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    إعلان عدن التاريخي.. بذرة العمل السياسي ونقطة التحول من إطار الثورة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    "مشرف حوثي يطرد المرضى من مستشفى ذمار ويفرض جباية لإعادة فتحه"    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    "القصاص" ينهي فاجعة قتل مواطن بإعدام قاتله رمياً بالرصاص    "قلوب تنبض بالأمل: جمعية "البلسم السعودية" تُنير دروب اليمن ب 113 عملية جراحية قلب مفتوح وقسطرة."    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    غضب واسع من إعلان الحوثيين إحباط محاولة انقلاب بصنعاء واتهام شخصية وطنية بذلك!    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقتل الغشمي والموقف من انتخاب المقدم علي عبدالله صالح
مذكرات الشيخ عبدالله الأحمر: من معارضة الحمدي والغشمي إلي إعداد الميثاق الوطني (8 10)
نشر في مأرب برس يوم 18 - 11 - 2007

الشيخ عبدالله الاحمر احد فصول تاريخ اليمن الحديث. فليس بالامكان تقليب صفحات هذا التاريخ دون التوقف عند شخصه، واسرته، وقبيلته، في عهد الإمامة كما في الجمهورية. انه فاعلية سياسية واجتماعية كبيرة في العهدين.
شيخ مشايخ قبائل حاشد، رئيس مجلس النواب ورئيس حزب التجمع اليمني للاصلاح المعارض، عبدالله بن حسين الاحمر، بلغ الرابعة والسبعين. ورغم تقدم السن، والمرض، فان الشيخ الذي تبندق في الخامسة عشرة، يرفض نزع السلاح ، ويخوض معركة جديدة، لكن هذه المرة مع التاريخ، من خلال مذكراته هذه التي خص القدس العربي بحقوق نشرها.
وهذه المذكرات سيرة رجل، بقدر ما هي سيرة بلد، تعكس شاشتها مرحلة انتقال اليمن من طور خالص الانتماء الي القرون الوسطي، الي طور هجين تتصارع فيه الأزمنة التقليدية والحديثة. وهي بذاتها علامة تحول او تغير: فمذكرات أسلافه كانت روايات شفاهية في الدواوين، بينما تميز عنهم بنقلها الي عصر التدوين .
انها ذكريات غنية بالتاريخ لرجل ينتمي الي أحد أثري البلدان العربية تاريخاً.
هذا الرجل خطير
بعد أن قدم القاضي الارياني استقالته من رئاسة المجلس الجمهوري وقدمت استقالتي وأنا في خمر، تم تكوين مجلس القيادة، وأعلنت الأحكام العرفية وتجمد مجلس الشوري وتعطل الدستور، وعلي أساس أن هذه الحالة مؤقتة لمدة ستة أشهر ويعود الحكم المدني ومجلس الشوري والعمل بالدستور ويختار مجلس جمهوري كما اتفقنا علي ذلك قبل الانقلاب مع إبراهيم الحمدي والضباط وسنان أبو لحوم ومن حضر معنا.
كان تجميد مجلس الشوري وتعليق الدستور خطوات لاحقة اتخذها إبراهيم الحمدي من مجلس القيادة ولم نتفق عليها ولا جري أي حوار بيننا بشأنها لكن الحمدي استند علي الاستقالة واتخذ هذا الموقف علي أساس أنه ما دام رئيس مجلس الشوري قد قدم استقالته وقد أعلنت حالة طوارئ ونحن في فترة انتقالية فإن حالة الطوارئ تستدعي هذه الإجراءات.
بدأ الرئيس الحمدي يختلف مع مجاهد أبو شوارب وبيت أبو لحوم وجاءوا لي وأنا في صنعاء وكانوا لا يزالون أقوياء وأعضاء في مجلس القيادة وقادة في الوحدات العسكرية يحاولون استقطابي إلي صفهم للتخلص من إبراهيم الحمدي قلت لهم: أنتم أقنعتمونا به وبالحركة والآن تريدون أن تتخلصوا من إبراهيم الحمدي من أجل يصفي الجو للبعث، لا لست معكم في هذا. وحاولوا معي مرات كثيرة ورفضت. وتصاعد خلافهم مع إبراهيم الحمدي وبدأ يضايقهم من مناصبهم من مجلس القيادة ومن الوحدات العسكرية التي كانوا فيها، والتي تمكن من خلخلتها وكسب ضباطها حتي إن علي أبو لحوم ما شعر إلا والضباط كلهم ضده ومنعوه من دخول الوحدة العسكرية في العرضي.
وعندما أعلن بيان بتغيير بيت أبو لحوم من قيادة الجيش يوم 27 نيسان (إبريل) 1975م، عارضت ذلك وهذا اليوم أصبح اسمه يوم الجيش، الذي سماه الحمدي، واعتبر عيداً يحتفل به كل عام، وحينما جاءت لي الأخبار وأنا في مجلس الشوري قمت من القاعة إلي مكتبي واتصلت بالحمدي تلفونياً وجرت بيني وبينه مشادة قوية، وبعدها أقصي العميد مجاهد أبو شوارب من منصبه القيادي العسكري وكان في الصين وعاد من الصين ونزل في مطار جده، ثم اتجه براً إلي حجة مركز المحافظة حيث كان أيضاً محافظاً لها، وقام بترتيب الأمور في حجة ثم اتجه إلي خمر واشتد الخلاف مع إبراهيم، ولم أعد أطمئن له وتذكرت ما كان يبلغني به مجاهد وبيت أبو لحوم من قبل أنهم اكتشفوا أن هذا الرجل خطير، فخرجت إلي خمر بعد خروج مجاهد بحوالي شهرين تقريباً أو أقل.
الخلافات مع الحمدي
عندما خرجت الي خمر بدأ مسار المعارضة يأخذ موقفاً قوياً حيث استقطبنا القبائل وقليلاً من العسكر فكانت المناطق من بعد ريدة إلي صعدة معنا أما حجة فحصل من أهلها مقاومة لكنهم سرعان ما تخاذلوا وخذلوا مجاهد الذي كان يستند إليهم وقدم لهم الخدمات.
وفي هذه الأثناء قام بعض الأشخاص بوساطات لحل الخلاف وأكثر من قام بهذا الدور القاضي عبد الله الحجري لكنها كانت وساطات استسلامية ونصائح ليس فيها شيء مقابل شيء. وكانت لنا شروط وفي مقدمتها إعادة الحياة الدستورية والحكم المدني بحسب الاتفاق الذي تقرر علي أساسه التغيير.
والقاضي الحجري كانت وساطته تهدئه واستسلاماً وكان يقول: خلاص تعاملوا مع هذا الإنسان ولا تطلعوا المحرة لا تتركوه وحاولوا تمسكوه وتتعايشون معه لا تطلبوا منه أكثر مما يطيق. وكان يستعمل (لا تطلعوا المحره) لأنه سيحصل كذا وكذا، كما خرج لنا من الوسطاء بعض المشائخ منهم عبدالخالق الطلوع ومحمد يحيي الرويشان وكان صديقًا للحمدي، ومحمد حسن دماج وعبد الله دارس وكانوا يحملون نفس الرأي الذي كان يحمله القاضي عبدالله الحجري. كانوا يحاولون ثنينا عن المعارضة مقابل أن الحمدي سوف يسمعنا ونحن نتعاون معه ونكون وإياه يداً واحدة، كما بعث إلينا الأستاذ أحمد محمد نعمان برسالة ينصح فيها بالتعاون الصادق والحذر والحيطة من الذين يسعون للفرقة بيني وبين الحمدي ويشرح فيها عن مواقفه.
واستمرت الوساطات ومحاولة تقريب وجهات النظر اثناء أدائنا فريضة الحج مع إبراهيم الحمدي من قبل المسؤولين في المملكة، وأعتقد أننا لم نتفق علي شيء محدد وعلي أساس أن نتواصل هنا وهناك ونحل الخلاف ! لكن الموقف اشتد عندما أقدم الحمدي علي حل مجلس الشوري في 22 تشرين الاول (أكتوبر) 1975م وخرجت المظاهرة (لا شوري بعد اليوم) وكنت حينها في خمر والتواصل منقطع مع الحمدي، ومجاهد الذي كان أول من شد الموقف مع الحمدي وكان يدخل صنعاء ويلتقي مع الحمدي ويجري محادثات للمصالحة.
وفي هذه الأثناء والمعارضة للحمدي في أشدها خرج إلي خمر الأمير تركي ابن فيصل بن عبد العزيز وعندما وصل إلينا كان أكثر ما ركزنا عليه هو إظهار استياء الناس من الحمدي والتفافهم حولنا، وصادف وجوده التقاء القبائل فيما أسموه مؤتمر (خمر الثاني) وفعلاً رأي وسمع ما لم يكن يتوقع مما جعله يقول: هنا الدولة هنا اليمن، لأنه رأي وجوه مشائخ اليمن وقد حاول أن يقرب وجهات النظر ويخفف من حدة الخلاف، ولست أذكر تفاصيل ما جري بيننا من محادثات لكنها كانت تصب في اتجاه تنقية الأجواء وتجاوز الخلافات والتصالح مع الحمدي.
واستمرت الخلافات طوال عامي 1976م، 1977م. وفي هذه الأثناء قتل القاضي عبدالله الحجري في لندن وظهرت إشاعات بأن الحمدي تآمر عليه، وكان التصاق القاضي عبدالله الحجري بالحمدي وتأييده له قد أوجد بيننا وبينه هوة، لأن وجوده في جانب الحمدي كان يخدم الأخير خدمة كبيرة، وكنا ننصح الحجري بالابتعاد عن الحمدي لكنه كان يرفض نصائحنا، لذلك لم يمثل قتله إضعافاً لنا لأنه كان يعتبر في تلك الفترة سنداً ودعماً وظهيراً للحمدي.
الدور السعودي في دعم الحمدي
كان موقف السعودية مؤيداً لأنقلاب 13 حزيران (يونيو) 1974 ولا أعتقد انه كان لها دور في التخطيط للحركة، ولكن يبدو أنه كان هناك سر بينهم وبين إبراهيم الحمدي لأنهم كانوا ضائقين بالقاضي عبد الرحمن الارياني، وكانوا علي علاقة بإبراهيم الحمدي ومعجبين بشخصيته، وقد دعموه في البداية، وعندما بدأ الخلاف بيننا وبين إبراهيم حاولوا التوسط وتقريب وجهات النظر، وكانوا حريصين أن أظل موجوداً في الدولة لكنهم في الوقت نفسه حريصون أن لا نهز وضع إبراهيم الحمدي أو نفرض عليه شروط أشخاص وكانت ثقتهم بالحمدي كبيرة ووساطتهم علي أساس أن نتصالح وأكون معه، وفي الوقت الذي كانوا ينصحوني بعدم معارضة الحمدي كانوا ينصحونه أيضاً أن لا يصعد الموقف معنا وكانوا علي ثقة أنه معهم ويستند إليهم وكان يطرح عليهم أنه يريد بناء دولة، ونحن مراكز قوي ولا بد أولاً أن يتخلص من مراكز القوي ليستطيع بناء دولة وهذا بخلاف رغبتهم، وكانت القيادة السعودية ترغب بوجود حاكم قوي يستطيعون أن يدعموه وهو في أيديهم وقادر علي التعامل معهم بدلاً من الفوضي.
وكان ما يطرحه الحمدي يلقي تجاوباً من المثقفين والشباب داخل اليمن وخارجة خاصة وأنه كان خطيبا مفوها ومؤثراً.
وخلال فترة الخلاف لم ينقطع تواصلنا مع المسؤولين في المملكة ولم تنقطع وساطتهم بيننا وبين الحمدي، فقد كان سفيرهم بصنعاء دائم التردد علينا لهذا الغرض، وقبل مقتل الحمدي أبلغنا السفير السعودي عزمنا علي زيارة السعودية وتوجهنا براً إلي الطائف مع مجموعه من المشائخ من كل مكان، في شهر رمضان قبل مقتل الحمدي بشهرين أو أقل لنؤكد لهم أننا رافضون للحمدي، وأننا مستندون إلي القاعدة الشعبية، وبقينا في الطائف حوالي ثلاثة أسابيع أو أكثر، وكان محسن اليوسفي يتحرك بين صنعاء والطائف من أجلنا وهو وزير الداخلية وذلك في محاولة لتسوية الخلاف بيننا وبين إبراهيم الحمدي خاصة بعد أن ساورهم القلق من سياسات الحمدي، الذي كان يلعب علي الحبلين فقد كان يظهر للسعوديين أنه مستند إليهم، وكانوا يدعمونه ومتمسكين به فعلاً خاصة بعد أن تخلص من مجاهد ومحسن العيني وبيت أبو لحوم والتيار البعثي في الوقت الذي بدأ بإقامة العلاقات مع النظام في عدن وإحلال الناصريين بدلاً عن البعثيين في مؤسسات الدولة، فبعد أن تظاهر لهم أنه كان يخدمهم بتصفية البعث الذي كانوا علي عداء معه وقدموا له الدعم والتأييد إذا به يحل الناصريين بدلاً عنهم، والسعوديون لا يختلف موقفهم من الناصريين عن موقفهم من البعث إلا أنهم كانوا يعتبرون الناصريين ضعفاء في تلك الفترة.
انقلاب الغشمي
كان أحمد الغشمي يتبني نفس موقف الحمدي ضدنا، اي نهج ابعاد المشائخ عن السلطة، وعندما بدأ بالإعداد لحركته لم يكن بيننا وبينه أي تفاهم أو تقارب أو حتي مجرد إيحاء بما ينوي فعله، ولهذا كان مقتل الحمدي مفاجئا لنا وقد استقبلت النبأ باستياء شديد فهذه جريمة وما كان يجب أن تصل الأمور إلي هذا الحد.
وبقدر ما كان القتل جريمة استنكرناها، فإن التغطية القبيحة التي صاحبت الجريمة اعتبرناها أشد قبحاً وقد أدنتها وبعثت في ليلتها رسالة حملها الأخ علي شويط قلت لهم فيها أن التغطية مشينة وغير مشرفة، لأنه كان يجب أن تعلنوا أنكم قمتم بانقلاب وتعلنوا مبرراته بدل البكاء والأناشيد العسكرية وهذا الكذب والتغطية القبيحة.
دخل مجاهد أبو شوارب بعد الانقلاب والتقي بالغشمي، الذي لم يفتح معنا أي حوار وإن كان قد بعث لنا من يطمئننا ويؤكد لنا أن الخلاف الذي كان موجوداً بيننا وبين الحمدي قد انتهي، ويطلب منا أن نبقي في خمر، وأن لا ندخل صنعاء، حتي المشائخ الذين كانوا مقاطعين صنعاء طلب منا أن نبلغهم أن لا يدخلوا صنعاء، حتي أن الشيخ أحمد ناصر الذهب وكان من المشائخ الذين كانوا عندي في خمر دخل بعد مقتل الحمدي وأرجعه الغشمي قبل أن يدخل صنعاء وجلس في قرية القابل شمال العاصمة.
وظل الغشمي يطلب منا التريث وان لا ندخل صنعاء وانه سوف يلتقي بنا كضيوف في بيته في ضلاع، والتقينا به وأكد لنا أنه معنا وأننا وإياه في خط واحد وعلينا أن نؤجل أي شيء، وقال: اتركوا لي فرصة!!
وعندما أعلن إنشاء مجلس الشعب التأسيسي أظن أنه أشعرنا بذلك مسبقاً، ولم يكن عندي أي مطالب علي أحمد الغشمي حتي يتبين موقفه.
مقتل الغشمي والموقف من انتخاب المقدم علي عبدالله صالح
بعد مقتل الغشمي قررنا دخول صنعاء قلنا لا ننتظر حتي تأتي تعليمات ممن سيأتي بعده تمنعنا من الدخول ولم يكن لدينا أي محظور أمني ووصلنا صنعاء يوم دفن الغشمي بتاريخ 26/6/1978م. وكان منصب الرئيس شاغراً، وكان هدفنا أن نحاول تصحيح خطئنا الذي ارتكبناه في 13 حزيران (يوينو) 1974م وإعادة الحكم المدني، ودخل معنا الشيخ سنان أبو لحوم وجميع المشائخ الذين كانوا خارج صنعاء من كل مكان، وحاولنا جميعاً إعادة الوضع المدني وبذلنا قصاري جهدنا في مجلس الشعب، ومما شجعنا أن القاضي عبد الكريم العرشي هو رئيس مجلس الشعب التأسيسي الذي تولي الأمر بعد مقتل الغشمي، وقلنا له استمر حتي ترتيب الأمور طبقا للدستور، وأكدت في رسالة لرئيس وأعضاء مجلس الشعب أن يناقشوا أولاً كيف تحكم اليمن وليس المهم من يحكم اليمن.
وصارحنا علي عبدالله صالح وترجيناه وكنا نعرفه من قبل ولم نكن نرغب بأن يتولي هو منصب الرئيس لأننا من ناحية كنا نعتقد أنه غير قادر علي تحمل المسؤولية، ومن ناحية أخري وهي الأهم كنا نصر علي عودة الحكم المدني لكي نكفر عن خطئنا السابق، وكان معنا في هذا الموقف بعض المشائخ منهم سنان أبو لحوم وأحمد علي المطري وأما الكثير من المشائخ فكانوا يقفون معنا في النهار حيث كان حوش منزلي يمتلئ بهم، وفي الليل يذهبون إلي القيادة وأعضاء مجلس الشعب!!
كان هذا موقفنا في البداية، لكن علي عبدالله صالح أصر واستطاع بذكائه وحنكته أن يكسب الجيش ويفرض نفسه علي القادة ومن هم أعلي رتبة ومكانة ومنهم القائد العام علي الشيبة وزير الدفاع وفرض نفسه علي الجميع.
كما أصر معه الإخوان في المملكة العربية السعودية حتي استدعوني إلي جدة فعلاً وجاءوا بطائرة تنقلني إلي هناك لإقناعي بعلي عبدالله صالح. لقد أيدت السعودية بشكل واضح ودعمت بقوة علي عبدالله صالح، وبذل العميد صالح الهديان الملحق العسكري للمملكة جهوداً كبيرة لإقناعنا، كما خرج علي بن مسلم من السعودية يقنعني ويقنع بقية المشائخ وجلس في صنعاء حتي تمت الأمور.
الثمانينات
بعد انتخاب الرئيس علي عبد الله صالح، بدأ الموقف يتذبذب وبدأت الريبة عندي وبعض القوي التي تقف معي ممن كان لهم مواقف ثابتة وواضحة، ولكني ما لبثت أن وجدت نفسي ملزماً بدعم الرئيس علي عبد الله صالح، وبدأت العلاقة بيننا وبينه أثناء محاولة الانقلاب الناصري ضده، وقررنا التعاون معه وبدأت العلاقة تتوطد وكلما أظهر موقفاً حاسماً مع المخربين ومع الشيوعيين في عدن اقتربنا منه وتعاونا معه أكثر.
شاركنا في حرب 1979، مجاهد أبو شوارب وحمود عاطف وعلي شويط وعلي حميد جليدان والولد صادق بن عبد الله، قادة الحروب من حاشد أبلوا بلاء حسناً في قعطبه وجبن ودمت والبيضاء وتوزعنا في عدة جبهات، هذه الأدوار عمقت الصلة وأوجدت ترابطاً أكبر بيننا و أصبحنا شركاء.
وقد وجه لي الرئيس علي عبد الله صالح رسالة بتاريخ 22/2/79 يطلب فيها حشد الجهود وجمع المشائخ لمواجهة الموقف في قعطبة.
وفي الوقت الذي كنت أدفع رجالي من المقاتلين من مشائخ حاشد في جبهات القتال كان شباب الحركة الإسلامية الذين كنت علي تنسيق كامل معهم يؤدون أدوارا هامة في عدة مناطق من أهمها خبان والنادرة وعمار وشمير وشرعب وبحمد الله نجحنا وتأكدت القناعة لدي الرئيس أننا نعتبر سنداً له وأننا قد تحملنا العبء الأكبر في الدفاع عن الوطن والعقيدة.
وواصلنا العطاء في كل الجبهات وعلي كل المستويات، المستوي القبلي والمستوي الإسلامي أي شباب الحركة الإسلامية الذين قاموا بأدوار ومواقف كانت من أقوي وأصدق الأدوار والمواقف وفي كل الجبهات وعلي مستوي اليمن بأكمله. ومن الذين أتذكر لهم شرف المشاركة في الحرب والمقاومة من المشائخ وكذا شباب الحركة الإسلامية الشيخ علي المقبلي والأستاذ عبد الرحمن العماد في المناطق الوسطي، والشيح محمد عائض الحميري، وعبده علي شعلان في حزم العدين. وفي ناحية العدين ومذيخرة وذي السفال الشيخ أمين بن علي محسن باشا، والشيخ صادق علي عبدة محسن، والشيخ محمد أحمد منصور بن نصر والأستاذ محمد محمد قحطان، والشيخ محمد عبد الله بن نائف ودرهم بن يحيي، وفي منطقة شرعب الأستاذ عبد الجليل سعيد بن سعيد، والشيخ محمد طاهر، والشيخ مارش بن عبد الجليل. وفي منطقة ريمة الشيخ علي يوسف الجعدي، وفي منطقة هكمان وجبل راس وشمير الدكتور عبد الولي الشميري، والمشائخ آل النور من جبل راس.
إن هذه المواقف والأدوار لا يستطيع الرئيس علي عبدالله صالح أن ينكرها، وأنه لولا هذه الأدوار وهذه القوي المرتبطة بي لما تمكن النظام من النجاح، صحيح أن القوات المسلحة قامت بأدوار كبيرة وهامة لكن أدوارنا كانت أطول وأوسع وأضعفت كثيراً كل محاولات التخريب والمد اليساري.
قمة الكويت 1979
بعد انتهاء الحرب بين الشطرين عام 1979 عقدت قمة في الكويت بين الرئيس علي عبدالله صالح وعبد الفتاح إسماعيل، وتم الاتفاق علي إعداد مشروع دستور لدولة الوحدة، وقد كان لنا وجهة نظر مغايرة وحدث توتر في علاقتنا مع الرئيس وما أشبه الليلة البارحة، فقد تكرر ما حدث مع القاضي عبدالرحمن الارياني عام 1972.
لم نكن راضين علي هذا التفاهم مع النظام الشيوعي في عدن، وربما كان ذلك تكتيكًا من الرئيس علي عبدالله صالح لأنه لم يكن يمتلك الإمكانيات اللازمة للمواجهة فإمكانياتنا كانت فعلاً شحيحة والمملكة والدول التي لها علاقة بنا كان دعمها لنا ضعيفاً جداً، بينما النظام في عدن كان يتلقي دعماً كبيراً من الدول الشرقية ولا زلت أذكر أن محمد جباري ضرب لنا مثلاً بأن النظام في عدن معه مظلة يسير تحت ظلها ونحن نسير في العراء.
ورغم معارضتنا لاتفاقية الرئيس علي عبدالله صالح مع عبد الفتاح إسماعيل وتخوفنا من نتائجها إلا أنه تبين لنا بعد فترة أن الاتفاقية كانت لمصلحة الوطن، حيث لم يعد النظام في عدن هو المواجه مباشرة لنا بجيشه وقوته وأصبح المواجهون لنا هم جبهة من عصابات تخريب داخل اليمن وهم، وإن كانوا مدعومين من النظام في الجنوب مادياً وعسكرياً وسياسياً، إلا أنه ليس المطلوب منه أن يسحبهم فنحن دولة علينا أن نتخلص منهم سواء بالحرب أو بالسلم وهذا ما حصل.
وبعد اتفاقية الكويت جاءت مفاوضات الرئيس مع الجبهة الوطنية وموافقته علي أن يعطيهم بعض المناصب مقابل أنهم يوقفون أعمال التخريب العسكري ويوقفون إذاعة ما كان يسمي بصوت الجبهة الوطنية.
وهذا ما أثار تخوفنا وتحرك الناس بالمواجهة الشعبية بعد هذا الاتفاق، وبدأت المواجهة في المناطق الوسطي وأثبتت المواجهة الشعبية أن المخربين ليسوا قوة لا تقهر وأنه بالإمكان طردهم والقضاء عليهم بعد أن كان اليأس والإحباط قد أصاب الجميع، وحين واجههم المواطنون بنفس الأساليب التي جاءوا بها واستطاعوا أن يحجموهم، وحين حققوا بعض الانتصارات عليهم، تشجعت الحكومة وتشجع الجيش في مواجهة المخربين وبدأوا يحرزون انتصارات هامة ضدهم.
وعاد التعاون بيننا وبين الرئيس ليقوي من جديد، وكنا نحاول أن نشده معنا ونقوي من عزمه لمواجهة هؤلاء المخربين بالقوة ونحن بجانبه، ونجد أن بعض من هم حول الرئيس قد تصالحوا مع الجبهة الوطنية، وأوصلوهم إلي صنعاء وإلي ذمار وأدخلوهم في القوات المسلحة، كذلك عناصر التخريب في وصاب وعتمة وريمة أدخلوهم القوات المسلحة، وأدخلوا مخربين مثل محمد صالح الحدي وصالح قائد الكهالي ومن معه، وفي حين أنهم كانوا في موقف ضعيف جداً وكنا في موقف قوي نستطيع أن ننتصر عليهم وإن كانوا قد انتهوا فعلاً كقوة تخريبية في المناطق التي كانوا يقومون بأعمال التخريب فيها، إلا أنهم قد وجدوا في أجهزة الدولة وفي المؤسسة العسكرية مجالاً جديداً للعمل ضد المشائخ والتيار الإسلامي.
ولا زلت أتذكر كتيبة أو كتيبتين أخذوهم من ريمة إلي عبس وضموهم للقوة العسكرية هناك، وحصل منهم تخريب ضد المواطنين والدولة وفي صفوف القوات المسلحة وهرب بعضهم من جديد وتمردوا، ولأنه لم يعد لديهم مأوي عادوا للتخريب في المناطق ضد العناصر المتعاونة مع الدولة من المشائخ والتيار الإسلامي مثل ريمة وفي وصاب وعتمة والقفر أكثر من غيرها.
فكرة الميثاق والمؤتمر الشعبي
بعد انتهاء التخريب في عام 1982 أصبح الموقف سياسياً والمواجهة سياسية وجاءت فكرة الميثاق الوطني وتشكلت لجنة الحوار الوطني سنة 1980 برئاسة حسين المقدمي وشارك فيها عضوان من الجبهة الوطنية محمد الشيباني ويحيي الشامي، وقد أسهمنا فيها إسهاماً قوياً وفاعلاً أنا والعلماء والشباب والدكتور أحمد الاصبحي والقاضي عبد الكريم العرشي الذي تحمل العبء الكبير.
وكان الرئيس متحمساً لهذه الفكرة وموقفه جيد وواضح، وكنا جميعاَ متعاونين علي إخراج هذا الميثاق إخراجاً إسلامياً وطنياً تتحدد فيه هوية الشعب اليمني المسلم، والذي يصبح كفكر يواجه الفكر الإلحادي والشيوعي الانتهازي الفوضوي، فوجود فكر إلحادي واضح وصريح تدعمه وتتبناه دولة في جنوب اليمن وتسعي لتصديره إلي اليمن بأكمله بل إلي خارج اليمن لا يمكن مواجهته إلا بفكر. وبقاؤنا في الشمال كدولة كبيرة الدولة الأم بأرضها الواسعة وشعبها الكبير بدون أن يكون لنا فكر يواجه الفكر الشيوعي هو الذي أتعبنا وأضعفنا ومكن أعداءنا من اختراقنا وخلخلة صفوفنا، وكان اتفاقنا جميعاً رئيس ومرؤوس علي أن الغرض من الميثاق هو هذا، ولأن قوي متعددة ومختلفة قد شاركت في الإعداد لهذا الميثاق وصيغته فقد دخلنا في حوار وجدل مع من يريد أن يضعف هذه الوثيقة.
وفعلاً تضافرت الجهود ونجحنا وخرج الميثاق بتلك الصيغة العظيمة، وبعد إخراج الميثاق كان لا بد من أن يكون له تنظيم يرعاه ويسير علي نهجه وأسسه، فاشتركنا بجد في قيام المؤتمر الشعبي العام، وبما أن الفكرة سواءً في الميثاق الوطني أو في وجود تنظيم واحد في اليمن هو أن يضم كل التناقضات، فقد دخلنا في حوار وجدل وصراع أيضاً من أجل تكوين قيادات هذا التنظيم (المؤتمر)، وحصل فعلاً خلاف حتي بيننا وبين الرئيس لأننا نريد أن تكون قيادات هذا التنظيم منسجمة مع الفكرة من أساسها مع الميثاق الوطني والغرض الذي أنشئ من أجله. كنا نريد أن تكون قياداته من العناصر المقتنعة به والتي سوف تحميه وتتبناه، والرئيس لم يكن معنا في هذا لأن القوي العلمانية المتوغلة في أجهزة الدولة أربكته، حتي أنه أصبح يريد أن يكونوا هم الأغلبية والماسكين بزمام الأمور في هذا التنظيم، وحصل الخلاف بيننا بينه وعارضنا بقوة، وكنا نستطيع أن نرفع أصواتنا وننجح لأننا نعارض من داخل الصف ومن داخل هذا النظام ولم يكن التنافس بين أحزاب وتنظيمات علنية إذ كلنا في حزب واحد إنما كان التنافس بين اتجاهات وتيارات معروفه وأحزاب غير رسمية، وكان ما يهم كل تيار من هو الذي سيمسك بالرئيس ويكسبه إلي جانبه ؟ وكان التيار الإسلامي والوطني هو الأكثر والأقوي، وما كان يضعفنا إلا الرئيس رغم أن قاعدته هم التيار الإسلامي.
فترة الثمانينات
اكتفيت في الثمانينات بعضوية المجلس الاستشاري ولم أتولٌ أي منصب أكبر، لم يكن ذلك مقصوداً مني أبداً و إنما كان يطلب مني ذلك بالمفتوح حتي في انتخابات مجلس الشوري عام 1988 طرحت الموضوع علي الرئيس علي عبدالله صالح إنني أريد أن أرشح نفسي لعضوية المجلس لكن علي أساس أن أكون رئيساً للمجلس فرفض الرئيس ذلك.
ولكن ذلك لم يؤثر علي دوري السياسي في المجتمع والدولة وتعاوني مع الرئيس فقد حملت علي عاتقي دعم النظام، والدفاع عن الجمهورية والثورة التي أسسناها وأسهمنا في وجودها، وهذا الشعور لدي كان منذ الأيام الأولي للثورة. ولم أتقاعس في يوم من الأيام عن أداء الدور الذي يجب علي سواء من داخل السلطة أو خارجها، فقد مضيت في أداء واجبي من خارج السلطة، و أما الدور الرسمي فلا يقوم به إلا الذي له منصب رسمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.